إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
وصلت حدة الصراعات بين حزبي التجمع الوطني للأحرار والعدالة والتنمية إلى مستويات غير مسبوقة مرشحة لمزيد من التصعيد، ما ينذر بأزمة داخل الأغلبية قد تهدد بسقوط حكومة العثماني برمتها قبل استكمال ولايتها سنة 2021، وهي السنة التي ستعرف تنظيم الانتخابات التشريعية، وستكون محطة مفصلية في المشهد السياسي والحزبي المغربي المرتبك. لذلك بدأت جل الأحزاب السياسية تسخيناتها الأولية منذ الآن، من خلال تبادل الضربات تحت الحزام، وخاصة داخل التحالف الحكومي، عوض الانكباب على معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المواطنين.
كانت الأزمة التي شهدها قطاع التجارة بعد الإضرابات العامة التي خاضها التجار الصغار احتجاجا على نظام الفوترة الإلكترونية الجديد، النقطة التي أفاضت كأس الخلاف داخل الحكومة بين حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، حيث حمل حزب التجمع الوطني، في اجتماع مكتبه السياسي بمدينة الناظور إبان بداية الأزمة منتصف يناير الماضي، المسؤولية للإجراءات التي تم اعتمادها من قبل الحكومة السابقة في قانون المالية 2014، حيث تم توسيع صلاحيات المراقبة لأعوان الجمارك لتمتد على الطرقات عوض الاقتصار على النقط الحدودية كما كان معمولا به سابقا، وهو الأمر الذي تسبب في أزمة التجار وتجدد عبر الإجراءات التي أقرتها الحكومة في قانون المالية لسنة 2018، والمتمثلة أساسا في اعتماد نظام رقمنة الفواتير. واعتبر المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية مسؤولة عن الأزمة، لكونها فرضت تلك الإجراءات دون مشاورات مسبقة مع التجار، داعيا إلى إجراء التعديلات اللازمة وبشكل عاجل على مدونتي الضرائب والجمارك قصد تصحيح هذا الوضع.
حرب كلامية بين مكونات التحالف الحكومي
أياما قليلة على موقف حزب التجمع الوطني للأحرار من الأزمة، دخل عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق والأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، على الخط وهاجم من جديد، في لقاء له مع شباب من حزبه، حلفاء العثماني من داخل الحكومة، ليعيد مهاجمة عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات والتنمية القروية، ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، باسمه، مطالبا إياه بالانسحاب من السياسة، وقال: «أخنوش نصحتوا يمشي للدار بحالوا، ما بغاش اسمع لي»، مردفا «هداك جابوه الفلوس ومعندوش «الكباري» ديال السياسة»، حسب بنكيران الذي قال إن «السياسة هي توقف في وجه الناس»، على حد تعبير بنكيران، الذي قال إنه «مصاب اجي شي واحد آخر بلاصت العثماني». وربط بنكيران خرجات حليف العدالة والتنمية داخل الحكومة بالتسخين لانتخابات 2021 التشريعية.
وبعد خرجة عبد الإله بنكيران التهجمية ضد حزب التجمع الوطني للأحرار ورئيسه، عزيز أخنوش، خرج سعد الدين العثماني، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة، بدوره، خلال كلمته الافتتاحية ضمن أشغال اللقاء التواصلي الداخلي لجهة سوس- ماسة، للتلميح إلى أزمة التجار، وقال إن «حزبا اتخذ القرار وبعد الأزمة والمشكل بدأ يهاجم الحكومة ويتهمها رغم أنه هو المشارك فيها»، حسب العثماني، الذي اتهم التجمع الوطني للأحرار، دون ذكره بالاسم، بـ«التسبب في المشكل ومحاولة التهرب منه رغم أن وزراءه هم المسؤولون عن ذلك القطاع»، على حد تعبير العثماني، الذي قال إن «التضامن الحكومي لا يعني أن يتم تحميل حزب رئيس الحكومة المسؤولية عن قرارات الحكومة»، مردفا أن الموقف الذي عبر عنه حزب التجمع الوطني للأحرار من أزمة التجار «ليس تصرفا سياسيا ويجب تحمل المسؤولية».
وفي اليوم الموالي، رد عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات والتنمية القروية، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، في كلمة له بالمجلس الوطني للحزب بالرباط، على تصريحات العثماني، موضحا موقف الحزب مما عرفته التجارة المغربية من احتجاجات، قائلا: «موقفنا واضح وما قلته في الناظور لازلت متمسكا به، ولا أفهم كيف للمجلس الحكومي الذي يهتم بشؤون المواطنين أن ينتقد تصريحات حزب سياسي، أي ديمقراطية هاته؟»، مضيفا: «نحن لا نتحدث في الحكومة عن تصريحاتهم، نحترمهم ونقول ما نريد داخل حزبنا، نعبر عن آرائنا بكل حرية، ويجب احترام المؤسسات الحزبية»، على حد تعبير أخنوش، الذي قال: «في مشكل التجار نحن لا نرمي الكرة في ملعب أي حزب، لكننا نطالب بأن تتحمل الحكومة المسؤولية كاملة، نحن كطرف نتحمل المسؤولية، لكن لابد للأطراف الأخرى أن تعترف بمسؤوليتها في الأمر، والبحث عن الحل، وعندما نرى أن الأمور أصبحت تخرج عن سياقها من الضروري الجلوس سويا للبحث عن الحلول»، وتابع أن «تغيير الأمور يستلزم تغيير القوانين، وأن الأمر لا يتم بالتعليمات، لأن القوانين تنظم حياة المواطن في المغرب».
وواصل أخنوش رده على التصريحات السابقة لرئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، بالقول إن قانون المالية «ليس ملكا لوزير المالية، هو من أنتجه صحيح لكنه يحتسب على رئيس حكومة»، مضيفا قوله: «المواد القانونية المثيرة للجدل في قضية التجارة، صحيح أنها جاءت في قانون المالية 2014، أحالها رئيس الحكومة آنذاك بيده على اللجنة المختصة في مجلس النواب التي يرأسها حزب رئيس الحكومة».
اتساع رقعة الأزمة داخل الأغلبية
بدوره، دخل وزير الدولة في حقوق الإنسان، وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، مصطفى الرميد في موجة التراشق بين حزبي التجمع الوطني للأحرار و«البيجيدي». وراسل الرميد أخنوش متهما إياه بـ«تغليط الرأي العام في قضية التجار والفوترة الإلكترونية»، على حد تعبير الرميد، الذي انتقد بلاغ المكتب السياسي لحزب «الأحرار»، وقال إن البلاغ «كان مثيرا في طريقة الحديث عن الصعوبات التي يعاني منها التجار، حيث لم تترددوا في تحميلها كاملة للحكومة السابقة والحالية. لقد جاءت صيغة البيان وكأن حزبكم يقع خارج الحكومة لا داخلها، حزبا أجنبيا عن التدبير الحكومي، وليس حزبا له وزراء يتحملون النواة الصلبة من المسؤوليات الحكومية ذات العلاقة المباشرة بالموضوع، (وزير الاقتصاد والمالية ووزير الصناعة والتجارة)»، حسب الرميد.
وواصل الرميد تهجمه على حليف حزبه في الحكومة، وقال إنه «إذا كان من حق حزب الأحرار أن يطالب الحكومة بكل الإجراءات التي يرى اقتراحها لمعالجة كافة النقائص والمشاكل، فإنه من غير المقبول أن يحمل الحكومتين السابقة والحالية المشاكل والصعوبات الناجمة عن التدبير الجماعي للسياسات العمومية، بصيغة تبعث على الظن بعدم مسؤوليتكم عنها، باعتبار حزبكم مشاركا في الحكومتين»، معتبرا أن مشكل التجار يرتبط بقطاعين يدبرهما حزب التجمع الوطني للأحرار، و«التالي فإنه إذا كانت الحكومة مسؤولة مسؤولية تضامنية، وهي كذلك، فإن التدقيق يفضي إلى أن الحزب الذي يدبر قطاع الاقتصاد والمالية والصناعة والتجارة تبقى مسؤوليته أكبر وأثقل»، وأضاف: «وإذا كنتم مصرين على أنكم غير معنيين بتدبير القطاعين المذكورين ونتائج هذا التدبير بإيجابياته وهي كثيرة، وسلبياته التي تبقى قليلة، فإنكم بذلك تهدمون مبدأ أساسيا من مبادئ الديموقراطية، التي اعتمدها الدستور المغربي، وهو مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة».
من جهته، انبرى محمد بودريقة، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، من أجل الدفاع عن حزبه والرد على رسالة الرميد برسالة مماثلة. واعتبر بودريقة أن رسالة الرميد إلى أخنوش تضمنت «الكثير من المغالطات»، مؤكدا أن «حزب التجمع الوطني للأحرار، حين انتقد الاختلالات في القانون المالي، لم يكن ليبحث عن مجد سياسي ولا ليبتغي ربحا انتخابيا، بقدر ما كان يهدف إلى تكريس فضيلة الاعتراف بالخطأ والسعي الحثيث إلى معالجته دون استعلاء أو تكبر»، على حد تعبير بودريقة، الذي أكد على «المسؤولية الكاملة لرئيس الحكومة في تدبير أعمالها حسب الدستور»، كاشفا أن حزب الرميد كان أكثر حماسا لتطبيق الفوترة على التجار، ومضيفا قوله: «ما فعلتموه، ومعكم الحكومة بمختلف مكوناتها – حتى لا يقال إننا نتملص من مسؤولياتنا- لا ينسجم مع ما رفعتموه من شعارات رنانة، ألم يكن حريا بكم أن تستمعوا لآهات التجار البسطاء التي ما فتئت تصدح بها حناجرهم؟ ألم يكن من المفيد الجلوس إليهم ومناقشة مشاكلهم والتوصل بمقترحاتهم والخلوص لاتفاق منصف يضمن انخراطهم الكامل في هذا الإصلاح؟».
انتقال الصراع إلى الأغلبية البرلمانية
انتقلت الحرب الكلامية بين حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار إلى قبة البرلمان، عندما هاجم عبد الله بوانو، عضو فريق الحزب الذي يقود الحكومة، مخطط المغرب الأخضر، الذي يشرف عليه وزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز أخنوش، الذي قال في رده «أنا لا أفهم الهجوم على مخطط المغرب الأخضر، والمغاربة يعرفون الاستثمارات التي خلقها والقيمة المضافة التي قدمها سواء على مستوى الإنتاج أو التسويق، والبرامج التي دعمها مثل دعمه لبرامج السقي والأشجار المثمرة وبذور القمح والتأمين، وهذا كله وصل للفلاحين الصغار»، معبرا عن استغرابه من الانتقادات التي طالت المغرب الأخضر، ومنها انتقادات من أطراف داخل الحكومة، في إشارة إلى حزب العدالة والتنمية.
وتسبب الصراع بين حزبي «الأحرار» و«البيجدي»، وتبادل الاتهامات بينهما حول مسؤوليتهما في أزمة التجار، في تأجيل الاجتماع الذي كان مقررا خلال الأسبوع الماضي، بين زعماء أحزاب التحالف الحكومي، والذي كان مخصصا لإيجاد حل توافقي لأزمة أخرى اندلعت داخل الأغلبية البرلمانية بمجلس النواب، بخصوص تقديم التعديلات على مشاريع قوانين مهمة، بعد بروز خلافات عميقة حول اعتماد حرف «تيفيناغ» في كتابة اللغة الأمازيغية، أثناء مناقشة القانون التنظيمي للأمازيغية، والقانون الإطار المتعلق بالتربية والتعليم، والقانون المنظم للمجلس الأعلى للغات والثقافة. وأكدت المصادر أن تأجيل هذا الاجتماع سيزيد من تأزيم الوضع بين فرق الأغلبية المساندة للحكومة، ما قد يهدد باستمرار «البلوكاج» داخل اللجان البرلمانية أثناء المصادقة على القوانين سالفة الذكر.
وفشلت فرق الأغلبية في تقديم تعديلات مشتركة حول قانون الأمازيغية المعروض للدراسة على لجنة المالية والتعليم، بعد خلافات عميقة حول التنصيص على اعتماد حرف «تيفيناغ» لكتابة اللغة الأمازيغية، ما دفع فريق العدالة والتنمية، الذي يطالب بكتابة الأمازيغية باللغة العربية، إلى تقديم تعديلاته بشكل مستقل عن باقي فرق الأغلبية، فيما قدمت فرق التجمع الدستوري، والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي، تعديلات مشتركة، بعد انسحاب مجموعة التقدم والاشتراكية التي قدمت كذلك تعديلات بشكل انفرادي. ولم تفلح الاجتماعات التي عقدها رؤساء فرق الأغلبية في التوصل إلى توافق حول تعديلات مشتركة، ما ينذر بحدوث انقسام في صفوف الأغلبية أثناء التصويت على القانون.
ودخل المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية، أحد مكونات الأغلبية، على خط هذه الأزمة، ليجدد موقفه الثابت بخصوص اعتماد «تيفيناغ» كحرف رسمي لكتابة اللغة الأمازيغية باعتباره جزءا من خصوصية الهوية الثقافية المغربية، مؤكدا، في الإطار نفسه، أن الانفتاح على اللغات الأجنبية في ما يخص تدريس المواد العلمية أمر لا محيد عنه، داعيا باقي الفرقاء السياسيين إلى استلهام أحكام الدستور الرامية إلى بناء سياسة لغوية وطنية قائمة على التكامل ومبدأ الوحدة في التنوع في مواقفها تجاه قوانين مصيرية لا ينبغي أن تخضع لمنطق المعارضة والأغلبية.