شوف تشوف

الرأيالرئيسية

أرامل الرياضيين

في اليوم العالمي للمرأة نادرا ما نلتفت لأرامل نجوم الرياضة المغربية، ربما لأن صلاحيتهن الترويجية تنتهي بمجرد انتهاء حفل التأبين، أو لأن بريق النجومية يدفن مع الفقيد في قبره.

حين يموت النجم الرياضي تعيش أرملته انقلابا حقيقيا، يغيب حديث الرياضة عن نقاشات العائلة وتنتهي صلاحية القنوات الرياضية، ويصبح المحللون الرياضيون في حكم المختفين، وتذوب الوعود التي كانت يوم التأبين ككرة ثلج، ولا يطرق باب البيت إلا من حفظ الود وقرر البوح بوصية للأرملة الثكلى، أو طرقه خطأ.

أرامل اللاعبين والمدربين والمسيرين يعشن حياة رتيبة في ما بعد النجومية، افتقدن فجأة لبوصلة الرياضة وافتقدن معها شهية الحديث عن زمن ولى. أغلبهن يعشن دوامة نفسية ويتدبرن في صمت فترة ما بعد رحيل رفيق العمر.

زرت رفقة زملاء لي في مهنة المتاعب بيت مصطفى مديح، مدرب المنتخب الوطني السابق لكرة القدم، جالسنا أرملته، حركنا في دواخلها بركة الألم الراكدة، استعادت في لحظات الصفاء ذكريات الماضي الجميل، وعرجت على ساعات الجفاء، ظلت تعتقل مجرى الدموع وهي تبحث عن نصف سبب لقطع البت الوجداني الذي كان يربط الراحل بأصدقائه.

تجلد نظرات الشفقة عشرات الأرامل كل يوم، يتساءلن في سرهن عن سر الهروب المفاجئ لمن سجلوا حضورهم اليومي، في جلسات تستمر إلى ساعة متأخرة من الليل؟ عن الصحافيين الذين ابتلعتهم بالوعة البيت، وعجزت ريشتهم عن كتابة بضع كلمات عزاء وتأبين للفقيد؟ ليس كل ما تتمناه الأرملة تدركه.

كثير من أرامل أبطالنا لا يبتغين من إطلالة صديق سوى شهادة اعتراف مؤجلة الدفع، ولا يوددن من وقوف رفيق أمام قبور الراحلين إلا ابتهالات ودعوات، أما الحياة فهي مستمرة إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

مات سعيد بوحاجب، رئيس جامعة الريكبي السابق، فتفرق من حوله الرفاق، كأنهم يركضون خلف كرة مستطيلة، ومات لاعب الرجاء السابق عبد الحق درويش فسدد الخصاص والجحود الكرة خارج بيت العائلة، ومات أبطال هزمهم الجحود.

يذكر التاريخ البطل العالمي عبد السلام الراضي، الذي أهدى المغاربة أول ميدالية أولمبية في دورة الألعاب الأولمبية بروما سنة 1960. وكيف توقف عداد العيش الكريم عن الدوران. في أزمته علمت زوجته فاطمة بوعياد أن الوطن لا يحمي الأبطال المغفلين، فعادت إلى بيتها وهي تلعن الرياضة والرياضيين. اضطرت الزوجة إلى بيع ما تملك من أثاث لتدبير مصاريف علاج زوجها، وعلى بعد أمتار من خط الوصول إلى المقبرة، الباهظة، وجدت نفسها مجبرة على بيع ميداليته الفضية التي حصل عليها في أولمبياد روما إلى أحد باعة التحف القديمة بالجوطية.

بعد رحيل البطل زاد منسوب الإحباط لدى زوجة الراضي التي أصبحت أرملة، بدأت رحلة الركض بين المصالح الإدارية بلباس الحداد، كانت تعلم أن وعود ليلة التأبين يمحوها الصبح. فكثير ممن رفعوا راية الوطن اكتشفت أراملهم أن المواطنة ليست مرادفا للجهد، وأن المطلوب هو أن تكون مواطنا صالحا للاستخدام.

يضيق المجال لذكر أرامل نجوم الرياضة المغربية، منهن من يعشن «مستورات» ومنهن من ضيعن وقتهن في إطلاق نداءات الاستغاثة، لكن جميعهن مكسورات الجناح والوجدان، وكلما وقفن أمام صور الراحلين كشفن لهم عن جفاء أصدقاء الأمس وجور ذوي القربى.

حين مات تيتو فيلا نوفا، مدرب برشلونة الإسباني لكرة القدم الأسبق، أنشأ أصدقاؤه جمعية حملت اسم «أصدقاء تيتو الأوفياء»، جمعوا أشلاء تاريخه، نظموا دوريا سنويا باسمه، أقنعوا النادي والمقاطعة بإطلاق اسمه على مرافق «نيو كامب» وأزقة وشوارع في برشلونة، طبعوا سيرته الذاتية، وحولوا بيته إلى قداس ديني مرة كل عام.

وحين مات المدرب برونو ميتسو، بادر صديقه المدرب هيرفي رونار بالزواج من الأرملة قبل متم عدتها، وفاء لروح الفقيد.

حسن البصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى