أخلاق المهنة
أحمد مصطفى
هناك قوانين ضمن النظام القضائي العام في أغلب البلدان تحمي خصوصية البشر، وتعاقب على الذم والقذف والتشهير بأي وسيلة إعلام، لكن الصحافة كانت دوما لها «مدونة سلوك» تحمي أخلاق المهنة.
كان الحاكم دائما في نشر أي شيء هو مدى أهميته للصالح العام، ولم تكن هناك تفسيرات كثيرة متعددة الطبقات لهذا «الصالح العام»، كما هو الحال الآن.
فما لم يكن القصد من النشر هو كشف معلومات وبيانات ممحصة، باعتبارها حقائق لأغلبية الجمهور المتلقي، تفيده في المعرفة التي تشكل وعيه وآراءه، ليبني على أساسها قراراته ويحدد خياراته.
ولم يكن الصحافيون يجدون مشقة كبرى في تحديد الفارق بين ما هو للصالح العام، وما يقع في خانة التشهير. كما كان الحد الفاصل بين «الإعلام» بغرض التعريف لتشكيل الوعي، وبين «الإعلان» بارز الوضوح.
يمكن للمرء ذكر أمثلة لا تعد ولا تحصى على معايير مدونات السلوك وأخلاقيات المهنة، والتي ما زال بعضها مطبقا إلى حد كبير في منافذ إعلام رصينة حتى الآن.
ولا أقصد هنا فقط القوانين المعمول بها في البلدان المختلفة، والتي تقوم المؤسسات الصحفية الكبرى بتحديث تأهيل صحفييها سنويا بشأنها، لتتفادى أي دعاوى قضائية قد تكلفها الملايين في قضايا النشر، التي اتهمت بالتشهير أو السب والقذف.
وإنما أقصد مدونات السلوك التي تضعها المؤسسات لنفسها وللعاملين بها، ليس من قبيل الرقابة الذاتية، وإنما بغرض حماية المصداقية لدى الجمهور المتلقي أولا وقبل كل شيء.
تحكم تلك القواعد المهنية كل العملية الصحفية، من وضع أجندة التغطيات الإخبارية إلى أسلوب التغطية، ومحاولة الحفاظ على التوازن (بالموضوعية وليس الحياد، فلا حياد مطلقا في أي شيء، بما في ذلك الصحافة والإعلام).
يبرر البعض الانتهاكات المتكررة لمدونات السلوك الإعلامي وأخلاقيات مهنة الصحافة، بالانتشار الواسع لوسائل التواصل عبر الإنترنت.
وتلك حجة مردود عليها بقوة، فما على الإنترنت سوى وسائل «تواصل» – أي قنوات توصيل. أما إنتاج المحتوى الصحافي فهو مسؤولية الصحافيين. وليس من مبرر لإعادة تدوير الغث والرخيص والمثير على تلك المواقع، سوى ضعف المهنية حتى انعدامها، وخلو المحتوى الصحفي من أي جهد.
حتى تلك المواقع تعمل شركاتها على وضع معايير تضبط استخدامها من حيث ما ينشر عليها، وتحدث الدول قوانينها بما يجعل معايير البث عليها من قبل الناس العاديين محكومة بقواعد ومعايير يؤدي انتهاكها إلى المساءلة القانونية.
كيف يمكن لصحفي أن يعيد تدوير ما يبثه شخص على موقع تواصل يستهدف به شخصا آخر، أو حتى فئة من البشر؟ وكيف تلهث منافذ إعلامية وراء إعادة نشر ما ينشره شخص على حسابه بموقع تواصل، يسعى من ورائه إلى لفت انتباه متابعيه؟ وهل أصبحت مهمة الصحافة والإعلام هي تمييع كل القواعد والقيم والقوانين، بمنافسة الجماهير في نشر كل شيء وأي شيء؟
هناك بالطبع من يرى أن وسائل التواصل وفرت حرية للناس العاديين، بما ينال من أهمية ودور الصحافة والإعلام. وإنما المشكلة أن ذلك دفع الصحافة والإعلام نحو الاهتراء، باللهاث وراء تلك الوسائل.
والنتيجة هي التشويه والتعريض بخصوصيات الناس و«توصيل» ما لا يهمهم ولا يفيدهم، لمجرد أنه مثير ويجذب رواد مواقع التواصل. وهكذا تخسر الصحافة ولا تكسب مواقع التواصل، وتنهار قيمة المحتوى بشكل عام، ويتواصل انتهاك أخلاق المهنة.