إعداد: محمد اليوبي
بعد الجدل الكبير الذي أثاره قرار وزير الطاقة والمعادن والبيئة، عزيز رباح، بتسليم شهادة الموافقة البيئية لإحدى الشركات المتخصصة في جرف الرمال، من أجل فتح واستغلال مقلع بحري بساحل العرائش، أشهر عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري، «الفيتو» ضد استخراج الرمال من البحر نظرا للأضرار الخطيرة التي تلحقها بالبيئة البحرية والثروة السمكية، حسب ما أكده تقرير صادر عن المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، والذي حذّر من مخاطر جرف الرمال على البيئة البحرية والثروة السمكية.
وجه وزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز أخنوش، رسالة إلى وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، عبد القادر اعمارة، باعتباره المسؤول الأول عن منح التراخيص لفتح المقالع البحرية، يعلن من خلاله عن اعتراض قطاع الصيد البحري على جرف رمال البحر بالمحيط الأطلسي. وأوضح أخنوش، في رسالته، أنه توصل بعدة ملتمسات من مهنيي الصيد البحري في ما يخص ملف جرف الرمال بساحل العرائش يثيرون فيها التداعيات السلبية لجرف الرمال على نشاط الصيد البحري بسبب تأثيره على التوازنات البيئية البحرية وما ينجم عنه من اختلالات مهمة على صحة وغزارة مخزون الثروة السمكية.
أخنوش يشهر «الفيتو»
حسب رسالة أخنوش، فإن المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، أنجز سنة 2015 دراسة تم تحيينها سنة 2019 أثبتت وجود أضرار لحقت الثروة السمكية بسواحل إقليم العرائش، وعلاقة ذلك بنشاط جرف الرمال، وهو ما يؤكد توجس مهنيي الصيد. وأشارت الرسالة إلى أن الرأي العلمي للمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري يؤكد علاقة نشاط جرف رمال البحر بالاختلالات التي تصيب مساكن الأحياء القعرية وتلك التي تصيب جودة المياه وما لذلك من آثار مدمرة لكل الكائنات الحية التي تعيش بالمنطقة التي يشملها نشاط الجرف. وأبرز الوزير أن كل الجهة الشمالية الأطلسية بساحل العرائش تعتبر مسكنا وموئلا حساسا يضمن دورة الحياة لعدة أجناس من الأحياء البحرية ويحتوي على مناطق توليد وحضانة أنواع كثيرة من الأسماك، حيث تشكل هذه الأحياء البحرية أهم المصايد بالمنطقة. وأكدت رسالة أخنوش أن نشاط جرف الرمال يكون له تأثير مباشر على إنتاجية هذه الأنواع على المدى الطويل، ومن جهة أخرى توجد بالمنطقة عدة مواطن بحرية عالية الأهمية من حيث البيئة ومن حيث الصيد البحري، كالأعماق المرجانية التي تحتوي على المرجان الأحمر والتي تضمن صيدا مستداما، لكنها لا تحتمل تأثير نشاط فتح مقالع لجرف الرمال في البحر. وأكد أخنوش أنه نظرا لعدد مصايد الأسماك المتواجدة بساحل العرائش والتي تعتمد استمراريتها على حماية مواطن الأحياء البحرية والنظام البيئي الذي يؤويها، فإنه يعلن اعتراض قطاع الصيد البحري على منح أي ترخيص لجرف الرمال بتلك المنطقة، لأنه يهدد استدامة الصيد البحري الذي يعتبر نشاطا اقتصاديا واجتماعيا يحظى بالأولوية بالنسبة لتلك الجهة. وأصدر المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري عدة تقارير دق من خلالها ناقوس الخطر وحذر من خطورة جرف الرمال على الصيد البحري، وأكد بما لا يدع مجالا للشك أن نشاط جرف الرمال ألحق أضرارا جسيمة بالتوازنات البيئية البحرية.
ومنذ عدة سنوات، كان مهنيو الصيد البحري يعبرون عن مخاوفهم من الآثار السلبية المحتملة لنشاط جرف رمال البحر بالسواحل المغربية، وخاصة بمنطقة إقليم العرائش، وفي هذا السياق قام المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري بإعداد عدة دراسات بخصوص التأثيرات المحتملة لجرف الرمال على النظام البيئي البحري والموارد السمكية، وتم نشر نتائج هذه الدراسات في تقرير صدر سنة 2015 تم تحيينه في سنة 2019. وسلط التقرير الضوء على عدد كبير من المصايد التي تشكل مخزونا مهما لعدة أنواع من الأسماك، وتعتبر من أهم المصايد بالمغرب، والتي يمكن أن تتأثر سلبا من خلال نشاط جرف رمال البحر، بعد تدهور موائلها، وتغير الظروف المادية للبيئة، وبشكل عام تدهور النظام البيئي البحري.
جرف الرمال يهدد البيئة البحرية
أكد التقرير الأخير للمعهد، تتوفر «الأخبار» على نسخة منه، أن نشاط جرف الرمال البحرية يمكن أن يؤدي إلى سلسلة كاملة من الآثار المتتالية السلبية التي تؤثر على المنطقة بأكملها، هذه السلسلة البيئية البحرية مرتبطة بالمنطقة المجروفة والمناطق المجاورة ويمكن أن تصل تأثيراتها إلى مناطق نائية جدا. وحسب التقرير، يتسبب جرف الرمال في تعديل الخصائص الفيزيائية والكيميائية للبيئة البحرية، ويؤدي إلى تدمير وتعطيل قاع البحر الذي تعتمد عليه دورة حياة العديد من الأحياء البحرية، ويمكن أن يعطل نمط الهجرة الذي تقوم به العديد من أنواع الأسماك للتكاثر أو التغذية.
وسلط التقرير الضوء أيضا على الثروة البيولوجية والحيوية لمنطقة شمال الأطلسي ويوضح طابعها الحساس والهش، مشيرا إلى الأضرار التي يمكن أن تلحق مناطق حيوية تشكل مصدر الثروة السمكية، مثل مناطق التفريخ وأماكن الحضانة، لأن هذه المناطق تلعب دورا كبيرا في تعزيز مخزون عدد كبير من أنواع الأسماك، وبالتالي، فإن أي اضطراب أو تدهور في موائل هذه المناطق، ولا سيما تحت تأثير جرف الرمال أو فتح مقالع في عرض البحر، يمكن أن يؤدي إلى تقليل القدرة على تجديد المخزونات وانخفاض إنتاجيتها.
وأكد المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، أنه عارض الترخيص لأي نشاط لجرف الرمال، وانتقد موافقة وزارة الطاقة والمعادن والبيئة على منح شهادة الموافقة البيئة لشركة «درابور» المتخصصة في جرف الرمال، مشيرا إلى أن الدراسة التي تم الاعتماد عليها لمنح شهادة الموافقة البيئية، لا تقوم على أسس علمية صارمة، عندما تحدثت عن غياب التأثير على الموارد السمكية في المنطقة وعلى النظام البيئي البحري، وأكد المعهد أن نشاط جرف الرمال يدمر الحياة البحرية ومخزون الأسماك، وبذلك يهدد قطاع الصيد البحري، الذي يشكل مصدر عيش آلاف الأسر، ويوفر عددا مهما من مناصب الشغل بالمناطق الساحلية.
وكشف المعهد بالبراهين العلمية الآثار الوخيمة لنشاط جرف رمال البحر على الثروة السمكية وعلى نشاط الصيد البحري، فقد أكد المعهد بأن أشغال جرف رمال البحر تؤثر سلبا على الترسبات القعرية وعلى جودة مياه البحر، حيث إنه أثناء عملية الجرف يتم تحريك الجزيئات الملوثة ونشرها على نطاق واسع مما يحدث اضطرابات تهدد مواطن الأحياء البحرية، أما بالنسبة لجودة المياه فإن تحريك تلك الجزيئات الملوثة يتسبب في تعكير المياه وحجب أشعة الشمس وانخفاض مستوى الأوكسيجين بالماء وبالتالي نفوق عدد كبير من الأحياء الصغيرة التي تعتبر الحلقة الأساسية في السلسلة الغذائية للأسماك، كما أن عملية شفط قعر البحر أو امتصاص الرمال المترسبة يتسبب في ابتلاع كميات هائلة من بيض ويرقات الأسماك وباقي الكائنات الحية ويتسبب بالتالي في انخفاض مخزون الثروة السمكية بالمنطقة.
أحياء بحرية مهددة بالانقراض
بخصوص المنطقة الشمالية الأطلسية بصفة عامة وساحل العرائش بصفة خاصة، فإن الأبحاث العلمية التي أنجزت مؤخرا اعتبرت أنها تشكل موطنا أساسيا لعدد من القعريات (Benthos) وفضاء مفضلا لعدد كبير من الأسماك لوضع بيضها وحضانة صغارها. ومن أهم هذه الأسماك التي تستوطن الساحل الممتد من طنجة إلى العرائش نجد سمك الأنشوجة (anchois) الذي يعتبر بمثابة ثروة وطنية، كما أن المنطقة معروفة بتواجد مكثف لسمك النازلي (Merlu) بالمواقع البحرية المستهدفة بجرف الرمال حيث تتجمع إناث هذا النوع من الأسماك للبحث عن مساكن آمنة لوضع بيضها وهذا ما يجعل من أشغال جرف الرمال عائقا رئيسيا يحول دون استمرار دورة الحياة، أما بالنسبة للجمبري الوردي (CREVETTE ROSE) فإن المنطقة البحرية الممتدة من جنوب العرائش إلى طنجة تضم مجموعة هائلة من الإناث تستقر بهذه المنطقة لوضع بيضها مما يجعل من نشاط جرف رمال البحر نشاطا محرما.
أما بالنسبة للثدييات وأساسا الحوتيات الكبيرة كحوت العنبر والحوت الزعنفي والدلفين الذي يشكل لوحده 60 % من الحيتان المتواجدة بالمنطقة، فزيادة على تهديد اشغال جرف رمال البحر للدورة الغذائية لكافة أنواع الأسماك المستوطنة أو العابرة للساحل الأطلسي للمملكة فإن تلك الأشغال تصدر ضجيجا يتسبب في ارتباك وتعطيل منظومة الموجات الصوتية التي تعتمدها هذه الثدييات في تنقلاتها مما يجعلها عرضة لمجموعة من الحوادث القاتلة كالاصطدام بحاجز صخري أو بسفينة.
من جهة أخرى، يؤكد التقرير أن المنطقة الساحلية الشمالية إلى حدود مولاي بوسلهام جنوبا تعتبر الممر الرئيسي لسمك التونة الحمراء (Thon rouge) الذي يسلك هذه المنطقة في رحلته السنوية من المحيط الأطلسي على البحر المتوسط ذهابا وإيابا بحثا عن التوالد والتغذية، وبما أن أشغال جرف رمال البحر تتم على مقربة من مواقع وحدات صيد سمك التونة (المضربات) فإن من شأن تعكير مياه المنطقة بسبب تلك الأشغال أن يتسبب في هجرة هذا النوع من السمك الذي يفضل المياه الصافية. كما تطرق التقرير إلى حقول المرجان الأحمر المتواجدة بالمنطقة الساحلية بين طنجة والعرائش والتي تتعرض للاختناق بسبب تعكير مياه البحر الناتج عن أشغال الجرف، وبالتالي فإن هذه الأشغال تهدد أكبر مخزون للمرجان الأحمر على الصعيد الوطني.
أما بالنسبة لقطاع الصيد البحري، فيعتبر التقرير أن لنشاط جرف رمال البحر تبعات خطيرة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، حيث يهدد مصدر عيش فئات مجتمعية عريضة تمتهن مهنة الصيد أو تعيش من نشاطات مرتبطة بتسويق أو صناعة الأسماك، مشيرا إلى أن تهديد مخزون الثروة السمكية من طرف أشغال جرف رمال البحر ستكون له آثار وخيمة على قطاع الصيد البحري بأكمله. وأكد التقرير أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال الملاءمة بين نشاط جرف الرمال ونشاط الصيد البحري، وخلص التقرير إلى ضرورة منع نشاط جرف رمال البحر لضمان استدامة الثروة السمكية وحماية قطاع الصيد البحري الذي يتعرض لتهديد مباشر في حالة الترخيص بفتح مقالع بحرية.
وتضمن التقرير العلمي الصادر عن المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري حقائق مرعبة حول «تسونامي» بيئي يهدد قطاع الصيد البحري، الذي يشغل أكثر من 300 ألف شخص بصفة مباشرة ونفس العدد بصفة غير مباشرة، وبذلك لا يترك مجالا لأية مناورة ويطرح أكثر من سؤال عن الأسباب الخفية وراء اندفاع عزيز رباح وحماسه المفرط في الدفاع عن نشاط يعتبره الجميع عدوا للبيئة وتهديدا واضحا للاقتصاد الوطني ولثروته السمكية، سواء في الولاية الحكومية السابقة عندما كان وزيرا للتجهيز والنقل، أو خلال الولاية الحكومية الحالية، حيث يشغل حقيبة الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة، وهو الوزير الوصي على قطاع البيئة، ومن المفروض أن يكون أكثر تشددا في مواجهة الأنشطة المدمرة للبيئة.
أخنوش حذّر الوزير رباح
يعارض قطاع الصيد البحري بشدة نشاط جرف الرمال، وسبق للوزير أخنوش أن عبر عن هذا الموقف المعارض في عدة مناسبات وعبر مجموعة من المراسلات، حيث يعتبر أن كل عملية جرف أو استخراج للرمال البحرية تمثل تهديدا مباشرا للنظام البيئي البحري، وأن استغلال رمال البحر يجب أن يخضع لترخيص من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالصيد البحري لاسيما في المناطق البحرية التي تشكل موطنا للأصناف البحرية ومكانا لتوالدها وتجدد مخزونها وذلك أخذا بعين الاعتبار المقاربة الوقائية المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة حول قانون البحار.
وسبق لأخنوش أن وجه رسالة إلى رباح عندما كان وزيرا للتجهيز والنقل في الحكومة السابقة، أكد من خلالها أن مؤسسات علمية وطنية ودولية تجمع على أن الأنظمة البيئية البحرية المتواجدة بين صفر و12 ميلا بحريا تعد من بين المناطق الأكثر توالدا وتنوعا للموارد البحرية، كما أن استراتيجية الإدارة المكلفة بالصيد البحري في ميدان استدامة الموارد البحرية تقوم على حماية هذه المناطق من خلال العديد من الإجراءات منها مخططات تهيئة المصايد وحماية مناطق التفريخ ومنع الصيد بها خلال فترة الراحة البيولوجية، وأكدت الرسالة أن عملية جرف أو استخراج للرمال البحرية تشكل تهديدا مباشرا للنظام البيئي البحري.
وفي رده على سؤال كتابي وجهه الفريق الاستقلالي حول تأثير نشاط الجرف التجاري للرمال على الثروة السمكية وعلى الصيد البحري، أوضح أخنوش أن عملية جرف رمال البحر هي عملية تقنية تستعمل آليات ضخمة وتجرف كميات هائلة من الرمال، وبالتالي يمكنها أن تتسبب في تغيرات إيكولوجية بالوسط البحري (فيزيائية، كيميائية، وبيولوجية)، وتنعكس سلبا على الوسط البحري وعلى الكائنات التي تعيش وتتوالد به، وفي هذا الإطار، يضيف وزير الفلاحة والصيد البحري، علما بأن السواحل المغربية خاصة منها المتواجدة على المحيط الأطلسي تتميز في أغلب المناطق بوجود ثروات نباتية وحيوانية جد مهمة، وبها مناطق للتوالد جد حساسة، وأكد أخنوش أن عملية جرف الرمال يمكنها أن تؤدي إلى تدمير مناطق التوالد إذا تم جرفها أو جرف مناطق بجوارها، وخاصة أن السواحل المغربية الأطلسية تتميز بوجود عدد مهم من مناطق التوالد لعدة أنواع من الأسماك والكائنات القاعية كراسيات الأرجل مثلا وغيرها.
وكشف أخنوش أنه راسل عزيز رباح، وزير التجهيز والنقل سابقا، مرتين في هذا الشأن لمطالبته بإيقاف مشروع طلب عروض استغلال الرمال البحرية القعرية في أربعة مواقع، وهي منطقة تاهدارت، جنوب وشمال الدار البيضاء، وشمال الصويرة، وأكد في رسالته، أن عملية جرف رمال البحر بمسالك الأسماك المتنقلة، تنتج عنها عوائق لتنقلها في مسالكها وترغمها على البحث عن مسالك أخرى، وذكر الوزير أن منطقة طنجة أصيلة تعتبر مسلكا مهما لأسماك «التونة» المتنقلة والحساسة جدا، حيث تقوم هذه الأسماك سنويا، بين شهر ماي وشهر يونيو، بالتنقل بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، وذلك من أجل التوالد والبحث عن التغذية الملائمة، كما تتوفر هذه المنطقة على ثروات مهمة ومساحات هائلة من المرجان الأحمر وكثير الحساسية. وحذر أخنوش من تأثير عملية جرف الرمال على مياه المنطقة المستهدفة، لأنه يمكنها أن تؤثر على جودة المياه إذا كانت الرمال تحتوي على تسممات كميائية أو بيولوجية تنتقل خلال العملية إلى المياه البحرية وتؤثر على جودتها. وخلص وزير الفلاحة إلى أن أي نوع من المشاريع إذا لم يأخذ بعين الاعتبار كل هذه التأثيرات فسوف ينعكس سلبا على المناطق التي يتم جرفها والمجاورة كذلك، ويؤدي إلى تدهور الحالة الإيكولوجية للساحل وعلى الثروات البحرية والصيد البحري.
وفي رسالة أخرى، أكد أخنوش أن وزارة الفلاحة على إلمام بمخاطر الجرف العشوائي للرمال، وبالآثار السلبية والسوسيو اقتصادية التي تترتب عن هذا الاستغلال العشوائي المفرط، والتي أكدها المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري من خلال تقرير مفصل في الموضوع يبين أن جرف الرمال البحرية يلحق ضررا فادحا بالبيئة والحياة البحرية، عبر تخريب التوازنات البيئية الضرورية لاستمرار توالد الأسماك، وأيضا اختناق حقول المرجان الأحمر الذي يعد نوعا حساسا للغاية لتعكير المياه الناتج عن أنشطة الحفر.
خبراء يدقون ناقوس الخطر
أكدت دراسات أنجزها خبراء في علم البحار بكلية العلوم بالقنيطرة، بأن عملية الجرف التي كانت تتم على مقربة من هذا الشاطئ كانت تنجز بواسطة سفينة تمتص الرمال من قعر البحر وتحمل معه الأسماك الصغيرة واليراعات وبيض بعض الأحياء المائية، لكنها أيضا تتسبب في تحريك المعادن الثقيلة لتحملها التيارات المائية نحو الشاطئ، فهذه المعادن الثقيلة والسامة أتت بها مياه الوادي خلال عشرات السنين لتستقر عند مصب نهر سبو لتتكفل التيارات المائية بطمرها تحت طبقات من الرمال وتحد بالتالي من خطورتها، إلا أن عمليات الجرف العشوائي التي استمرت لأكثر من 10 سنوات بمصب نهر سبو تسببت في تحريك هذه المعادن الخطيرة التي طفت على سطح المياه لتحملها حركة الأمواج والتيارات المائية نحو شاطئ مهدية.
وأظهرت البحوث العلمية أن للجرف انعكاسات مباشرة على السواحل وأخرى غير مباشرة تتسبب في ابتعاد عدد مهم من الأحياء البحرية عنها وفي إضعاف مردودية الصيد البحري، وكشفت أنه عند قيام عملية الجرف يتم تغيير في درجة حرارة المياه التي ترتفع، وكذلك ضحالة المياه التي ترتفع إثر عملة الشفط والتي تؤدي إلى تحريك المواد الدقيقة، كما يحدث تغيير في الترسبات القعرية التي يتم انتزاعها مع كل مكوناتها الحية، ثم تلويث المياه والترسبات على إثر إحياء المواد السامة التي تراكمت في مصبات الأنهار والساحل ويؤدي هذا إلى تدفقات ملوثة.
وتتسبب عمليات جرف الاستغلال في إعادة انتشار المواد الملوثة وذلك أثناء عمليات الحفر والغمر الشيء الذي يؤثر على صحة الحيوانات البحرية بمختلف تراتبيتها في السلسلة الغذائية والتي لا يسلم منها الإنسان بعد استهلاكها، كما تؤدي المواد العالقة إلى إفقار البيئة البحرية من الأكسجين وبالتالي اختناق الأحياء البطيئة التنقل، وتؤثر المواد العالقة أيضا على أحياء القعر باختناقها وهجرة الأسماك القعرية، وكذلك هجرة الأحياء البحرية بفعل تدهور بيئتها بسبب التلوث، أو بفعل ضجيج آلات الحفر.
وفي هذا الصدد تؤكد الدراسات التي أجريت على المحار الذي كان يتمتع بجودة عالية قبل بدء عملية جرف الرمال البحرية، أنها أصبحت تركز في أنسجتها معدلات مهمة من المواد المعدنية الثقيلة متجاوزة بذلك الحدود التي وضعتها القوانين الأوروبية المنظمة لاستهلاك المحار والأسماك الصدفية « CE 266/2001» بشكل يجعلها غير صالحة للاستهلاك، وعلاوة على ذلك أظهرت الدراسات أن قدرة استرجاع الأحياء لحيويتها البيولوجية بعد توقف أعمال الجرف والغمر تختلف من موقع لآخر وقد تستلزم 5 سنوات .
وحسب الدراسات، تخلف عمليات جرف الترسبات القعرية حفرا كبيرة تؤثر على دينامية انتشار الأمواج بفعل الانتقال المفاجئ من عمق معين إلى عمق أكبر تنتج عنه تغيرات في اتجاه انتشار الأمواج وكذلك في حدة التيارات البحرية وهو الأمر الذي يمكن أن يؤثر في تغيير توزيع المواد الرسوبية في المجال البحري بشكل مخالف لديناميكيته الأصلية وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تعرية الشواطئ المستقرة وإضعاف قدرتها على مواجهة عوامل التعرية وتعريضها بشكل أخطر لغمر البحر كما هو الحال في المهدية.