أرض سلطان إفريقي The land of an African Sultan للصحافي البريطاني والتر هاريس (1887-1889)
رغم أنه صحافي إلا أن المغاربة لقبوه بـ«العيساوي» لأنه كان يروض الثعابين
«كلكم تعرفون الصحافي البريطاني والتر هاريس من خلال مذكراته المثيرة «المغرب الذي كان» (Morocco that was). لكن قلة فقط من الباحثين يعلمون أن هذا الصحافي الذي توفي في أربعينيات القرن الماضي، ترك وراءه إرثا آخر يتعلق برحلاته في المغرب. يتعلق الأمر بـ«أرض سلطان افريقي. رحلات في المغرب 1887-1889». هي رحلة ثلاث سنوات إذن زار خلالها هذا الصحافي مدنا مغربية كثيرة والتقى وجوها من مغرب منقرض.. لنتابع»
الصحافي الذي كان
والتر هاريس، الصحافي البريطاني الشهير في صحيفة «التايمز» الذي تحولت إقامته في مدينة طنجة هذه الأيام إلى معرض للوحات الفنية، عاش خلال القرن الماضي تجارب من خلال رحلاته وصداقاته مع شخصيات مغربية من عالم المخزن والتجار القدامى، ونقل حكاياتهم وتجاربهم.
هذا الكتاب «أرض سلطان إفريقي» الذي لم يترجم من قبل إلى اللغة العربية، ينقل تجارب هذا الصحافي أيام دولة المولى الحسن الأول. وعندما كان بصدد تسجيل هذه المذكرات لم يكن يتوقع أنه سوف يصبح صديقا مقربا جدا لابن هذا السلطان، حيث سوف يتحول والتر هاريس إلى مستشار قوي وصديق للمولى عبد العزيز ووزيره في الحرب المهدي المنبهي.
لكن في عهد المولى الحسن الأول، كان هذا الصحافي يركز على إقامة علاقات مع المغاربة من مختلف الطبقات، لكي يتمكن من فهم شخصية الإنسان المغربي التي خصص لها فصلا كاملا في نهاية هذه المذكرات. يجمع هذا الصحافي بين التحليل والحكي، ونقل التجارب وشرح مظاهر حياة المغاربة لكي ينقلها إلى القراء في بريطانيا، بصورة تقدمه صحافيا خارقا للعادة.
بداية المغامرة
بدأ والتر هاريس كتابه هذا بالأسطر التالية:
«آه سيدي محمد الحاج. آه السلامة. السلام عليكم سيدي محمد الحاج. كنا نتغطى برداء ونتأمل هدوء البحر وزرقته، عندما كانت تبدو لنا طنجة بمنازلها البيضاء وأسقفها المسطحة في أعلى التل. وتظهر القصبة شامخة في السماء الزرقاء.
حتى السيدة الأمريكية التي كانت معنا، والتي كانت تعاني من دوار البحر، رفعت رأسها إلى الأعلى حيث كانت تتوسد كتفها منذ غادرنا جبل طارق قبل ثلاث ساعات. وضعت المنظار الزجاجي في جيبها، وعدلت قبعتها:
-أعتقد أن هذا أكثر مكان مثير للاهتمام سبق لي أن رأيته. لا يمكن أن أقارنه بمدينة بوسطن. آنجيلا، استيقظي لكي تري إفريقيا!
وقفت آنجيلا بتكاسل، وبدأت تنظر إلى المغاربة الواقفين في مراكبهم الصغيرة، وقالت لأمها:
-أمي.. يجب أن أتزوج مغربيا.
ضاع جواب أمها وسط صراخ السكان المحليين الذين كانوا يتسلقون الباخرة وينقلون أمتعة الجميع بدون إذنهم ويحملونها إلى مراكبهم».
كانت هذه أولى الانطباعات التي نقلها الصحافي والتر هاريس في هذه المذكرات، إذ انتقل في ما بعد إلى وصف معالم طنجة وأجوائها. حيث سيُكتب له أن يعيش تجارب غنية جدا غاية في الإثارة.
كان والتر هاريس يثير فضول كل من رآه، لأنه كان يختلف تماما عن المسافرين الأجانب الآخرين. كان الوحيد الذي لا يحمل معه أي أمتعة، وهو أمر نادر الحدوث بالنسبة لهؤلاء. كما أنه كان قد زار المغرب سابقا، وبالتالي فإن هدوءه وعدم ارتباكه كان يثير فضول كل الذين يرونه أمامهم. باستثناء رجل كان يركب مركبا صغيرا للصيد، تعرف عليه من زيارته السابقة إلى طنجة، حيث كان والتر هاريس قد عاش تجربة في ترويض الثعابين وأصبح الصياد وبعض رفاقه يلقبونه «العيساوي».
يقول: «صباح الخير أ العيساوي. صاح صديق قديم كان يركب زورقا صغيرا ملوحا إليّ بيده. ركبت معه على الفور لكي ينقلني إلى الشاطئ. لم تكن لدي أي أمتعة. كان هناك أربعة موظفين في الجمارك، كانوا يجلسون في ممر للخيول. كانوا يعرفونني جيدا.
أخرج أحدهم يده الممتلئة، من أسفل القفطان وغمغم بضع كلمات ترحيب».
كانت هذه بداية مغامرة والتر هاريس في مغرب المولى الحسن الأول، سنة 1887. وللحكاية بقية. إذ إن هذا الصحافي سوف يتحول إلى أكثر من مجرد صحافي مهووس بالمغامرات سبق له أن زار المغرب من جبل طارق، وإنما سوف يقوم بأطول رحلة في حياته داخل المغرب، استغرقت منه ثلاث سنوات، تعرف خلالها على عدد من الشخصيات.