شوف تشوف

الرأيالرئيسيةمجتمع

أزبال مدينة الجديدة 

 

 

بقلم: خالص جلبي

 

مدينة الجديدة الساحلية، لؤلؤة المحيط ودرة السياحة، في برد منعش وهواء عليل. هي أشبه بساحرات العصور الوسطى؛ سوى أن الساكن والزائر يلحظ تكوم الأزبال في كل زاوية، والحفر والنقر تتناثر في كل موضع، هي أشبه بملكة جمال مصابة بالجدري الذي يحفر في الوجه حفرا تذكر بسطح القمر!  

عندي في منطقة كاليفورنيا، وهي حاليا أفخم حارة بالجديدة، فيها قصور السندباد البحري، وبيوت مهراجات الهند، وأساطير ألف ليلة وليلة. ومنذ سنوات في مروري إلى مسجد خديجة أم المؤمنين 62 أنبوبا إسمنتيا من أنابيب أسطوانية للصرف الصحي بثمن وكلفة قد نامت تنتظر القيامة لتؤدي دورها، لماذا وضعت؟ ومن وضعها؟ ولأي غرض؟ ولماذا ماتت ومنذ سنوات؟ ولماذا ألقيت هنا على وجه الخصوص؟ سألت العديد من السكان وهم جميعا (لاباس عليهم كما يقول المغاربة)، أي من أثرياء ألف ليلة وليلة كلهم (كي يتبرعوا مع راساتهم) في بيوت هي كما ذكر القرآن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا، وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين.  

المشكلة المضاعفة المعقدة هي الأزبال، أينما مررت وفي أي حارة واجهتك أكوام الأزبال قد ملأت الحاويات («البركاسة» كما يقول المغاربة). وانتثرت إلى الخارج، فمن معدم ينبش فيها بحثا عن عبوة بلاستيك، أو طير نورس حط عليها ينقر، أو قط يعس وكلب يلهث في كارثة صحية ليس لها من دون الله كاشفة.  

استطعت أن أوقف عمال النظافة، كوني أدفع كل سنة ضريبة نظافة بمقدار يزداد كل عام ووصل حاليا إلى 1419.16 درهما، قلت لهم: من المسؤول؟ فأعطوني بشكل خاص رقم هاتف في المنطقة الصناعية. اتصلت بالرجل وعرفته بنفسي، رحب وقال: سنحل المشكلة في خمسة أيام عددا. قلت له: خذ خمسة أسابيع، طبعا لم يحصل شيء. اتصلت به ثانيا وثالثا ورابعا، مع ترك رسالة صوتية. في المرة الخامسة كنت محظوظا فحظيت به، ذكرته بالكارثة البيئية خوفا من انتشار الأمراض، وعد بالحضور شخصيا، لكنه لم يحضر. في نيتي متابعة الموضوع لأننا في المجمع عندنا ثمة (بركاسة) محطمة، قمت أنا وزوجتي (سميتها امرأة الحضارة المغربية) دفعنا «البركاسة» إلى المجمع بجوارنا، كي يلقي الناس فيها أزبالهم على الرغم من تحطم قاعها.  

هذه واقعة من عديد ضمن مشكلة الأزبال في مدينة الجديدة، التي يجب أن تستنفر لها الجهات المسؤولة في كل زاوية من هذه المدينة السياحية الجميلة. تحدثت مع إمام المسجد في محاولة إحياء روح المبادرة، تحدثت مع ثلة من الأطباء الأثرياء في الحي، قلت لهم: أنا رجل ضيف ولا يليق بالمدينة هذا المنظر. أجاب أحدهم: نحن كلنا ضيوف، كان جوابه تهربا بشعا من المسؤولية.  

أذكر من عالم الاجتماع الألماني، ماكس فيبر، أن الحضارة الغربية قامت بثلاثة عناصر، الكسب والتشجيع عليه وروح المبادرة الفردية. يجب على كل مجمع من السكان أن يتنادوا لجعل حارتهم بهجة للناظرين، ومتعة للساكنين والزائرين والسائحين.  

لاحظت في الشمال المغربي (شفشاون وتطوان مثلا) ملاحظتين لا أنساهما، النظافة، واحترام المارة، خاصة في تطوان. في الجديدة حوادث الموتورات كل يوم من صدم ودهس، بسبب عدم احترام قوانين المرور. أصبحت الجديدة مدينة ألف حفرة وحفرة وأزبال في كل زاوية. وخلف قصور ألف ليلة وليلة، حيث تختفي دواوير خطيرة تنعدم فيها الصحة وتتكوم فيها الأزبال، ويتعاون على التخلف ضعف الوعي الصحي والفقر مع التباين الطبقي، وحيث الفقر توقع كل شيء.  

المشكلة معقدة بين تخلف، وضعف وعي، وفقر مع الانفلاق الطبقي، وعدم اهتمام، مع ثقافة لا تقدس النظافة والنظافة من الإيمان، وعدم التنبيه، وضياع المسؤوليات، وعدم التنسيق بين الجهات، وشيء من الفساد. من الغريب ولا غرابة أن هذه القصور حولي تطل منها الأشجار والورود والنظافة أمام القصر، ماعدا ذلك لا علاقة لأحد بأحد.  

أذكر من ألمانيا أنني سكنت في عمارة بسيطة بثلاثة طوابق، لاحظت لوحة مكتوب عليها قوانين النظافة. كل صاحبة شقة تنظف كل أسبوعين أمام بيتها وجارتها المواجهة، وكل ستة أسابيع أمام البناية، فتبقى البناية كلها نظيفة للساكنين ومتعة للمتفرجين وصحة للأطفال والعائلات. أكثر من ذلك «البركاسة» (الحاوية) تملأ مرة في الأسبوع لكل البناية بحرص واهتمام، ثم تنقل إلى الشارع ليأتي دور البلدية. 

أنا أعرف أن مثل هذا الكلام لن يسمع له أحد. كما سوف يدعو إلى التضايق من آخرين، فليس مثل المدح عسلا ولا مثل النقد حنظلا. وأعرف من نفسي أنني ضيف في هذا البلد، وعلي أن أقول قولا لا يوقظ نائما ولا يزعج مستيقظا، ولا يحرض أحدا على كتابة تقرير سمي ضدي، ولكنها أيضا مسؤوليتي وأنا الكاتب أن أرفد المواطن بما يفيده ويوعيه، والمسؤول بما يوقظه، وهي مسؤوليتي في الكتابة وقد قررت السكن هنا في بلد يمثل الثقافة الإسلامية لبلد مسلم. ويحز في نفسي وأنا أرى هذه المدينة التي سميت بالجديدة، أن لا تجدد نفسها. 

 

نافذة:  

المشكلة المضاعفة المعقدة هي الأزبال أينما مررت وفي أي حارة واجهتك أكوام الأزبال قد ملأت الحاويات «البركاسة» كما يقول المغاربة وانتثرت إلى الخارج     

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى