شوف تشوف

سري للغاية

أدركنا في CIA أن المخابرات الروسية تنسق بين منظمي انقلاب الصخيرات وبين ليبيا

يونس جنوحي

كان «جيري»، صديق «آلين» وزميلها أيضا في وكالة CIA، يعلم بأمر ورقة احتفظ بها «جوبيتر» الذي كان بدوره خبيرا جدا في قضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تلك الورقة كان مصدرها ليبيا، حيث ضمت رسالة مشفرة اعتبرتها «آلين» دليلا كافيا جدا على تورط العقيد معمر القذافي في تنظيم وإعداد انقلاب الصخيرات. إذ إن الورقة كانت تضم عبارة بالعربية كالآتي: «بقيت عشرة أيام لكي يصل الحاج إلى مكة».
استعان «جيري» بمترجم خبير عهدت إليه الـCIA بموضوع الترجمة. لكن «آلين» و«جوبيتر» هما الوحيدان اللذان فهما جيدا المقصود من الرسالة، وبسببها قررت «آلين» أن تعود إلى الرباط.
تقول:
-«الحاج تعني قائد الانقلابيين، ومكة كناية عن الملك الحسن الثاني؟ تساءلتُ.
أبدى «جيري» تأكيده على كلامي:
-«وكل هذا مخطط له ليتم تنفيذه بعد عشرة أيام».
المثير أن الورقة وصلت إلى زملاء «آلين» من جيب ضابط مخابرات روسي تم اغتياله على يد العاملين في CIA حيث كانوا يتجسسون على حانة يسهر فيها ضباط روسيون، واكتشفوا أنهم ينسقون بين ليبيا والانقلابيين

كانت «آلين» محقة وهي تقول، في إهداء كتابها «الجاسوسة التي لبست القفطان»، إنها اضطرت إلى حماية مصادرها ومعارفها وغيّرت أسماءهم الشخصية وأحيانا العائلية أيضا. فقد كانت شهرتها الدولية خلال التسعينيات من القرن الماضي كبيرة، ولم تكن تريد أن تضر بالأصدقاء القدامى الذين لم يكن أغلبهم يعرفون أن «الكونتيسة» زوجة رئيس الوزراء الإسباني الأسبق، ليست في الحقيقة مجرد سيدة أنيقة حاصلة سابقا على أرقى الجوائز والتتويجات العالمية في مجال الموضة والأزياء، وإنما كانت «داهية» في العلاقات الدولية والتقارير المخابراتية السرية. إذ بالإضافة إلى أنها كانت صديقة مقربة جدا للملك الإسباني خوان كارلوس، فإنها كانت أيضا أعز صديقات زوجة الرئيس الأمريكي كينيدي وزوجة شاه إيران الذي عصفت به الثورة الإسلامية.
كانت «آلين» دائمة الترحال. لذلك لم تتردد في قبول عرض الـCIA الأمريكية في صالون بيتها الفسيح في العاصمة الإسبانية مدريد خلال ماي 1971، عندما بدأ العد التنازلي لانقلاب الصخيرات. اتفقت إذن مع العميل «جيري» ورئيسها السابق في المخابرات، «جوبيتر»، لكي تنسق معه وتعود إلى الرباط لاستكمال ما بدأته قبل الوفاة الغامضة لصديقها المغربي «نبيل» الذي كان يعرف أمورا كثيرة عن انقلاب الصخيرات فصفاه قادة الانقلاب قبل أن يشي بأسمائهم إلى السفارة الأمريكية.

الورقة الغامضة
كان «جيري»، صديق «آلين» وزميلها أيضا في وكالة CIA، يعلم بأمر ورقة احتفظ بها «جوبيتر» الذي كان بدوره خبيرا جدا في قضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تلك الورقة كان مصدرها ليبيا، حيث ضمت رسالة مشفرة اعتبرتها «آلين» دليلا كافيا جدا على تورط العقيد معمر القذافي في تنظيم وإعداد انقلاب الصخيرات. إذ إن الورقة كانت تضم عبارة بالعربية كالآتي: «بقيت عشرة أيام لكي يصل الحاج إلى مكة».
استعان «جيري» بمترجم خبير عهدت إليه الـCIA بموضوع الترجمة، لكن «آلين» و«جوبيتر» هما الوحيدان اللذان فهما جيدا المقصود من الرسالة، وبسببها قررت «آلين» أن تعود إلى الرباط.
تقول:
-«الحاج تعني قائد الانقلابيين، ومكة كناية عن الملك الحسن الثاني؟ تساءلتُ.
أبدى «جيري» تأكيده على كلامي:
-«وكل هذا مخطط له ليتم تنفيذه بعد عشرة أيام».

مخابرات روسيا دخلت على الخط
تقول «آلين» إن المخابرات الأمريكية لم تكن خارقة إلى الدرجة التي فككت بها رموز الرسالة بتلك السهولة. فقد اتضح لـ«آلين» عن طريق العميل «جيري» أن الـ«كي جي بي» الروسية دخلت على الخط. إذ إن اليوم الذي ذهبت فيه هي إلى السفارة الأمريكية في الرباط، ولم تتفاهم مع الضابط المسؤول عن مكتب CIA داخل السفارة، فإن الأخير كان قد أرسل معاونا له لكي يمارس الجاسوسية في عقر دار المخابرات الروسية وقتها في المغرب. إذ كان موظفو الاتحاد السوفياتي في الرباط يترددون على حانة تراقبها المخابرات الأمريكية طوال سنوات الستينيات والسبعينيات.
وبعد أسبوع واحد فقط، حصل ضابط الاستخبارات الأمريكية على معلومات تثبت أن العقيد القذافي ليس فقط محتضن وممول المعارضين المغاربة الذين لجؤوا إلى بلاده، وكلهم من اليسار، وإنما أيضا يبارك ما يتم التخطيط له من بعض الأطراف داخل الجيش المغربي وبينهم مقربون من الملك الحسن الثاني، وأنه تعهد بأن يقدم أي مساعدة للقيام بانقلاب عسكري في المغرب.
وهكذا لجأ «جيري» إلى مترجم خاص من CIA لكي يترجم له الوثيقة، بخلفية تفهم الثقافة المغربية جيدا، حتى يسهل فهم الرسالة.
لكن «آلين» فهمت ما توحي به الرسالة بسرعة.
كان واضحا في وقت لاحق أن الأمر تعلق بالاستعراض العسكري الذي حضره الملك الراحل الحسن الثاني قبل انقلاب الصخيرات بأقل من ثلاثة أشهر. إذ كان الكولونيل المذبوح قد اتفق مع اعبابو، مدير مدرسة أهرمومو العسكرية، على تنفيذ الانقلاب خلال الاستعراض، لكن الموضوع تأجل إلى وقت لاحق.
غير أن الأمريكيين، تعترف «آلين»، لم يعلموا بخصوص الاستعراض إلا بعد تنفيذ انقلاب الصخيرات وفشله.
تقول «آلين» إن «هنري رايس» الذي لم يكن متعاونا معها يوم زيارتها للسفارة، نُقل خارج المغرب ربما حماية له، وليس كما ظنت هي أن الإدارة عاقبته على عدم تعامله جديا مع المعلومات التي قدمتها له خلال اليومين اللذين قضتهما في المغرب.
لقد كان «رايس» ذكيا لأنه حصل على تأكيد على ما أوحى به «نبيل» إلى «آلين» من ضباط المخابرات الروسية أنفسهم وليس من أي مكان آخر. فقد كان الروس على اطلاع جيد أكثر من الأمريكيين على ما يقع في ليبيا والجزائر، وهذا باعتراف رؤساء «آلين» في المخابرات.

جولة صيد مع الملك الحسن الثاني
تقول «آلين» إن موعد جولة الصيد التي دُعي لها زوجها والتي سيترأسها الملك الحسن الثاني على شرف ضيوفه الذين كان أغلبهم أجانب، اقترب، ولم تعد تفصل عنه سوى أيام قليلة. و«جيري» و«جوبيتر» كانا يلحان على «آلين» أن تلتقي الملك بنفسها عندما تذهب مع زوجها إلى القصر الملكي.
تقول: «وضع جيري الرسالة جانبا، وقال لي إنهم وجدوا تلك الرسالة التي تتحدث عن الحجاج ومكة في جيب عميل سوفياتي وأخذوها من جيبه بعد استدراجه ورميه بالرصاص. قلتُ:
-وهي الدليل على أن الروس أيضا كانوا يعلمون بأمر انقلاب عسكري قريب في المغرب.
-نعم. وهم بالتأكيد يلعبون الآن دور الوساطة. يقومون بتبليغ الرسائل بين ليبيا وبين الأطراف التي سوف تقوم بهذا الانقلاب. بخصوص هذه الرسالة، بما أننا استطعنا ترجمتها وتفكيكها بالأمس فقد بقيت أمامنا تسعة أيام.. لست متأكدا.
مهمتك الآن يا «آلين» أن توصلي هذه المعلومة إلى الملك الحسن الثاني شخصيا بشكل شخصي وسري. السفارة لا تجرؤ على أن ترسل أحد رجالها لكي يستقبله الملك. سوف يكون هذا الأمر مثيرا للانتباه ومفضوحا. وأيضا بما أن الملك يكون معه دائما عسكريون بجانبه أثناء اللقاءات، وقد يكون مرافقه طرفا في الانقلاب، فإنه من الممكن أن يكون اللقاء تحذيرا للانقلابيين.
أخبرتُ جيري أنه من المستحيل بالنسبة لي أن ألتقي الملك الحسن الثاني بشكل منفرد. وقلت له أيضا إن دعوة حضور جولة صيد مع الملك لا تعني أنه سوف يكون معنا طوال الوقت. ربما قد يلتحق بنا يوما أو يومين فقط، ولا أستطيع أبدا معرفة في أي يوم بالضبط. وشرحتُ له أن الأمير مولاي عبد الله هو الذي كلفه الملك الحسن الثاني لكي يضيفنا على شرف الملك.

«جوبيتر» في الرباط
كان مضمون هذه المعلومات التي تداولتها «آلين» مع جيري في إقامتها بمدريد يصل سريا أولا بأول إلى الضابط المخضرم، رئيسها السابق، «جوبيتر» الذي كان قد نزل في أفخم فنادق المملكة دون أن يثير الانتباه إليه. لم يكن يتصل بالسفارة الأمريكية في الرباط ولا يلتقي المسؤولين الأمريكيين في أي مكان، بل إن السفارة الأمريكية لم تكن تعرف بوصوله إلى المغرب.
كان يلح على «جيري» لكي يقنع «آلين» بالمجيء في أقرب فرصة إلى المغرب. بينما كانت «آلين» تحاول أن تشرح لجيري أمورا كثيرة عن طقوس «المخزن» المغربي وتقاليد الاستقبالات، فلم يكن «جيري» يعرف أي شيء عن الثقافة المغربية، وهو ما أثار مخاوف لديها لأنه سينضم إليها وإلى «جوبيتر» في المهمة السرية للوصول إلى أسماء مدبري الانقلاب ضد الملك الحسن الثاني، وقد يهدد جهل «جيري» بكثير من الأمور بفضح أمر «آلين» أمام الانقلابيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى