شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

أراك عصي الدمع

 

حسن البصري

 

في عز الصيف، ينظم الاتحاد المغربي للاعبين المحترفين، مشكورا، معسكرا تدريبيا للاعبين العاطلين، يشارك فيه مجموعة من اللاعبين الذين وجدوا أنفسهم فجأة في التشكيلة الرسمية للمعطلين عن شغل الكرة. يقضي هؤلاء أيام المعسكر في «تشحيم» محرك طموحهم ونفخ عجلاتهم، أملا في إقلاع جديد.

يخضع هؤلاء اللاعبون لحصص تدريبية يومية، يشاركون في مباريات ودية أشبه بالاختبارات الاستدراكية، وكلهم أمل في العثور على فرصة استعادة صفة لاعب محترف، لا يهم أين ومتى وكيف ولماذا، الأهم التخلص من صفة لاعب «عانس». كان عاطلا أم معطلا، فاعلا أم مفعولا.

يشكر المشرفون على هذه المبادرة السنوية التي تنتشل اللاعبين من حالة الشرود، وتعيدهم إلى المنافسة بعد أن تحقنهم بجرعة الأمل، خاصة وأن أغلب اللاعبين المشاركين ضيعوا مجاديفهم حين كانوا ينعمون بالنجومية، وابتعدت عنهم الأحلام وأخذت ما يكفي من المسافة القانونية.

في هذه الخلوة الكروية ينكب المدربون على ترميم العيوب التقنية، لكن العيب ليس في الأقدام، بل في الأذهان، لذا يتردد أخصائي نفساني كل ليلة على مقر إقامة اللاعبين المكلومين، ليقدم حصة قد تبدو الأهم، ليس لأن معاملها من النقط أعلى، بل لأن غالبية المشاركين تعوزهم اللياقة الذهنية.

في معسكر «الفرصة الجديدة» يفضل بعض اللاعبين قراءة ابتهالات يومية قبل أن يسدل الليل ستائره، يمنون النفس فيها بانسحاب النكبات، ويأملون ألا يظلوا أسرى كراسي البدلاء والمدرجات. اللهم لا تحرمهم من منحة يحققها الأساسيون، وينعم بجزء منها إخوانهم الاحتياطيون.

ليس عيبا أن تكون مجندا في جيش المعطلين من اللاعبين، لكن الحياة كالمباريات فيها فرص سانحة للتسجيل، وفيها حالات تسلل، وفيها ركلات جزاء من تحت الحزام. لكن لدي مقترح لهيئات المدربين من ودادية واتحاد ورابطة وهلم شرا.

لماذا لا يتفضلون مشكورين بتنظيم معسكر خاص بالمدربين العاطلين وما أكثرهم، يخضعون فيه لحصص حول آخر مستجدات التدريب لمن غابوا طويلا عن دورات التكوين، وحصص في التشريع الرياضي والتواصل مع المحيط الكروي، وجلسات استماع مع خبير في الحماية الاجتماعية معتمد من وزارة الصحة.

إخواننا المدربون يبتلعون ألسنتهم، وهم يتابعون الزحف الأجنبي القادم من دول نفوقها في التصنيف العالمي كرويا، في صلواتهم يدعون سرا وعلانية بانجلاء غيمة القلق، وفي هواتفهم النقالة رنة المنفرجة، اللهم اجعل الشوط الثاني من الحياة المهنية شوط المدربين.

أيها المدربون اشكروا في صلواتكم رئيس العصبة الاحترافية لكرة القدم، ففي ظل اختناق سوق الشغل، فإن فرصة العمل متاحة فقط في فريق الرئيس، الذي يغير المدربين بوتيرة سريعة كي يمكن الجميع من فرصة شغل، لا يهم إن كان ثالثا أو رابعا.

سأكون شاكرا للحداوي وفريق عمله، لو تفضلوا وجعلوا المعسكر التدريبي قبلة لوكلاء اللاعبين، وللوسطاء المعتمدين في مجال الكرة، فكثير من المشاركين لهم استعداد للتمسك بقشة عرض يعيد عقارب الزمن إلى الوراء.

ولأن بطالة اللاعبين تهم الجميع، فلا بأس من استنفار الصحافيين الرياضيين، ومصالحتهم مع اللاعبين العاطلين، بعد أن قضوا سنوات في مطاردة النجوم، كلنا معنيون بهذه الفئة التي أهدرت فرصة سانحة للتسجيل في مرمى القدر.

في معسكر اللاعبين المعطلين، تتعرف على «حكايات مليانة آهات ودموع وأنين والعاشقين ذابوا ما تابوا»، وننصت لقصص لاعبين تبين بعد انخفاض مؤشر النجومية أنهم كانوا يطاردون خيط دخان.

تمنيت لو حل بمعسكر «الفرصة المعادة»، كبار مسؤولي مؤسسة محمد الخامس للتضامن وهيئات الاحتياط الاجتماعي واليونسكو واليونسيف وممثل عن البنك الدولي، ومنظمة الأغذية العالمية وهيئة الصحة وجمعية اللاعبين في وضعية صعبة، بحثا عن مقاربة تشاركية لعطالة هذه الفئة.

لكن يبقى البطل الحقيقي هو من يقتل البطالة بدل قتل الوقت.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى