شوف تشوف

الرأي

أخيرا بدأت «أسرار» مخططات التفكيك والتمزيق تتكشف

كشف الرئيس الفنلندي السابق لوريت ماريتي اهيتساري الحائز على جائزة نوبل للسلام، وعضو لجنة الحكماء الدولية التي تضم نيلسون مانديلا، وجيمي كارتر، وكوفي أنان، أن روسيا تقدمت بمبادرة من ثلاث نقاط عمودها الفقري تنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة في إطار اتفاق سلام شامل حقنا للدماء، ولكن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا رفضتها لأنها كانت متيقنة من سقوط النظام السوري في غضون أسابيع معدودة.
الرئيس ماريتي ذهب إلى الأمم المتحدة في فبراير 2012، حسب ما نقلت عنه صحيفة «الغارديان» البريطانية المحترمة، والتقى سفراء الدول الدائمة العضوية، وأثناء المباحثات أبلغه السفير الروسي فيتالي تشوركين الذي كان عائدا لتوه من موسكو، بأن موسكو تطرح مبادرة من ثلاث نقاط: الأولى، الامتناع عن تقديم أي أسلحة للمعارضة، والثانية، بدء حوار بين طرفي الأزمة (المعارضة والنظام) فورا، والثالثة، إيجاد صيغة «محترمة» لتنحي الرئيس الأسد في غضون ثلاث سنوات.
الرئيس الفنلندي السابق لا يكذب، ودولته معروفة بحيادها الصارم، ولكن الدول الغربية الثلاث التي رفضت هذه المبادرة واستخفت بها، وأمريكا وبريطانيا على وجه الخصوص، تحترف الكذب والتضليل، ولا ننسى أنها غزت العراق واحتلته تحت ذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل، وشاهدنا توني بلير مبعوث «السلام» الدولي يخدع برلمانه في وضح النهار، وأمام عدسات التلفزة عندما تحدث عن «الدوسيه الفارغ» من الوثائق، الذي زعم وجوده حول قدرة الرئيس العراقي صدام حسين على تجهيز ما لديه من أسلحة كيماوية وبيولوجية خلال 45 دقيقة.
الدول الغربية رفضت المبادرة الروسية لأنها تنفذ مخططا لتدمير سورية بعد العراق، وبذر بذور الفتنة الطائفية لتمزيق الوحدتين الجغرافية والديمغرافية لهاتين الدولتين، علاوة على ليبيا واليمن، وإنهاك الجيوش العربية جميعا في حروب استنزاف، وبما يؤدي في نهاية المطاف إلى تأمين تفوق أسرائيل عسكريا، وتعزيز وجودها في المنطقة.
عندما تقدمت روسيا بمبادرتها في فبراير 2012 كان عدد ضحايا الأزمة السورية 7500 قتيل فقط، ولم تكن «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة» قد ظهرتا بعد، وانخرطا في القتال على الأرض السورية، إلى جانب أكثر من ألف فصيل معارض ومسلح.
عدد الضحايا في الجانبين بين عسكريين ومقاتلين ومدنيين وصل، وحسب إحصاءات الأمم المتحدة، إلى أكثر من ربع مليون قتيل، بينما بلغ عدد النازحين واللاجئين والمشردين إلى حوالي تسعة ملايين إنسان داخل سورية وخارجها، وما زال عدادا الموت والنزوح في ذروة سرعتهما.
الغرور الغربي، والمعلومات الخاطئة، وسوء التقدير، وأحقاد قادة عرب خليجيين، ورغبتهم في الثأر والانتقام حتى لا يؤدي ذلك إلى إبادة الشعب السوري كله، والحرص على تنفيذ مخططات التدمير في المنطقة للدول التي خاضت حروب العرب كلها ضد اسرائيل، وتفكيكها حتى لا تقوم لها قائمة، كل هذه العوامل أوصلت المنطقة إلى ما هي عليه الآن، وسورية والعراق واليمن وليبيا خاصة.
المعادلة في المنطقة، بشقيها السياسي والعسكري، تغيرت، وتتغير أكثر هذه الأيام، فالسعودية وقطر أكثر دولتين تورطتا في الأزمة السورية تغرقان حاليا في رمال اليمن الدموية المتحركة، والنظام السوري ما زال قائما، وجيشه يقاتل، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد، وأعاد التأكيد أكثر من مرة في تصريحات صحافية، أن رحيل الأسد غير مطروح على الإطلاق في أي حل سياسي للأزمة السورية، وعزز أقواله بإرسال آلاف «الخبراء» العسكريين الروس إلى سورية، معززين بمئات الدبابات والمعدات الثقيلة، وقاعدة جوية في اللاذقية، علاوة على القاعدة البحرية في طرطوس.
الأحاديث الغربية التي كانت تتردد على ألسنة الزعماء الغربيين، ويطرب لها قادة عرب، حول لا شرعية النظام السوري، والتأكيد على أن أيامه باتت معدودة اختفت كليا وتبخرت، وحلت محلها دعوات بضرورة التفاوض مع الرئيس بشار الأسد، مثلما قال وزير الخارجية الاسباني قبل ثلاثة أيام، أو الاستعداد للقبول باستمراره في الرئاسة طوال فترة المرحلة الانتقالية، مثلما أكد وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند قبل يومين.
شكرا لرئيس فنلندا السابق الذي نزع ورقة التوت عن عورات الغرب وأداواتهم العربية بمثل هذا الاعتراف، والمأمول أن يصحو المضللون والمخدوعون من سباتهم العميق على أكتاف أصحاب مخططات التفتيت، والتمزيق والقتل والتشريد لأبناء الأمة العربية، وإن كنا نشك في ذلك، فحال الإنكار مستمرة، وأكثر من أي وقت مضى على طريقة «عنزة ولو طارت».
الأيام المقبلة ستكون حافلة بمفاجآت وأسرار عديدة ستزيل أقنعة، وستكشف الأدوار، وتميط اللثام عن الكثير من الوجوه، ونحن في الانتظار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى