شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

أرقام مرعبة حصيلة حرب الجنرالات منها نصف مليون منفي في الخارج

يونس جنوحي

كان المشهد سنة 1995 ضبابيا جدا، لكنه، مع ذلك، واضح المعالم من الأسفل. بالنسبة للجنرالات كانوا يعرفون جيدا كيف يتحكمون في مفاصل الدولة، لكن بالنسبة لأغلب المسؤولين فقد كانوا محجوبين عن رؤية عدد من الحقائق.

أما الأجهزة السرية الدولية فرصدت عمليات مشبوهة لعناصر المخابرات العسكرية الجزائرية في عدد من العواصم، خصوصا باريس.

لم يكن الجزائريون يترددون كثيرا أثناء تصفية عناصرهم. باختصار، كانت الجزائر تأكل نفسها.

توقفنا عند بلاغ سنة 1995 الذي كشف أن المخابرات الجزائرية هي التي تتحكم في سيرورة العمليات التي تقول إنها جاءت لمكافحة إرهاب جبهة الإنقاذ الإسلامية، ونفى البلاغ، بطريقة سوريالية، أن يكون هناك أي دخل لدول عربية مثل المملكة العربية السعودية، في تمويل الجماعات الإسلامية داخل الجزائر. وهي التهمة التي قضى الجنرالات سنوات وهم يحاولون ترسيخها لدى الرأي العام.

لقد كان الأمر في النهاية عبثيا، وبعيدا جدا عن المنطق.

تجلت العبثية منذ اغتيال السايح عطية، الذي كان يتزعم GIA، أشهر جبهة لمواجهة الجماعات الإسلامية، في مارس 1994، إذ إن الكولونيل البشير، كما يقول هشام عبود: «كان متفاجئا جدا مرة أخرى، رغم أن رجاله هم الذين نفذوا العملية»!

 

عقيدة القتل

لم تكن هناك من لغة أكثر انتشارا في الجزائر سوى لغة القتل والاغتيالات والتصفيات في واضحة النهار، داخل الجزائر وخارجها. يقول هشام عبود: «لمدة طويلة، لم يكن الجنرالات أصحاب السلطة في الجزائر ليقبلوا الاعتراف بأن البلاد دُمرت بسبب حرب أهلية».

كانوا يحاولون ترسيخ الاعتقاد لدى الرأي العام بأنهم في حرب ضد الإرهاب، بينما هم في الحقيقة كانوا في حرب ضد البلاد، ليحولوها إلى مقبرة جماعية كبيرة.

كل العمليات التي بوشرت، وقتها، كانت في إطار الحرب على الإرهاب، لكنها كانت إرهابا في حد ذاته. وما ارتكبه الجنرالات من فظاعات يفوق بكثير التهم التي وُجهت لجماعة جبهة الإنقاذ الإسلامية التي حوربت بقوة رغم أنها كانت إلى حدود 1992 تحظى بشعبية كبيرة جدا.

يقول هشام عبود: «هذه الحرب ضد الإرهاب كلفت الجزائر غاليا. 200000 قتيل، و4000 مختف. وآلاف آخرون رُحّلوا. أكثر من 50 صحافيا ومثقفا ماتوا. 500000 منفيون، و20 مليار دولار من الخسائر، مع مجيء الرئيس بوتفليقة».

يتحدث هشام عبود هنا عن خسائر العُشرية السوداء. أي أحداث 1990 إلى نهاية التسعينيات وبداية الألفية الجديدة.

نصف مليون منفي، ما بين مثقفين وموظفين وعسكريين وشبان هاربين من البطالة والموت، أغلبهم توجهوا نحو فرنسا وتقدموا إما بطلبات لجوء أو عاشوا في ظل الهجرة السرية ورفضوا العودة نهائيا إلى بلادهم رغم التطمينات التي وُجهت للجميع بعد نهاية العشرية السوداء ودخول البلاد فترة «الوئام المدني» التي أطلقت بمثابة محاولة للمصالحة. لكن الخسائر كانت أكبر من أن تُرمم بقرار يوقع في القصر الرئاسي مع مجيء رئيس جديد.

يقول هشام عبود إن الجيش الجزائري سخر كل إمكانياته لمحاربة الإرهاب، وخاض حربا داخلية ضد الجزائريين، بطريقة لم يقم بها أي جيش في العالم، حتى في الدول التي عرف عنها مكافحة الإرهاب مثل إيرلندا. يقول هشام عبود إن أشهر فرق مكافحة الإرهاب في العالم لم تسخر كل إمكانياتها بالطريقة التي سخر بها الجنرالات إمكانيات الدولة لخوض حربهم ضد الجماعات الإرهابية. وفي النهاية يكتشف الجميع أن تلك الجماعات لم تكن إلا صنيعة للجنرالات، بل إن أشهر أعضائها كانوا تلاميذ هؤلاء المسؤولين الجزائريين في الجيش.

يتساءل هشام عبود: «أليست الجزائر هنا تمارس الإرهاب؟ هل تكون البلد الوحيد في العالم الذي يموت فيه يوميا ما معدله عشرة قتلى وبضعة جرحى؟ حتى في الشرق، حيث هناك مواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لا نسمع عن هذا الحجم من الخسائر».

يُدين هشام عبود جنرالات بلاده بشكل واضح، ويقدم أرقاما تكشف مقدار الأضرار التي تكبدتها البلاد بسبب «مافيا الجنرالات». وليس هذا فحسب، فلا تزال هناك بعض المفاجآت الأخرى في الطريق.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى