أحيانا قد نحترق دون أن نقترب
كلما رأيته تسارعت دقات قلبي، يتصاعد الدم لوجنتي، من حسن حظي أني سمراء، وإلا لكانت ألوان الوله تفضحني، ليس بيدي ما يحدث بداخلي. قررت أن أخبره، وليكن ما يكون، أعلم أنه متزوج وأب لأربعة أبناء أصغرهم يُدَرس في جامعة فرنسية، وأنه وفي لزوجة نكدية، وأنه يحترم نفسه ومهنة الطب التي درسنا. كنت إحدى طالباته المجدات، كان يقدر لي هذا، ويرى في طبيبة جراحة لها مستقبل باهر، ونجاحات ستحققها وهي تخيط قلوبا تصارع الموت، يحييها الفريق بعد نجاح العملية، وتنهال عليها أسر المريض بالقبل، والمريض ذاته سيظل يذكرها لحسنها ولطيبتها.. وقد يقع في حبها ولا ينساها وهي تزوره قبل انتهاء دوامها الليلي.. ما أجمل الليالي التي تداوم فيها طبيبة أو ممرضة جميلة! هذا ما قاله أحد المرضى وكان يبتسم ويقول: «هي ابنتنا».. لكن من قال له إني ابنته؟ أنا التي ترى فيه حبيبها، والرجل المثالي الذي لم تصادفه يوما في صور كل الرجال الذين يقربون لها قرابة الدم. رجل يعادل كل ما قرأته في المخطوطات القديمة عن ابن سيـــنا والفارابي، طبيب وفيلسوف وشاعر، وله علم يسير بالفلك. دعاني مرة لنشاهد حركة النجوم والكواكب، على سطح المستشفى،… أدرك قلبي حينها حاجته الشديدة لأن يكون نجما في السماء، يحتاج لأن يرصده منظار هذا الطبيب. لأول مرة تلتقي عيوننا، ويحجبه القمر عني، ذرفت الدمع على يديه، وطلبت أن يساعدني لأغادر المستشفى، فما عاد قلبي يحتمل، ولا عاد قلبه يحتمل، ألغينا المسافات وأبعدنا احتيال اللغة، وثقافة تُعلم الكذب وكتمان المشاعر،.. ربما أكون امرأة متحررة كما يصفني أصدقائي، أنا التي أراني حرة لا متحررة، ربما لأن أمي برازيلية لا تؤمن بالتعقيدات، أشبهها، عكس والدي المغربي، يضع ألف حاجز أمامه كي لا تطوله ألسنة الناس. كثيرا ما انتقدني ورد تصرفاتي لزواجه الفاشل، لا يحب ملابسي القصيرة والبسيطة، ولا تصفيفة شعري الذكورية، ولا الأقراط الستة التي تزين أذني، ولا انفتاحي.. الناس نصحوه بمغادرة المهجر والإقبال على أحضان الوطن الممتد، كي لا تفسد تربية أبنائه، لكن فعلا انحرفت، هذا ما يؤكده الكل! لكن لم يلحظ أحد، وأني طبيبة متدربة أنقذت الكثيرين من الموت، أني أشرفت على عمليات معقدة ونجحت، وأني أنشأت جمعية من الأطباء المتطوعين نسافر باستمرار لننقذ الحياة السليمة لأناس يصارعون الموت في بيوتهم، وأني بعت سيارتي ودفعت أمي لأخذ قرض لننقذ حياة طفل في الرابعة من عمره، وأني دائمة التبرع بدمي لمن فقدوه بسبب مشاريعهم الفاشلة.. أشياء لا يجدر بي قولها إلا أمام نفسي لأقول لها إن من حقها ألا تكترث لأحد، ومن حق هذا القلب الذي أحب الكل أن يحبه هذا الرجل.
ونحن على سطح المستشفى رصد بمنظاره دقات قلبي،.. حاولت أن أتهرب من كل الأسئلة التي قد تطرح بعد «اعتراف»: كيف حصل؟ ولم أنا وليس غيري؟ لكن..؟ لم يكن غبيا كأي آخر قد يحيط الحب العميق أكثر من محيط بـ«wh questions». أخرجت حينها سيجارة من جيب قميصي الداخلي حاولت أن أشعلها، يدي ترتجف بقوة فاضحة، لكنه كان ثابتا، يراقب حركة النجوم في السماء، يستنشق دخان سيجارتي، ينظر إلي من حين لآخر، ليكسر صمت العناق السابق الذي لذنا إليه:
• تعلمين أني معجب بك، وأنك غطيت فشل زواجي.