يونس جنوحي
المطالبة باستعادة أرشيف عبد الكريم الخطابي من الحكومة الفرنسية، لا يمكن أن يُعتبر خبرا عاديا. إذ إن المغاربة يستحقون فعلا أن يعرفوا مصير الرسائل والوثائق، التي وقع عليها المجاهد عبد الكريم الخطابي، عندما قررت فرنسا نفيه إلى جزيرة «لارينيون»، أو المراسلات التي كان يفترض أن يتوصل بها هناك، وحالت بينه وبينها الإدارة الفرنسية.
لكن تجب أيضا المطالبة بكشف أرشيف أشخاص آخرين، ويتعلق الأمر بصهره بوجيبار، الذي نُفي إلى مدينة الجديدة.
فرقت فرنسا بين رجلين كانا رفيقين في السياسة والسلاح، وحُرمت زوجة الخطابي من رؤية أخيها.
انكب باحثون مغاربة، خصوصا خلال العقدين الأخيرين، على مسار محمد عبد الكريم الخطابي وعادوا إلى الأرشيف الرسمي في فرنسا وإسبانيا، سيما المتعلق بحرب الريف، وقارنوا بين الوثائق والمراسلات وبين التاريخ الشفهي المتوارث. لكن موضوع الأرشيف الشخصي للخطابي ومقتنياته الشخصية ورسائله، بقيت خارج متناول الباحثين، رغم أن إرث هذه الشخصيات ملك للمغاربة جميعا.
ولعل الخطابي يبقى محظوظا، فهو على الأقل وصلت صوره إلى المغاربة، وعرف قبره. إذ عندما يتعلق الأمر بموحى الزياني وقادة الكفاح المسلح ضد فرنسا في منطقة الأطلس، والذين لم يكونوا يقلون أهمية عن الخطابي، فإننا سوف نجد أنفسنا أمام روايات متضاربة، بل ومتناقضة. فالصورة الشهيرة التي يتم تداولها على أوسع نطاق أخيرا، والتي يظهر فيها رجل بجلباب مع شخصيات عسكرية فرنسية يعلن استسلامه لفرنسا، يقال إنها لعسو أوباسلام، فيما آخرون يقولون إنها لموحى أوحمو الزياني.
أما بعض الباحثين المغاربة المتخصصين في موضوع قادة المقاومة في الأطلس، فيقولون إن هؤلاء المجاهدين لم يسبق لهم نهائيا لقاء أي مسؤول فرنسي، بل إن أحد أبناء موحى أوحمو هو الذي استسلم لفرنسا، خوفا من أن تمحو مدافعها قرى الرجال الذين يقاتلون معه.
وهو الأمر نفسه الذي وقع للخطابي، عندما لقن الإسبان درسا في التخطيط العسكري وسحقهم، وهو الأمر الذي ما زالت إسبانيا تحمل ندوبه إلى اليوم، كلما أثير موضوع معركة «أنوال». بل إن إصدار المغرب لطابع بريدي يؤرخ لذكرى «أنوال»، أثار حفيظة اليمين الإسباني، في وقت سابق. إذ اضطر الخطابي إلى الاستسلام، بعدما هددت فرنسا وإسبانيا باستعمال المدافع والطائرات، لمحو قرى بكاملها في منطقة الريف المغربي.
علينا أن نطالب فرنسا بإعادة الوثائق التي تؤرخ لوجودها في المغرب ما بين 1907، تاريخ أول عملية قصفت فيها مدينة مغربية بالكامل، ويتعلق الأمر بالدار البيضاء، وبين 1933 تاريخ آخر المعارك الضارية التي مارست فيها فظاعات ضد الإنسانية بقرى الأطلس.
هذا الأرشيف سيجعلنا نصحح كثيرا من المغالطات، التي تتعلق بتاريخنا المشترك، وأن نعرف مصير أبطال وهبوا أرواحهم من أجل استقلال هذا البلد.
عندما كانت فرنسا تنقل أغراض عائلة الخطابي، في رحلة مضنية توزعت ما بين السير على الأقدام، وركوب القطار، ثم الباخرة صوب جزيرة «لارينيون»، فقدت الأسرة والدة الخطابي التي دفنت في الطريق نحو المنفى، وحاول بعض رجال القبائل تخليص رفيقهم من قبضة فرنسا، لكن لا أحد يعرف أي شيء عن هذه الوقائع.
من حقنا في النهاية أن نستعيد هذا الأرشيف من فرنسا، تماما كما استعدنا في سنوات سابقة أغراض ورسائل ومقتنيات، من بينها مكتبات بأكملها، لا أحد يعرف حتى كيف تم تهريبها سابقا خارج المغرب.
بسبب عدم توفر أرشيف كامل عن تلك المرحلة، يؤلف الإسبان ما يريدون بخصوص حرب الريف، حيث أنتجوا أفلاما تزكي الرواية الإسبانية، ولا أحد طبعا يستطيع دحض تلك الروايات بالحجة، وليس العاطفة فقط، ما دمنا لا نتوفر على الأرشيف.