شوف تشوف

الرأي

أربعون الثورة الإيرانية..

زراعة بني صدر وحصاد سليماني

صبحي حديدي

في سنة 1979، وتحت عنوان «تحية إلى الثورة الإيرانية»، كتب أدونيس (الشاعر السوري، النصيري بالولادة): «أفقٌ، ثورةٌ، والطغاةُ شَتات/ كيف أروي لإيران حبي/ والذي في زفيري/ والذي في شهيقي/ تعجز عن قوله الكلمات/ سأغني لقُمٍّ لكي تتحول في صبواتي/ نارَ عصفٍ، تطوف حول الخليج/ وأقول المدى والنشيج/ شعب إيران يكتب للشرق فاتحةَ الممكنات/ شعب إيران يكتب للغرب وجهُكُ يا غربُ مات/ شعب إيران شرقٌ تأصلَّ في أرضنا ونبيّ/ إنه رفضنا المؤسِسُ، ميثاقنا العربي».
ولكي لا يبقى أدونيس وحده في الميدان، فيُعزى حماسه المشبوب هذا إلى نوازع مذهبية، كتب نزار قباني (الشاعر السوري، السني بالولادة)، ممتدحا الثورة ذاتها: «زهّر اللوز في حدائق شيراز/ وأنهى المعذبون الصياما/ ها هم الفرس قد أطاحوا بكسرى/ بعد قهر، وزلزلوا الأصناما/ شاهُ مصر يبكي على شاه إيران/ فأسوان ملجأ لليتامى/ والخميني يرفع الله سيفاً/ ويغني النبيّ والإسلاما».
على الجبهة السياسية السورية، المعارِضة تحديدا، صدرت صحيفة «نضال الشعب»، المطبوعة السرية الناطقة بلسان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري ـ المكتب السياسي (كما كان يعرف يومذاك، قبل أن يتبنى الاسم الجديد «حزب الشعب الديمقراطي»، بقرار من المؤتمر السادس، ربيع 2005)؛ وقد حملت على صفحتها الأولى ثلاث مواد خاصة بانتصار الثورة الإيرانية، ذات نبرة احتفائية عالية. «وجاءت القارعة»، «الثورة الإيرانية المنتصرة تضع إيران على درب الحرية والديمقراطية والتقدم»، و«أصداء أولى للثورة الإيرانية». وإذ كانت المواد تهلل للثورة الإيرانية، من حيث النبرة المعلنة، فإن النبرة الضمنية كانت تشير إلى استبداد حافظ الأسد: «الوضع الإيراني مرتب، لا مجال لاختراقه. ومع ذلك تبين أن هذا البنيان العظيم ضعيف الأساس. لقد تهاوى حجرا إثر حجر، فيا للثورة المظفرة! لقد تفجرت إرادة الملايين من الناس مرة واحدة ضد الظلم والظلام. ملك الملوك أصبح لاجئا عند أحد الملوك العرب الضالين، ذلك أن شبه الشيء منجذب إليه. ينسى الطغاة دائما وأبدا درس التاريخ البسيط المكرر: العدل أساس الملك».
اليوم، بعد 40 سنة على ذلك الحماس، حصد نظام آل الأسد، الأب والابن الوريث معا، ما حصدته غالبية أبناء سوريا من المآلات الراهنة للثورة الإيرانية: التدخل العسكري المباشر لصالح النظام، عبر «الحرس الثوري» وفيالق الجنرال قاسم سليمان، أو عبر عشرات الميليشيات المذهبية التي يتصدرها «حزب الله» اللبناني. واليوم، لأسباب لا صلة لها بموقف إيران من النظام السوري أو انتفاضة مارس 2011؛ يصعب أن يتوقف أدونيس عند الذكرى الأربعين للثورة الإيرانية طبقا لمنطق العام 1979، وبروحية وجه الغرب الذي مات، أو أن شعب إيران هو النبي والرفض المؤسس والميثاق العربي. وأما «حزب الشعب الديمقراطي» فلم يعد يرى في تلك الثورة أقل من نظام آيات الله الثيوقراطي المذهبي الاستبدادي، المساند لأنظمة الاستبداد والفساد؛ وهذا شبيه بمواقف معظم اليسار السوري المعارض، حتى حين يرى البعض ذريعة ما، تمر من ثقوبها خرافات «الممانعة» و«محور المقاومة».
لكن الجوهري أكثر هو ما آلت إليه تلك الثورة في حياضها الإيراني تحديدا، وكيف تسارعت انقلاباتها الداخلية على ذاتها فلم تتوقف ــ منذ فبراير 1979، حين عاد آية الله روح الله الخميني من منفاه الفرنسي إلى طهران -عن التهام صناعها تباعا، ثم الإجهاز على أبنائها المقربين، وصولا إلى خيانة آمال تلك الشرائح الشعبية التي انخرطت فيها وظلت رائدة لها حتى تكفلت بانتصارها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى