شوف تشوف

الرأيالرئيسية

أبشع أنواع الحروب

 

مقالات ذات صلة

 

 

طارق الحريري

 

خلال أزمة كورونا، فرضت دول في العالم قيودا مشددة

بعد ظهور وباء «كورونا»، وتبادلت بعض الدول التي تمتلك معامل بيولوجية متطورة، الاتهامات ضد بعضها البعض، بادعاء كل طرف أن الآخر وراء تسرب الفيروسات المسببة لـ«كوفيد- 19» من المعامل الموجودة في نطاقه الجغرافي، وادعى البعض في ما بعد أن الفيروس تم تعديله من خلال الهندسة الوراثية بغرض مهاجمة دول أخرى.

تمر هذه الاتهامات المتبادلة على متابعي الميديا، باعتبار أنها قد تكون أحد أساليب المكايدة السياسية، وربما يعتبرها البعض حقيقة واقعية، دون أن ينتبه الطرفان من الجمهور العام إلى أن التوصيف الصحيح لهذه المزاعم يعني «الحرب البيولوجية»، التي توجد لها سوابق تاريخية منذ القدم.

تمثلت البدايات الأولى للحرب البيولوجية في إلقاء الحيوانات الميتة أو العوامل الحيوية الضارة في آبار مياه الشرب، واستخدام الملابس والأغطية الملوثة بالجدري، كما حدث مع السكان الأصليين بعد اكتشاف «كريستوفر كولومبوس» للعالم الجديد، منذ قرابة 700 عام.

لكن القرن العشرين شهد منعطفا أكثر قوة وخسة في تطوير الأساليب القديمة، بعد التقدم العلمي في مجال البيولوجيا؛ بالاستهداف المتعمد لاستخدام الميكروبات؛ سواء كانت بكتيرية أو جرثومية، بغرض نشر الأوبئة بين البشر والنباتات والحيوانات، كما تستخدم أيضا في هذه الحرب سموم الكائنات النباتية، مثل الريسين والسموم ذات المصادر الحيوية.

أخلاقيا، فإن الإيذاء الذي تسببه الأسلحة البيولوجية كأحد أسلحة الدمار الشامل، للبشرية، بصرف النظر عن مصدرها أو أسبابها ومَن المستفيد من ورائها، هو إيذاء بالغ الضرر، فالواقع أن الإنسان هو المتضرر الأساسي بين الكائنات الحية عندما يهوى سوء الاستعمال إلى قاع انتهاك قيمة الحياة الإنسانية، من جانب طرف من هنا أو هناك يسعى إلى تحقيق مصالحه العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية، حتى لو كانت النتيجة فناء الإنسان وهلاك المجتمعات.

أخذت الأسلحة البيولوجية مسارا خطيرا جدا، عندما أصبح من الممكن إنتاج ميكروبات معدلة بكتيرية أو فيروسية، غير قابلة للعلاج، والأخطر أنها غير متاح لها لقاحات، وضاعف من تأثير هذه الأسلحة إمكانية نشر الميكروبات المهندسة وراثيا عن طريق الجو، وقدرتها على إصابة الإنسان عن طريق التنفس أو الاختراق عن طريق الجلد. ومن وسائل الحرب البيولوجية أيضا، استخدام الحشرات كوسائل ناقلة لتوصيل العامل البيولوجي، بإلقائها فوق المناطق المستهدفة. وجه الخطورة في الأسلحة البيولوجية، سهولة نشر الأجيال المعدلة أو غير المعدلة من الميكروبات وباقي الأنواع الحيوية.

من الأمراض الناتجة عن الفيروسات بعض أنواع سلالة «بونيافيريدي»، التي تسبب حمتي الكونغو النزفية والوادي المتصدع، وفيروس «إيبولا»، وسلالة «فلافيفيريدي» المتسببة في مرض التهاب الدماغ الياباني، وفيروس «ماتشوبو» المتسبب في الحمى النزفية البوليفية، وفيروسات «كورونا»، خاصة «السارس» و«كوفيد»، وفيروس «ماربورج» المتسبب في النزف الشديد، وفيروسات الجدري والحمى الصفراء والتهاب الدماغ الخيلي الفنزويلي.

لا تقتصر الأسلحة البيولوجية على الفيروسات فقط، لكنها تمتد إلى البكتيريا التي تؤدي على سبيل المثال إلى الطاعون والكوليرا. يضاف إلى هذا العناصر الفطرية، والريكتسيا المسببة للتيفوس والحمى البرعمية، والسموم العنقودية المعوية. جدير بالتنويه أن الأسلحة البيولوجية التي تعتمد على مسببات الأمراض التقليدية والمستحدثة بعد هندستها وتعديلها وراثيا، يمكن الحصول عليها من حيوان مصاب أو حامل للعدوى.

من المؤسف أن تتصف الأسلحة البيولوجية بأنها لا تتيح الإنذار للأفراد عسكريا أو مدنيا، سواء بالعين المجردة أو الحواس المختلفة، على عكس الأسلحة الكيماوية. والأخطر أن لها قابلية على الانتشار على مساحات شاسعة، وللأسلحة البيولوجية قدرة فائقة على اختراق المنشآت، بل والتحصينات العسكرية التي لا تتمكن منها الأسلحة التقليدية، وتستطيع هذه الأسلحة بعد انقضاء فترة الحضانة إحداث إعاقة كاملة أو شلل مؤقت والوفاة للأفراد في ميادين القتال.

تطلق هذه النوعية من السلاح في الحروب العسكرية عن طريق دانات المدفعية ورؤوس الصواريخ، أو قذائف الطائرات والبالونات.. تواجه العمليات البيولوجية عسكريا صعوبات بالغة، وتحديدا على صعيد الهجوم، إذ إن من الصعب ضبطها وتحديد مناطق تأثيرها بين قوات متقاربة أو متلاحمة، ومن ثم فهي أكثر خطورة من الأسلحة الكيماوية بالطبع.

مدنيا، يمكن أن تتسبب الأوبئة عند استخدام هذا السلاح في حصد أرواح لا تحصى، ونظرا إلى أنه يصعب اكتشاف الأسلحة البيولوجية ولأنها منخفضة التكاليف وسهلة الاستخدام، تنشأ المخاوف من أن تصبح جاذبة للإرهابيين، عن طريق داعميهم، حيث تقدر تكلفة السلاح البيولوجي بنحو 0.05 في المائة من تكلفة السلاح التقليدي، وهذا يؤدي إلى نفس عدد الإصابات الجماعية لكل كيلومتر مربع، بل وما يزيد عليها أيضا.

ثار جدل أخيرا حول استخدام الأسلحة البيولوجية في أوقات السلم، في حرب خفية صامتة، من خلال مراكز لتجميع الطيور المهاجرة وترقيمها بأجهزة تتبع حساسة، ثم تزود بكبسولات حاملة للعامل البيولوجي الفتاك، يمكن تفجيرها بأجهزة تحكم عن بعد حسب خطوط سير هجرات الطيور عبر الدول، حيث يكون التفجير فوق المكان المستهدف، فينتشر العامل البيولوجي ناقلا الوباء والمرض.

 

نافذة:

أخذت الأسلحة البيولوجية مسارا خطيرا جدا عندما أصبح من الممكن إنتاج ميكروبات معدلة بكتيرية أو فيروسية غير قابلة للعلاج

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى