شوف تشوف

الرأي

أردوغان واستثمار البطة العرجاء

هل كنّا بحاجة إلى تسريبات صحيفة «وول ستريت جورنال»، لكي نكتشف أنّ تركيا اتخذت قرار اجتياح الأراضي السورية، على امتداد تخوم جرابلس شمال البلاد، دون الرجوع إلى البيت الأبيض، أو حتى دون التنسيق مع البنتاغون؟ ربما، بمعنى حاجة المرء إلى شاهد من أهلها، ليس أكثر؛ لأنّ الوقائع على الأرض، مثل المنطق السائد منذ خمس سنوات، تشير في مجموعها إلى أنّ المقاربة الأمريكية ـ أو، على وجه الدقة: خيارات الرئيس الأمريكي باراك أوباما شخصياً ـ لم تكن تتناغم، في الحدود الدنيا أو القصوى، مع المقاربة التركية.
فإذا أضيفت إلى هذه الخلاصة حقائق المتغيرات التركية، وهي متعددة ونوعية وفارقة (من الانقلاب الفاشل، إلى التطبيع التركي ـ الروسي، والآخر التركي ـ الإيراني الوشيك)؛ فإنّ إقدام أنقرة على مباشرة عملياتها العسكرية في العمق السوري كان يفترض، ولعله اقتضى أيضاً، مباغتة واشنطن على نحو يكرّس أمراً واقعاً لا رادّ له. ليس على الفور، في كلّ حال؛ بل، كذلك، ليس دون إجبار البنتاغون على التغطية الجوية للعمليات التركية، باعتبارها تستهدف «داعش» أيضاً، أو «أوّلاً» حسبما طاب للتفسير الأمريكي أن يجمّلها (مقابل التفسير التركي الذي وضع محاربة المشروع الكردي في الشمال السوري على قدم المساواة مع قتال «داعش»).
إلى هذا، ثمة في المباغتة التركية طراز بارع من استغلال حال «البطة العرجاء»، الذي تعيشه الإدارات الأمريكية خلال الأسابيع القليلة قبيل انتخابات رئاسية لا يكون الرئيس القائم مرشحاً فيها. وفي الداخل الأمريكي، كما عبر المحيطات والبحار، يشهد العالم تسابقاً محموماً على استغلال رئيس كامل الصلاحيات، بالطبع؛ لكنه، مع ذلك، مقيّد بعُرف شائع ـ وقد يكون مستحباً أيضاً، ديمقراطياً ـ يُلزمه بتأجيل القرارات الحاسمة ما أمكنه ذلك، وترحيلها إلى الرئيس المقبل. فكيف إذا كان أوباما يتخفف، أساساً، من أعباء ملفّ سوري أشعل رأسه شيباً، كما عبّر! وكيف إذا كان يتمنى أن يُعفى من أيّ وزر يزجّ به في معمعة ضروس!
وحسب «وول ستريت جورنال»، كانت واشنطن تدرس طلباً تركياً بمدّ يد المساعدة اللوجستية في عملية تركية تستهدف «داعش»، بعد التفجير الإرهابي الذي طال عرساً في غازي عنتاب وأودى بحياة 54 وجرح العشرات، حين فوجئت بتحرّك الدبابات التركية نحو الداخل السوري. وهذه خطوة أسفرت عن ذلك المشهد السوريالي العجيب، حين وُضعت وحدات مدعومة من واشنطن، داخل صفوف «الجيش السوري الحر»؛ في مواجهة وحدات مدعومة أيضاً من واشنطن، داخل صفوف الكرد!
غير مستبعد، والحال هذه، أن تكون موسكو في الوارد إياه، أي استثمار ركود البطة العرجاء، ليس في موقف الصمت (الراضي عملياً) إزاء التحرك التركي في العمق السوري، فحسب؛ بل كذلك من خلال التصعيد الروسي في أوكرانيا، وطرق الحديد وهو متقد. غير مستبعد، في المقابل، وبالمقادير ذاتها، أن تكون طهران قد لجأت إلى لغة صمت مماثلة، خاصة وأنّ مناهضة إيران لأي جغرافية كردية متصلة ـ أي ممهدة لكردستان ما، آتية أو وليدة ـ ما تزال على حالها، منذ قرون الشاهات وحتى عقود آيات الله. هذا بافتراض أنّ القوى الكردية في سوريا، خارج إطار حزب الاتحاد الديمقراطي، ليست سعيدة بتقليم أظافر الحزب وأجنحته العسكرية تحديداً، والحدّ من هيمنة قيادات الـPKK في جبال قنديل على القرار الكردي المحلي.
فإذا تحوّلت العملية العسكرية التركية إلى مشروع سياسي عريض، فإنّ رصيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال خمس سنوات من عمر الانتفاضة السورية، سوف يحقق واحداً من أدسم أرباح استثمار «البطة العرجاء».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى