أبيضار عاهرة أم قديسة؟
يعرف بعض السينمائيين المغاربة جيدا «شروط» صناديق الدعم السينمائي الأوروبية والفرنسية لتمويل جزء من مصاريف أفلامهم. لكن الشرط الأساسي هو أن يتطرق السيناريو إلى عاهات المجتمع المغربي، وأن يندد بالهجرة «السرية» إلى أوروبا أو يساند الطرح المعادي للإسلام، على أن يتضمن لقطات جنسية تبرز شوق المرأة المسلمة لـ «التحرر» و«الانعتاق» من ثقل التقاليد الموروثة الصالح منها والطالح.
هذا النوع من الأفلام لا تحصل فقط على الدعم المالي السخي، بل تجد طريقها المفروشة بالبساط الأحمر إلى المهرجانات السينمائية الأوروبية، وتتهاطل العروض على المخرجين المغاربة من القنوات التلفزية التي تقدمهم لمشاهديها على أنهم أبطال تحدوا مجتمعاتهم وكسروا الأغلال ودعوا مواطنيهم إلى تبني «قيم» أوروبا الوصية على رفاه الشعوب المستضعفة وأرض الملاذ للمقهورين في بلدانهم الأصلية، وغيرها من الأساطير التي تروجها المجتمعات الأوروبية عن نفسها ونموذجها، فيما هي في الواقع تعيش أزمة هوية مزمنة لم تعد تسمح لها بالتحكم في تناقضاتها المميتة.
لهذه الأسباب وبهذه الخلفيات تحتاج المجتمعات الأوروبية من أجل تصريف أوهامها وتصديرها إلى أشخاص مثل لبنى أبيضار بطلة فيلم «الزين اللي فيك»، التي كانت قد تساءلت بصددها صحفية ألمانية: «هل أبيضار عاهرة أم قديسة»؟
ولذلك أيضا تفرغت صحافية فرنسية مرموقة عاما كاملا من أجل تأليف كتاب «الخطيرة» الذي حمل توقيعها وتوقيع أبيضار، بنفس الطريقة التي نشرت بها صحيفة «لوموند» في صفحة الرأي مقالا يحمل توقيع أبيضار، مدبج بلغة فرنسية راقية بالرغم من أن الممثلة المغربية تجد صعوبة حقيقية في النطق بأبسط تعابير لغة موليير، وقد تجد صعوبة في قراءة المقال الذي يحمل توقيعها. لكن هذا لم يمنع «القديسة» أبيضار من أن تنخرط في هذه اللعبة إلى آخرها، وأن تسهل على الفرنسيين مهمة خلق أسطورة من عدم يتم توظيفها لتمرير أطروحات الإسلاموفوبيا ومعاداة المهاجرين والعنصرية المبطنة والواضحة لمجتمع فرنسي فقد البوصلة وأصبح يهيم على وجهه بعد أن أضاع في الطريق كل القيم المؤسسة التي أرستها الثورة الفرنسية بعد طول عناء، وبعد أن سالت الدماء، من أجل نصرة قيم الحرية والمساواة والإخاء.
ولعل «القديسة» أبيضار «الخطار»، لا تدرك أن لهذه اللعبة حدودا لن تتجاوزها أبدا. فكما تألقت اليوم «ممثلة» وكاتبة» و»محامية» تحت سماء مدينة الأنوار، سيطولها النسيان بعد أن يستنفد الفرنسيون الأغراض المتوخاة من النفخ في الرماد البارد، وسيبحثون عن «قديسة» أخرى من بلد آخر، وستنطفئ الأضواء عن أبيضار التي ستجد نفسها في عزلة قاتلة بعد أن يتبخر الحلم الباريسي الوردي كما سبق أن تبخر حلمها المغربي على يد المخرح نبيل عيوش الذي يملك جنسية مزدوجة وولاءات متعددة أغنت رصيده البنكي وجعلته في مأمن من الحاجة، عكس أبيضار التي لا تملك سوى الأوهام التي صنعتها بنفسها قبل أن يلتقطها الفرنسيون لأشياء في نفس يعقوب، ويسلبون منها كل ما تملك أو لا تملك، مادام المثل الفرنسي يقول :»إن أجمل امرأة لا تعطي إلا ما تملك»، ولعل أبيضار لا تدرك أن أسطورتها دخلت مرحلة العد العكسي لتلقى مصيرا لم تكن تتوقعه رغم «شطارتها» وخيالها الجامح وقدرتها على نسج الحكايات من أجل البقاء تحت الأضواء وصناعة «البوز» الذي ليس سوى ذلك الزبد الذي يذهب جفاء، لذلك كان لابد من تنبيهها إلى ما ينتظرها من أهوال حتى لا نتهم بأننا نفضل نهج طريق «شوف وسكت».