في مقاطعة سيدي بليوط، تصادفك لوحة على مدخل زقاق مليء بالحركة، تحمل اسم أحمد وهبي. تقول الروايات المجالية إن المقاطعة فضلت اسم رمز من رموز الغناء على الاسم القديم للزقاق والذي كان يخلد اسم يهودية. لا يقتصر حضور المطرب الجزائري وهبي على الزقاق البيضاوي، بل إن مدينة وهران مسقط رأسه تحتفي به بإطلاق اسمه على المعهد الموسيقي البلدي.
ولد أحمد وهبي يوم 18 نونبر 1921 بمرسيليا، من أب جزائري وأم فرنسية ذات أصول إيطالية، اسمه الحقيقي أحمد دريش التيجاني، لكن من شدة إعجابه بمحمد عبد الوهاب أجرى تعديلا على الاسم ليتحول إلى وهاب، وحين التقى بالفنان المصري يوسف وهبي عاد لتغيير الاسم ويحمل اسم وهبي.
عاش الولد يتيما منذ أن كان في الرابعة من عمره بعد رحيل والدته، فنشأ وتربى هو وأخته الكبرى في بيت جده بمدينة وهران، وكان والده مغنيا ضمن مجموعة «أصحاب البارود»، قبل أن يصبح من أشهر مؤذني المدينة.
خلافا لما يتردد حول زيارته للمغرب في نهاية الستينات، فإن بعض المقالات الصحفية الجزائرية تؤكد زيارات وهبي الأولى للمغرب، حين كان ضمن صفوف «الكشافة الإسلامية الجزائرية» فرع وهران في 1937، وكانت مدينة وجدة المغربية أول حاضرة مغربية يقطنها ضيفا عند بعض الجزائريين ولشدة إعجابه بها غنى رائعته «يا مدينة وجدة». وبدأ يخط طريقه مع الغناء، مع عبد القادر الخالدي الذي أصبح كاتب كلماته الأول. انتقل بعدها إلى تونس حيث شكل فرقة جبهة التحرير الوطنية التي كانت تقدم الأغاني الثورية والتراثية الجزائرية، قصد تعريف العالم وتحسيسه بقضايا شعوب المغرب العربي.
بدأ اسم أحمد وهبي يتكرس كعميد للأغنية الغربية (غرب الجزائر) التي تميزت بغناء نصوص شعراء الملحون بألحان تمزج بمقاطع من الموسيقى الشرقية، دون أن تغيب عنها التوابل الاجتماعية.
قضى أحمد وهبي عشر سنوات مغتربا في فرنسا، وفي 1950 سجل أسطوانته الأولى التي غنى فيها أغنية «وهران» والتي استلهم منها الشاب خالد أغنيته الشهيرة «روحي يا وهران». خلدت الأغنية اسم وهبي وشهرته، هذه الأغنية التي يروي فيها تجربة والده مع الغربة، علما أن الوالد ظل يتردد بدوره على المغرب وخاصة فاس لكونه واحدا من أقطاب الزاوية التيجانية. وبعد الاستقلال، استقر أحمد وهبي بمدينة وهران حيث كان يدرس الموسيقى ويقود فرقة الإذاعة بوهران مع الفنان بلاوي الهواري.
منذ حصول الجزائر على استقلالها سنة 1962، لم يبرح وهبي وهران إلا مرتين الأولى بين 1965-1967 قاصدا فرنسا، والثانية بين 1969-1971 نحو المغرب، حيث قضى سنتين بين وجدة والدار البيضاء والرباط، إذ لازال جيل الرواد يذكرون الأغاني التي سجلها وهبي في الإذاعة المغربية، والتي حملت رسائل التقارب بين الشعوب، بالرغم من الظرفية الصعبة التي ميزت العلاقات بين البلدين مع مجيء هواري بومدين للرئاسة.
شغل وهبي عدة مناصب منها الأمين العام للاتحاد الوطني للفنانين الجزائريين، وعمل جاهدا على تكوين اتحاد مغاربي للمطربين، وظل يواصل مسيرته في التلحين والغناء إلى أن أصيب بمرض صدري عضال ألزمه الفراش، بسبب إدمانه على التدخين، إلى أن وافته المنية يوم 28 أكتوبر 1993 وووري الثرى بمقبرة في الجزائر العاصمة وليس وهران كما خطط لذلك، وكان رحيله فاجعة كبرى للطرب الجزائري.