شوف تشوف

الافتتاحية

أحزاب بلا برامج

قبل أشهر معدودات تفصلنا عن موعد الانتخابات التشريعية والجماعية، انطلقت جذبة الحملة الانتخابية التي تجري بنسق متسارع وعشوائي، بعيدا عن صراع البرامج الانتخابية والعروض السياسية التي يمكن أن تغري المواطن بالذهاب إلى صناديق الاقتراع، لتقرير مصير حكومته وبرلمانه ومجالس جماعاته الترابية.
التراشق المتبادل بالتهم الثقيلة الذي شرع فيه السياسيون عندنا على بعد أشهر قليلة من الانتخابات، هو ظاهرة عادية في الحياة السياسية، وفي إسبانيا لا يتلقى السياسيون التهم والشتائم فقط، بل يتلقون الطرود التي تحمل تهديدات بالقتل محشوة بعيارات نارية، كما حدث لبابلوإغليسياس، زعيم بوديموس، وقائدة الدرك ووزير الداخلية الإسباني.
لكن ما ليس عاديا هو أن تجعل أحزاب سياسية معينة من تخوين واتهام حزب تعتبره خصما سياسيا، برنامجا انتخابيا قائما بذاته.
وما نراه من اصطفاف لثلاثة أحزاب من المعرضة هي الاستقلال و«البام» والتقدم والاشتراكية ضد حزب التجمع الوطني للأحرار يدخل في هذا الباب.
الناس بحاجة إلى سماع عروض سياسية حقيقية لإخراج المغرب من الجائحة بأقل الكوارث الممكنة، لكن أغلب السياسيين عندنا ليس لديهم مشروع اجتماعي واقتصادي لمغرب ما بعد الجائحة، كل ما لديهم حفنة اتهامات جاهزة وغير مبنية على أي دليل ضد خصومهم، يرمون بها نحو مسلخ الرأي العام ويتابعون النهش الجماعي بنشوة المنتصر. مع أن هؤلاء السياسيين لديهم فرق برلمانية ويستطيعون تكوين لجان تقص حول الاتهامات الخطيرة التي يروجون ضد خصومهم السياسيين ويضعوا نتائج بحثهم أمام القضاء، عوض الاكتفاء بالثرثرة الفارغة أمام الميكروفونات وفي المنتديات والصالونات.
عندما يكون المشروع والبرنامج الانتخابي الوحيد لأحزاب سياسية معارضة، هو شتم وتخوين واتهام حزب منافس، فهذا يعني أن هذه الأحزاب ليس لديها أية قيمة مضافة للمشهد السياسي غير البكاء والتشكي والتخوين.
من لديه من السياسيين لائحة اتهامات مبنية على أدلة دامغة ضد خصومه، فما عليه سوى أن يحيلها على الجهات القضائية المختصة، وأن يطالب آنذاك بأن تأخذ العدالة مجراها.
أما التلويح بالتهم شمالا ويمينا دون دليل فهذا ينزع المصداقية عن العمل السياسي، ويحول أصحابه إلى ما يشبه الدمى المتحركة بالخيوط فوق مسرح العرائس.
وللأسف الشديد تعيد بعض الأحزاب السياسية نفس الأجواء والطقوس والخطابات التي جرت فيها استحقاقات 2011 و2016، لكن هذه المرة بصورة أكثر بشاعة وبهلوانية. ففي 2016 أعلن حزب الأصالة والمعاصرة بقيادة إلياس العمري عن نفسه بديلا لكل الأحزاب، لكن بنقطة فريدة في جدول أعماله، هي محاربة العدالة والتنمية ومحاصرة المد الإسلامي في المؤسسات، بدون برنامج مجتمعي وبدون مبادرات فكانت النتيجة سلبية. في المقابل بنى حزب العدالة والتنمية منذ 2011 بزعامة بنكيران كل برنامجه السياسي على محاربة حزب الأصالة والمعاصرة، مختزلا فيه كل مظاهر التحكم والفساد والاستبداد، والنتيجة لا الفساد اختفى ولا التنمية تحققت، وظل الشعب المغربي يتجرع مرارة تصديقه لوعود الأحزاب السياسية الوردية لما بعد دستور 2011 .
واليوم قدرنا أن نعيش المشهد السياسي السابق نفسه، مواجهات حزبية دشنتها ثلاثة أحزاب في المعارضة ضد مؤسسة خيرية، وحروب ضروس لاستقطاب المنتخبين، ومحاولة شيطنة حزب بتسويق ادعاءات كاذبة لمحاصرة نفوذه الانتخابي، لكن الغائب الأكبر هو البرنامج السياسي القادر على إقناع المواطن.
وفي كل الأحوال فإن هذا البلد في هذا الظرف المفصلي الذي نعيشه لا يحتاج من قادة الأحزاب إلى ذبذبات صوتية تتناثر في الهواء، البلد يريد وصفة قادرة على مداواة الجرح العميق الذي خلفته جائحة كورونا وعشر سنوات عجاف، وبغير ذلك، سيبقى الحال كما هو، وستضيع البوصلة لدى الجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى