شوف تشوف

الرئيسيةخاص

أزمة سد النهضة …تجاهل مجلس الأمن الدولي يسعر خلاف مصر والسودان وإثيوبيا

سهيلة التاور
خاب ظن دولتي مصب نهر النيل، مصر والسودان، بعد تجاهل مجلس الأمن الدولي لأزمة سد النهضة الإثيوبي وتحويل الوساطة إلى الاتحاد الإفريقي، داعيا الدول الثلاث إلى المضي في مسار التفاوض. هذا التجاهل أثار غضب الدولتين المتضررتين وقلقهما من المخاطر التي تهدد أمنهما القومي في حال التعبئة السريعة التي تصر عليها إثيوبيا أما في حالة انهيار السد فإن الوضع سيصبح كارثيا.

توجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بخطاب إلى الشعب المصري أكد فيه أن المساس بأمن مصر القومي خط أحمر لا يمكن اجتيازه “شاء من شاء وأبى من أبى”، موضحا أن ممارسة الحكمة والجنوح للسلام “لا يعني أننا سنسمح لأحد بالمساس بمقدرات بلادنا”.

وأوضح السيسي: “لا نحاول تصدير الوهم ولا نريد دغدغة مشاعر الشعب، وقلق المصريين بشأن المياه مشروع”، مضيفا: “قلنا لإثيوبيا إننا مستعدون للتعاون معكم بشأن الكهرباء وبما يساعد على التنمية والرخاء لشعبكم”.

وكشف الرئيس المصري أن القاهرة طالبت إثيوبيا باتفاق قانوني ينظم حقوق المياه وتشغيل سد النهضة، وأن الحكومة ما زالت تتحرك بهذا الاتجاه، ولفت إلى أن مصر لا تسعى للتهديد أو التدخل في شؤون الدول، وأن ما تريده هو تعاون الآخرين.

وأوضح السيسي أن التحرك المصري في مجلس الأمن جاء بهدف وضع أزمة سد النهضة على أجندة المجتمع الدولي، داعيا “الأشقاء” في إثيوبيا والسودان لإبرام اتفاق قانوني ملزم، والابتعاد عن التهديد.

وفي إطار التحرك لتوفير المياه، قال السيسي إن بلاده تقوم بإجراءات لتوفير المياه بالداخل، حيث رصدت الحكومة 60 مليار جنيه لمشروع تبطين الترع من أجل الحفاظ على المياه استعدادا للمستقبل.

وكان مجلس الأمن قد عقد جلسة بشأن نزاع سد النهضة الثانية من نوعها بعد أولى عُقدت في العام الماضي، لتحريك جمود المفاوضات بين إثيوبيا ومصر والسودان. ولكن المجلس لم يصدر أي قرار بشأن مسودة القرار العربي التي تطالب بمواصلة المفاوضات بين الدول الثلاث مدة 6 أشهر بغية التوصل إلى اتفاق بشأن قواعد ملء السد وتشغيله.

وأعاد المجلس قضية سد النهضة إلى الاتحاد الإفريقي، داعيا الدول الثلاث إلى المضي في مسار التفاوض، دون تحديد سقف زمني كما طالبت مصر والسودان. بعد أن أخطرت إثيوبيا دولتي مصب نهر النيل، مصر والسودان، في الخامس من يونيو الماضي بالشروع في ملء ثانٍ للسد بالمياه، من دون التوصل إلى اتفاق ثلاثي، وهو ما رفضته القاهرة والخرطوم، باعتباره إجراءً أحادي الجانب.

وقد أيد أعضاء مجلس الأمن، في الاجتماع الذي عقد بطلب من مصر والسودان، جهود الوساطة التي يقوم بها الاتحاد الإفريقي لحل الخلاف حول السد بين إثيوبيا من جهة ومصر والسودان من جهة أخرى.
وعبرت وزارة الخارجية الإثيوبية عن اعتقادها بأن الاجتماع بشأن سد النهضة مثّل «نجاحا دبلوماسياً وإنجازاً عظيماً لإثيوبيا وشعبها». وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، في مؤتمر صحفي عقد في اليوم التالي للاجتماع إنه «على الرغم من الجهود التي بذلتها مصر والسودان لإحالة مشكلة السد إلى مجلس الأمن الدولي، إلا أن المجلس أعاد القضية إلى الاتحاد الإفريقي.»
وتتمسك إثيوبيا بأن السد يكتسب طابعا اقتصاديا وتنبغي معالجته في الإطار الإفريقي ولا يحق لمجلس الأمن بحث تداعياته، لأنه لا يتعلق بالأمن والسلم الدوليين.

رد فعل دولتي المصب
يواصل وزير الخارجية المصري سامح شكري جهوده الدبلوماسية المتعلقة بمسألة سد النهضة، حيث أجرى محادثات مع اللجنة العربية المكلفة بمتابعة التطورات الأخيرة في هذا الصدد. وتباحث عقب انتهاء جلسة مجلس الأمن مع نظيرته السودانية مريم الصادق المهدي ومع اللجنة العربية التي تضم ممثلين عن المغرب والأردن والسعودية والعراق والجامعة العربية.
وكان شكري قد حذر، في خطابه بجلسة مجلس الأمن، من أن مصر «ستحمي حقها في الحياة» إذا أصرت إثيوبيا على عملية ملء السد المثير للخلاف. كما طلب من المجلس «تحمل مسؤوليته»، عازياً الجمود الراهن إلى ما وصفه بـ «التصلب الإثيوبي».
وكانت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي بدورها قد عبرت، في خطابها أمام مجلس الأمن، عن مخاوف بلادها من «الآثار السلبية للسد في حال تم ملؤه وتشغيله دون التوصل إلى اتفاق ملزم بين الدول الثلاث»، السودان وإثيوبيا ومصر.
كما دعت المجلس إلى تحمل مسؤولياته في حماية الأمن والسلام الإقليميين من خلال إجراء مفاوضات تحت مظلة الاتحاد الإفريقي وبمشاركة مراقبين ووسطاء دوليين لتسهيل عملية التفاوض بين الدول الثلاث.
وقالت مريم إن عملية التفاوض ينبغي أن تتم ضمن جدول زمني محدد ودعت إثيوبيا إلى الامتناع عن تبني إجراءات أحادية الجانب من شأنها أن تهدد حياة الملايين.

الموقف الأممي
قال المبعوث الخاص للأمين العام للقرن الإفريقي بارفيه أونانغا أنيانغا إن كل الدول التي تتشارك في الأنهار العابرة للحدود تتمتع بحقوق وعليها واجبات، داعيا الدول الثلاث إلى التعاون في ما بينها وتفادي أي تصريحات تزيد من التوتر.
وبدورها، أكدت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة أنغر أندرسن في إفادتها أنه من الممكن أن تحرز الأمم المتحدة مع الأطراف المعنية تقدما على نحو سلمي والتوصل إلى اتفاق مثالي، ولكن ذلك يتطلب إظهار الإرادة من الأطراف المعنية وتجاوز الخلافات.

الأضرار على مصر
تتمسك مصر بضرورة أن يكون هناك اتفاق قانوني ملزم للتعبئة والتشغيل وأن يكون ذلك وفق قواعد ثابتة ومحددة لا يمكن تغييرها من جانب واحد، نظرا لتزداد حدة المخاطر في سنوات الجفاف والجفاف الممتد وكذلك في حالة التعبئة السريعة لخزان سد النهضة. ومن أول الأضرار المهمة التي ستطال مصر هي تآكل الرقعة الزراعية بنسب تتفاوت وفقا لبعض الدراسات وتقديرات الخبراء تصل إلى نحو ثلث الرقعة الزراعية المصرية. بحيث تقول دراسة أعدها أكاديميون بجامعات أمريكية بينهم الأكاديمي المصري في وكالة «ناسا» الأمريكية الدكتور عصام حجي ونشرتها مؤخرا دورية «ليترز إنفيرومنتال ريسرش» (Environmental Research Letters)، إن الرقعة الزراعية المصرية مهددة بالتراجع بنسبة مقلقة تصل 72 في المائة في أحد أسوأ السيناريوهات. وتقول بعض الدراسات إن كل 5 مليارات متر مكعب من المياه تنقص من حصة مصر يعني بوار مليون فدان من إجمالي مساحة الرقعة الزراعية في مصر البالغة نحو 8.5 ملايين فدان.
وترى الدراسة الأكاديمية الأمريكية المشار إليها أن موارد مصر المائية مهددة بالتراجع بمقدار 31 مليار متر مكعب سنويا وهو ما يعادل أكثر من ضعف حصة مصر السنوية من مياه النيل والبالغة 55.5 مليار متر مكعب، وذلك في حال تمسكت إثيوبيا بالتعبئة السريعة لخزان السد الذي يستوعب 74 مليار متر مكعب، كما ترى الدراسة أن الخسارة قد تصل إلى 43 مليارا في حال تمت التعبئة في 3 سنوات فقط. كما توقعت الدراسة أن ينخفض الناتج القومي للفرد في مصر بنسبة قد تصل إلى 8 في المائة، ومن ثم وصول معدل البطالة إلى نحو 25 في المائة.
وأضرار أخرى تتمثل في تآكل الدلتا المصرية وربما حتى اختفاء أجزاء منها نتيجة تراجع منسوب النيل، ما يؤدي إلى دخول مياه البحر المتوسط وزيادة معدلات ملوحة التربة. ونضوب مخزون المياه الجوفية وهو المصدر الثاني للمياه في مصر، حيث تقول بعض الدراسات إن مخزون المياه الجوفية مهدد بفقدان 6 مليارات متر مكعب من المياه فقط بسبب التراجع المحتمل لمنسوب المياه في بحيرة ناصر أمام السد العالي. وتراجع محصول الثروة السمكية النيلية التي تعتبر مصدرا رئيسيا للمصريين خاصة أسماك البلطي والبوري.
وفي حال التشغيل الخاطئ لسد النهضة يمكن أيضا تضرر إنتاج الكهرباء من السد العالي وقد تتوقف تماما عن العمل في حال حدوث تراجع كبير في منسوب النهر لسنوات طويلة يتم خلالها السحب من مخزون بحيرة ناصر المغذية للسد العالي لتعويض تراجع تدفق النيل، ما يؤدي إلى انخفاض منسوب البحيرة إلى مستويات قد لا تكون قادرة على تشغيل توربينات السد.
ووفقًا لما يقوله بعض الخبراء فإنه في أسوأ السيناريوهات هناك سيناريو الملء السريع الذي سيفقد قرابة 4 ملايين و750 ألف مشتغل بالزراعة مصدر دخلهم، وهي نسبة تصل إلى حوالي ثلاثة أرباع العاملين بالقطاع. أما السيناريو الأكثر تفاؤلا وهو الملء على سنوات بعيدة تصل 29 سنة وقواعد واضحة للتشغيل فإن مصر ستفقد 3 مليارات متر مكعب سنويا من المياه وهي خسارة يمكن تعويضها والتعامل معها بحلول بديلة خاصة أن البلاد دخلت بالفعل في منطقة الفقر المائي وفقا لمعيار الأمم المتحدة الذي حدد نصيب الفرد من المياه سنويا بنحو ألف متر مكعب، بينما لا يتجاوز نصيب الفرد في مصر حاليا أكثر من نصف هذا الحد.

الأضرار على السودان
من الأضرار التي يمكن أن يلحقها سد النهضة الإثيوبي بالسودان، يعتبر انهيار سد النهضة كابوسا بالنسبة للسودان حيث ستختفي معه معظم السدود والمدن والقرى السودانية.
وتعتمد نحو 50 ألف فدان من أصل 100 ألف فدان على الري الفيضي يقع أغلبها في ولايات نهر النيل والنيل الأزرق وسنار، التي ستتأثر سلبا بشكل مباشر بعد اكتمال السد. وفي نفس الوقت، هناك تهديد ما يقدر بنحو 20 مليون نسمة في 3 مواسم زراعية.
كما سيؤدي انخفاض منسوب المياه في نهر النيل الأزرق إلى تحويل الري بالراحة إلى الري بالرفع بتكاليفه العالية وخاصة مع نقص الكهرباء والمواد البترولية في البلاد.
أما حجز الطمي أمام السد سيحرم السودان من المغذي الطبيعي لأراضيه مما يتطلب استخدام الأسمدة الصناعية سواء بالاستيراد أو بالتصنيع الذي يتطلب كميات من الكهرباء أكبر من التي سيحصلون عليها من سد النهضة. وسيوقف صناعة الطوب الأحمر.
وأي نقص في تدفق النيل الأزرق ستكون تبعاته خطيرة على السودان لعدم توفر سدود تخزينية كبيرة بها تستطيع تعويض هذا العجز المتوقع. كما أن هناك احتمال انخفاض كميات المياه الواردة من النيل الأزرق خلال الفترة من شهر أبريل حتى نهاية شتنبر من كل عام، والتأثير المباشر من هذا يتمثل في قلة المياه الواردة لمحطات مياه الشرب.
وبملء سد النهضة سيتأثر قطاع نهر النيل الأبيض بين منطقتي الجبلين في جنوب السودان إلى جبل أولياء جنوب العاصمة الخرطوم، ما يؤدي لتقليص مساحات الجروف والمراعي بسبب عدم التفريغ الكامل لبحيرة سد جبل أولياء. وستقل كميات المياه في قطاع نهر النيل الرئيسي من الخرطوم إلى مدينة عطبرة شمالي الخرطوم، كما تنخفض المناسيب بصورة واضحة.
وغياب المعلومات والبيانات وعدم التوصل إلى اتفاق ملزم لملء وتشغيل سد النهضة بسبب رفض الجانب الإثيوبي سيؤثر تأثيرا سلبيا كبيرا على تشغيل خزان «الروصيرص». ويعتمد هذا الخزان في تشغيله على إيراد النهر الطبيعي والآن سيعتمد على كميات النهر الواردة من سد النهضة، وبالتالي غياب اتفاق ملزم ومرض لجميع الجهات سيشكل خطورة كبيرة. فالملء الأول لسد النهضة، أدى إلى أسبوع من العطش، وأثر على الري واحتياجات الثروة الحيوانية والمنازل والصناعة. أما الملء الثاني للسد سيكون قنبلة مائية لأنه يستلزم ضخ كميات مائية أكبر من طاقة السدود السودانية المقامة على نهر النيل الأزرق ما ينذر بحدوث كوارث.

مهدد بالانهيار
قال الدكتور هشام بخيت أستاذ الهيدروليكا بكلية الهندسة بجامعة القاهرة وعضو وفد مصر في مفاوضات سد النهضة إن سد النهضة صنف دوليا من المشاريع الأكثر خطورة، وأن احتمالات انهياره واردة بسبب الواقع الجيولوجي للمنطقة وعدم تحمله لأي إنشاءات خرسانية، مشيرا إلى أنه في حال انهيار السد سيكون الوضع كارثيا على السودان. كما أكد الدكتور محمد عبد العاطي، وزير الموارد المائية والري، أن سد النهضة به عيوب جسيمة تم إعلانها وهناك عيوب أخرى لم تعلن.
وبدوره، يقول الخبير المصري زكي البحيري: دعنا نستند إلى تقرير خاص بهذا الشأن أعده أصفو بييني، أستاذ الهندسة الميكانيكية بجامعة سانتياغو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، يؤكد فيه أن سعة بحيرة سد النهضة وحجمه مبالغ فيهما بما لا يقل عن 300 في المائة، وأنه ينبغي تقليص السد إلى ثلث مواصفاته الحالية لكي يصبح آمنا ولا يزيد حجم التخزين فيه عن 14,5 مليار متر مكعب من المياه، كما يجب ألا يزيد ارتفاعه عن 85 مترا.
ووفق تقرير بييني -كما يقول الخبير المصري -فإن الأوضاع الجيولوجية للمنطقة التي يقام فيها السد زلزالية، وتاريخها يشير لذلك، حيث يشكك الخبير الأمريكي في تقريره حول مدى تحمل السد للفيضانات الجارفة التي تحدث 7 مرات كل 20 عاما، مؤكدا أن مثل هذه الفيضانات يمكن أن تطيح بالسد نفسه.
ويضيف الخبير المصري إن السد يقع على فالق أرضي خطر في منطقة زلزالية وبركانية، ولو تم تخزين مياه بالحجم الذي تنوي إثيوبيا تخزينه فيه، فربما يؤدي ذلك إلى كارثة إذا حدث انفراج للفالق الأرضي، كما تزداد المخاوف بسبب وقوع السد في منطقة الأخدود الإفريقي الشرقي المعروف بنشاطه الزلزالي المرتفع نتيجة كثرة التصدعات والشقوق وحركة القشرة الأرضية في نطاقه.

ويتابع أن خبير الزلازل العالمي الدكتور رشاد القبيصي أكد أنه من المتوقع انهيار سد النهضة بتخطيطه الحالي، فالبيانات المتوفرة تشير إلى أن هناك ما يقرب من 10 آلاف زلزال تفوق في قوتها 4 درجات بمقياس «ريختر» حدثت بالقرب من موقع السد خلال الفترة من العام 1970 حتى العام 2013، والدليل على ذلك انهيار جزء من سد تيكيزي الذي أقيم في العام 2009، كما انهار سد جيبي 2 المقام على نهر أومو المتجه إلى بحيرة «تروكانا» في كينيا بعد 10 أيام من افتتاحه رسميا عقب مجيء أول فيضان للنيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى