شوف تشوف

الرئيسية

أحمد الصعري.. أضحك المغاربة وفك كرب الفنانين في النقابة ومات مهموما

كوميديون وهبوا حياتهم لإسعاد المغاربة فماتوا تعساء

حسن البصري
ولد أحمد الصعري في درب السلطان عام 1940، بدأ مساره الفني مبكرا وعمره لا يزيد عن 16 سنة ضمن فرقة كانت تضم الطيب الصديقي، وأحمد الطيب لعلج، ومحمد عفيفي وعبد الصمد الكنفاوي ومحمد الحبشي وغيرهم من رواد المسرح المغربي.
عاش وهو طفل حياة قاسية في ظرفية حرجة من تاريخ المغرب حيث تحالف الجوع والاستعمار والجهل على البلاد والعباد، بين أزقة درب “سبليون” عايش الفتى غارات المقاومين على الخونة ومارس طفولته الصعبة في الفضاءات الرياضية لمنطقة لارميطاج كما أصر والده على تعليمه في المسيد، إذ حفظ القرآن الكريم وانضم إلى “المدرسة العالمية” في درب مارتيني، والتي بالمناسبة درس فيها كبار المناضلين والسياسيين بالمغرب، أمثال علال الفاسي وعبد الله إبراهيم وعبد الهادي بوطالب، وانتقل إلى مدرسة مولاي الحسن هناك صادف زيارة ولي العهد مولاي الحسن لهذه المؤسسة وقدم عرضا ساخرا أمامه نال استحسان الأمير، ومن مكر الصدف أن يدرس في هذه المدرسة كبار الفنانين أمثال المخرج السينمائي مصطفى الدرقاوي والمسرحي الطيب الصديقي.

على درب الرواد
عايش الصعري في بداية علاقته بالمسرح مجموعة من الفنانين أبناء وبنات درب السلطان، أمثال ثريا جبران والحاجة الحمداوية وعبد العظيم الشناوي وسعاد صابر وعبد القادر مطاع والثنائي مصطفى الداسوكين ومصطفى الزعري ومحمد بن إبراهيم والأخوان عبد القادر وعبد الرزاق البدوي والشعيبية العدراوي ونعيمة سميح واللائحة طويلة، وفي هذا الحي بدأ أحمد يتردد على دور العرض، كسينما موريتانيا والملكية وأطلس والكواكب والباهية والشاوية وشهرزاد وقاعات أخرى، وفيها شرب الصعري حليب الدراما والكوميديا المصرية والهندية وأضحى مقلدا بارعا لنجومها في الحي.
في زمن إنشاء الثنائيات الكوميدية، اختار أحمد تكوين ثنائي ساخر مع محمد لحريشي وشرعا في تنشيط حفلات عيد العرش، وبعض المناسبات خاصة على مستوى درب السلطان، قبل أن يلتقي بعبد الرحمان بلخياط زوج الفنانة نعيمة المشرقي، فأسسا فرقة لإعداد الحفلات وتنشيطها. نصح بلخياط صديقه بالاهتمام بالجانب النظري مادام يملك موهبة زاخرة في التشخيص، فاستجاب أحمد للمقترح وانخرط في المعهد البلدي الذي كان يديره الفرنسيون في خمسينيات القرن الماضي، هناك، تلقى دروسا في التمثيل على يد أساتذة كبار، أبرزهم الفنان والزجال الراحل الطيب لعلج.
ومن المعهد لاحت فرصة الانضمام لفرقة المعمورة، بإيعاز من الطيب الصديقي الذي أصبح يعتمد على الصعري في كل أعماله، حيث لعب دورا كبيرا في فرقة الطيب، قبل أن يصبح وعمره لا يتجاوز 25 سنة، أستاذا في المعهد البلدي للموسيقى والمسرح والرقص في الدار البيضاء، حيث تخرج على يديه عدد من نجوم الكوميديا والمسرح البارزين في المغرب مثل الحسين بنياز وعزيز سعد الله وخديجة أسد وميلود الحبشي، وغيرهم من الممثلين، حيث كان يدرس مادة الدراما.
شغل الرجل مهاما موازية للتمثيل المسرحي والتلفزيوني والسينمائي، خاصة على المستوى الإداري سواء مع فرقة المعمورة أو خلال فترة إشراف الطيب الصديقي على إدارة المسرح البلدي للدار البيضاء، حيث أصبح الصعري هو العقل المدبر للمسرح البلدي. بل إنه تحول مع مرور الوقت إلى ذاكرة حية للمسرح المغربي، لما يحفظه عن ظهر قلب من وقائع مهما علقت بها طبقات النسيان.

ضريبة الإجهاد والإخلاص
كانت آخر مهمة تكلف بها الصعري قبل انتكاساته الصحية، هي إدارة مكتب النقابة الوطنية لمحترفي المسرح بالدار البيضاء. وكان من أعراض مرضه إصابته بشلل نصفي جراء ارتفاع الضغط الدموي مما أفقده القدرة على النطق.
عملت النقابة على استشفائه في المستشفى العسكري بالرباط وخضع لمرحلة ترويض واستقر ببيته محاطا بأهله وذويه، دون أن تتحسن أحواله. فقد أجمعت التقارير الطبية على مضاعفات ضغط دموي دون أن تكون للحالة أعراض قبلية، وأضافت التقارير أن الإجهاد التام كان سببا في هذا الوضع مما يؤكد إخلاص الرجل في مهمته التي كان دوما يعتبرها رسالة أخلاقية أكثر منها مهنة للاسترزاق.
ولأنه هو المعيل الوحيد لأسرته، فإن مرضه كانت له انعكاسات على المعيش اليومي للأسرة متعددة الأفراد والتي ظلت تقطن سكنا على سبيل الإيجار، ولا تتمتع بالامتيازات التي يتمتع بها كثير من الفنانين الذين لا تاريخ لهم.
خلال فترة علاجه بين الرباط والدار البيضاء، قتلت مواقع التواصل الاجتماعي الصعري أكثر من مرة، قبل أن تضطر أسرته ومعها “النقابة” إلى تكذيب الإشاعة التي سببت للفنان ضررا نفسيا وجسديا.
في آخر أيامه الأخيرة كان الرجل يسعد بزيارة رجال ونساء المسرح، وكان يسعد أكثر حين يزوره لاعبون سابقون للرجاء البيضاوي، الفريق الذي ظل يفرح لانتصاراته ويحزن لهزائمه، بالمقابل كان يسأل عن بعض الوجوه التي لطالما مد لها يد المساعدة حين كان مديرا إداريا للنقابة المغربية لمحترفي المسرح، قبل أن تغير اسمها وأرقام هواتفها. لم يتلق الصعري الدعم والمساعدة من زملائه، رغم أنه كان دائما إلى جانبهم، ويساندهم في محنهم، وحدها النقابة هي التي ظلت تمد له يد العون، حسب قول ابنته في حوار صحفي، علما أن أسرة الصعري ظلت تعيش محنة حقيقية، سيما أنه كان معيلها الوحيد.
حتى وهو على فراش المرض أو على كرسيه المتحرك، كان شغله الشاغل هو مستجدات قانون الفنان، والبطاقة المهنية والتغطية الصحية، كلما زاره فنان إلا ويحاول جاهدا التحدث، عن مكاسب النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية وعن فروعها والرعاية الاجتماعية والتقاعد ووضعية الفنانين الرواد، ويتمنى لو أن جسده يسعفه للذهاب إلى النقابة.
كانت وصيته الأولى هي وضعية الفنان، رغم أنه انتبه في آخر أيامه إلى الخطأ الجسيم الذي ارتكبه، حين كان يكد من أجل حل مشاكل الفنانين دون أن يلتفت إلى أوضاع أسرته، لطالما ساعد فنانا على اقتناء سكن وهو الذي يعيش في بيت يؤدي إيجاره، بحث لأبناء فنانين عن شغل وأبناؤه يعانون، إنها مفارقات رجل عاش من أجل الآخرين، ووجد متعة في خدمتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى