من المعلوم أن السينما ليست فقط محاكاة للحياة بل هي عوالم موازية نستطيع من خلالها اختبار الممكن والمستحيل. إذ يعكس الفن السابع روح التجربة الإنسانية في كل تمثلاتها. وفي هذا السياق نجد أن السينما، في العديد من محطاتها، كانت وسيلة احتجاج على الواقع وأداة نضال ضد مختلف أشكال الظلم.
نتحدث اليوم عن واحد من أهم الأعمال في تاريخ السينما المصرية وهو فيلم «أريد حلا» إنتاج سنة 1975، الفيلم الذي شكل علامة فارقة وتحولا مفصليا في المسار الحقوقي المتعلق بقضايا المرأة المصرية التي عانت لعقود طويلة من الحيف والتمييز في ما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية. ونحن اليوم نحتفي بالمرأة في عيدها الأممي لا يسعنا إلا أن نشيد بجرأة صناع ذلك الفيلم، الذي استوحت كاتبته قصتها من معاناة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، التي خذلها القانون في معركة طلاقها من زوجها الراحل عمر الشريف.
لقد ظلت المرأة المصرية والعربية، بشكل عام، حبيسة مجموعة من التشريعات والقوانين المجحفة التي تسيء لإنسانيتها وتحط من كرامتها. وعلى رأس هذه القوانين نجد الممارسات التعسفية في ما يخص الطلاق والحضانة وولاية الأم على أطفالها. ناقش «أريد حلا» الأساليب الملتوية التي يلجأ إليها بعض الأزواج لممارسة الترهيب النفسي على الزوجة وإجبارها على التنازل على كافة حقوقها. ترهيب وتلاعب بمباركة القانون الذكوري الذي طالما قام بتزكية مثل هذه الممارسات والتستر عليها.
رفع الفيلم إشكالية النظرة الدونية للمجتمع تجاه النساء، واعتبار المرأة كائنا غير كامل الأهلية، لا يحق لها أن تكون وصية لا على نفسها ولا على أطفالها. كان لفيلم أريد حلا صدى واسع، حيث لاقى نجاحا جماهيريا منقطع النظير داخل مصر وخارجها، إلى درجة أنه، وبعد سنوات قليلة من عرضه، تم إصدار تعديلات مهمة على قانون الأحوال الشخصية المصري عام 1979 أطلق عليه «قانون جيهان» نسبة إلى سيدة مصر الأولى آنذاك جيهان السادات، التي أبدت إعجابها بقصة الفيلم وتعاطفها مع الرسالة النبيلة التي قدمها من خلاله عمالقة الشاشة الفضية.
اليوم، وبعد ما يقارب السبعة عقود من عرض الفيلم المصري، هل لازالت المرأة العربية، والمغربية على وجه التحديد، تريد حلا؟
الجواب ببساطة هو نعم. ففي الوقت الذي لا ننكر القفزة التشريعية الكبيرة التي حققها المغرب في ما يتعلق بمدونة الأحوال الشخصية، والأشواط الحقوقية المهمة التي قطعها المناضلون من أجل الحصول على قوانين تضمن المساواة والكرامة للنساء، وتحمي حقوق القاصرات في التمدرس وتحمي الحقوق الدستورية للقاصرات، من حق في التمدرس وعدم الإجبار على الزواج دون بلوغ السن القانونية، لا يمكننا التغاضي عن جهات مغرضة كانت ولازالت أهدافها هي الإساءة إلى المكتسبات الحقوقية وتبخيس المعارك النضالية التي تخوضها المرأة المغربية إلى جانب الرجل في مواجهة الفكر الإقصائي. تصر هذه الجهات على إتحافنا بخرجات بهلوانية من أجل حشد وتهييج وتجييش الجماهير المغيبة ذهنيا. خرجات موسمية تطفو على السطح كلما تعلق الأمر بالدفع بعجلة التغيير التشريعي نحو تحقيق المزيد من المكتسبات. لا تشكل تلك الجهات علامة سلبية في المشهد السياسي والفكري المغربي فقط، بل تساهم بشكل كبير في انتشار داء السكيزوفرينيا المزمن في أوساط المجتمع.. حيث يصر هؤلاء، مثلا، على تعليم بناتهن في أرقى المدارس والجامعات، ويحرصون على توفير وظائف سامية لهن مباشرة بعد التخرج، ويرفض هؤلاء رفضا قاطعا أن تكون لبناتهن ضرة. يتغاضى هؤلاء، أيضا، عن الجولات الباريسية الرومانسية، ويتهمون الفوطوشوب كلما تعلق الأمر بالمولان روج. لكن الوضع يتغير تماما حين يكون النقاش عن مستقبل ومصلحة «بنات الشعب». إذ يتحول هؤلاء، فجأة، إلى مدافعين شرسين عن زواج القاصرات، والحق المطلق في التعدد، بل يصيبهم السعار الشديد إذا وقعت على مسامعهم مصطلحات مثل ولاية المرأة أو الاحتفاظ بحق الحضانة بعد الزواج. يشهر هؤلاء المهرجون ورقة الدين في وجوه المطالبين بالمساواة بين الجنسين، ليس غيرة أو دفاعا عن الدين نفسه، بل محاولة فاشلة للترهيب وتكميم الأفواه وقلب الطاولة على هيئات المجتمع المدني من خلال اتهامها زورا بالتآمر على عقيدة المغاربة..، رغم أن المعتقدات الدينية للمغاربة تظل محمية ومؤطرة من خلال مؤسسات مختصة وجهات عليا حريصة على الحفاظ على الأمن الروحي لهذا البلد.
يسعى المهرجون، من خلال خرجاتهم الإعلامية العجيبة، إلى ممارسة حيلة سياسية أصبحت مفضوحة ومتجاوزة. إن عرقلة المطالب المدنية بتحديث وتجديد شامل للمدونة، والإصرار على اعتبار المرأة مواطنة من الدرجة الثانية والتطبيل لزواج الطفلات، يساهم في إنتاج أجيال من النساء المعنفات المنكسرات، وأجيال من الأمهات الطفلات. وهي النماذج المجتمعية التي يعشقها المهرجون لسهولة اقتيادها إلى صناديق الاقتراع، أو سهولة استعبادها كخادمات لدى زوجات هؤلاء.
لقد حان الوقت للقطيعة التامة مع كل القوانين الحاطة من كرامة النساء، ورفض الشونطاج والترهيب الذي تمارسه جهات تحمل في جيناتها الفكرية النزعة الغريزية إلى زعزعة استقرار الشعوب. لهؤلاء المهرجين نقول إن التغيير قادم ولو كلفنا الأمر سبعة ملايين دولار.