في منتصف الشهر الجاري تدفقت حشود من الشباب على المعبر البحري المؤدي إلى مدينة سبتة، في مطاردة لحلم الهجرة الذي يسكنهم.
من بين الموقوفين من طرف السلطات الأمنية ثلاثة لاعبين ينتمون لفريق من القسم الوطني هواة، نعمان حارس المرمى واحد منهم.
من بين الستين شخصا الموقوفين، عدد من اللاعبين الواعدين الذين يسكنهم هوس الاحتراف، فطلبوه في الضفة الأخرى سباحة.
تتراقص أمام عيونهم لمسات أخوماش وتيرغالين والواحيدي وغيرهم من نجوم المنتخب الواعدين، فالغاية عندهم تبرر الوسيلة.
قالت صحيفة «الشباك» الجزائرية إن لاعبا حمل قميص شبان وداد تلمسان تسلل عبر الحدود الجزائرية المغربية، والتحق بالراغبين في «الحريك» سباحة صوب سبتة.
في اليوم نفسه تدفقت حشود من اللاعبين الشباب صوب ملاعب الرجاء والوداد والجيش والفتح وغيرها من الفرق المغربية، وهم يتأبطون حلم الفردوس الكروي.
في مركب محمد بن جلون بحي الوازيس تدفق مئات الفتيان بحثا عن موقع قدم في النادي، وعاشت أكاديمية الرجاء التدفق نفسه، فيما عجزت ملاعب أخرى عن استيعاب الحشود الحالمة بصفة لاعب دولي.
رابط الآباء والأمهات أمام البوابة، بينما دخل الأبناء إلى الملعب وسط زحمة لا تطاق لإجراء الاختبارات البدنية والتقنية، كل أم بابنها معجبة تروي لنساء يتقاسمن معها الأحلام نفسها، قصص الإبهار التي نسجها ابنها في الحي والشاطئ وفي المدرسة، بينما يجتمع الآباء ليستمعوا لحكايات عن مواهب أبهرت الجيران.
كلما خرج فتى من البوابة المحروسة اندفع نحوه الآباء ليسألوه عن الاختبار تارة وعن المؤطر المشرف على الاختبار تارة أخرى. وكلما سقط لاعب في الامتحان اتهم المؤطرين وأرضية الملعب ومدة «التيست»، فيصدقه والده ويشرع في سرد قصص من وقائع «باك صاحبي».
غير تألق المنتخب المغربي المفاهيم، ورفع ارتفاع عائدات المنازعات الرياضية وأجور اللاعبين سقف الأحلام، وتبين لكثير من الأسر المغربية أن ابنا موهوبا في لعبة الكرة خير من تلميذ نجيب، أو ابن يجيد السباحة على «القهر».
ولأن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم سلمت أمور فتيان الكرة للمكتب الشريف للفوسفاط، وظهرت في الأفق بوادر انفراج في التكوين القاعدي، ولاحت مؤشرات القطع مع الهشاشة الكروية، فإن هذا العامل شجع أولياء الأمور على وضع أبنائهم بين أيدي «لوسيبي» والقطع مع سنوات القهر.
لكن أكبر مستفيد من وصول المنتخب المغربي للمربع الذهبي في المونديال هي مدارس تعليم كرة القدم الخصوصية، التي وضعت لوحة على أبوابها تحمل عبارة: «نهاية التسجيل»، بعد أن امتلأت ملاعب المدرسة كما تمتلئ حقينة السدود في موسم ممطر.
في زمن مضى كانت الأم تنهر ابنها حين يمضي وقتا طويلا في ممارسة الكرة، تترصد له لتعاقبه على انفلاته حين يرمي بمحفظته ليركض وراء الكرة، اليوم تغيرت المفاهيم، إذ كلما قضى وقتا طويلا في مراجعة دروسه تنهره أمه وتدعوه للاهتمام بواجباته الكروية، «حيد الدفاتر وديها شوية في الكرة».
انتهت صلاحية القول المأثور الذي تبناه الكسالى لسنوات: «إلا ماجابها القلم يجيبها القدم»، وأصبحنا أمام رهان «رياضة ودراسة» برعاية المكتب الشريف للفوسفاط الراعي الرسمي للعمل القاعدي.
أبشروا أيها المؤطرون لن تتأخر رواتبكم لن تستجدوا الآباء لن تكتبوا الملتمسات، لن تذكروا الرؤساء بانتهاء شهر وبداية شهر آخر، لن تراوغوا البقال والجزار والخضار.
منتصف شتنبر، كان يوم الحشود، يوم التدفق هنا وهناك بحث عن حلم يتراقص أمام العيون، في مثل هذا اليوم ولد الفنان الراحل إسماعيل ياسين «أبو ضحكة جنان» لو كان حيا لسخر من هذه المفارقة ومن الأحلام العائمة في البحر والأحلام التي تطارد كرة محشوة بالهواء.