عسكرة الفضاء أو حلبة المنافسة الجديدة رأي مصحح حفاض
جمال أكاديري
مع انطلاق السباق نحو الفضاء، خلال الحرب الباردة، أمسى الفضاء رهانا جديدا، مطروحا على طاولة السياسة الدولية. فكما هو معلوم، منذ منتصف القرن الماضي، تنافست أمريكا والاتحاد السوفياتي بشراسة لانتزاع لقب من الأول سيقتحم الفضاء الشاسع، ويغامر أبعد من الآخر في اكتشافه، وهذا كان يعني بالنسبة إلى هذين المتنافسين، من هي أول دولة ستحقق نجاحات باهرة، في السفر إلى الفضاء، وبالتالي إثبات تفوقها التقني والعلمي على الأخرى، وعلى بقية دول العالم؟
وحتى لو خفت المنافسة، منذ نهاية السبعينيات، وأصبح التعاون منذها ممكنا بشكل متزايد، فإن الفضاء لم يفقد أهميته الاستراتيجية في قلب العلاقات الدولية، حتى يومنا هذا.
لكن الذي يبدو، فكأن البشرية لم تتعلم شيئا من آليات التصعيد التي عايشتها برعب، إبان مجريات الحرب الباردة .
لأنه سيكون عليها راهنا استخلاص الدروس من سباق التسلح الماضي وتوازن الرعب، الذي شهدته تلك الفترة العصيبة، قبل سقوط جدار برلين، وإسقاط ذلك على حلبة المنافسة الجديدة التي يدور رحاها، حول استعمار الفضاء المحيط، بمدار كوكبنا وقمره، وبعض كواكب المجموعة الشمسية القريبة منه، والتي تثير بشدة اهتمام العلماء المعاصرين وتذكي فيهم الحماس العلمي .
فوكالات الاستخبارات الأمريكية تحذر علانية من المنافسة القوية التي من ورائها، خصوصا الصين وروسيا. فلقد ذكر تقرير حديث العهد بالظهور، أن كلا البلدين يعملان على أسلحة فضائية لتدمير الأقمار الصناعية، التي يملكها الأمريكيون وحلفاؤهم .
وينظر إلى الصين على أنها أكبر تهديد حقيقي لأمريكا، في اكتشاف الفضاء والتمركز فيه. فالجيش الصيني يعمل في السر، لمضاهاة أو حتى تجاوز قدرات الولايات المتحدة، في هذا المجال الأكثر تعقيدا والأعلى كلفة.
فلقد أصبحت الصين قادرة بشكل متزايد على إطلاق الصواريخ من السماء بالأقمار الصناعية لتعطيلها أو إتلافها باستخدام الليزر.
فلقد نجحت الصين بالفعل، في القيام بذلك في عام 2007. تم إطلاق صاروخ إلى المدار من الأرض، ودمر القمر الصناعي الخاص بمراقبة الطقس، على ارتفاع مئات الكيلومترات. المشكلة أن هذه المناورة شبه الاستعراضية، خلفت الكثير من الحطام، في مدار الكوكب الذي تستخدمه بشكل أساسي أقمار المراقبة والأرصاد الجوية التابعة لدول اخرى. بل تلعب روسيا أيضا دورا مهما في هذه التشكيلة المتنافسة. فلقد ذكر التقرير الأمريكي نفسه أن روسيا تطور أسلحة جديدة مضادة للأقمار الصناعية، لتعطيل وإلحاق الضرر بأجهزتها المتطورة، الشيء الذي نفته موسكو عدة مرات.
بالإضافة إلى هذه الدول المنافسة لأمريكا، تلعب المنظمات الدولية أيضا دورا مهما في الفضاء، بصفتها منتديات لتنظيم الأنشطة الفضائية. فلقد تمت مناقشة ودراسة قانون الفضاء في لجنة الأمم المتحدة للاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي، وكذلك في مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي، لجعل السفر مستقبلا إلى الفضاء، صالحا للاستخدام المدني السلمي لكل البلدان النامية المؤهلة؛ وفي الاتحاد الدولي للاتصالات تم مناقشة وتخصيص حصة لدور الترددات اللاسلكية في الأنشطة الفضائية.
الوثيقة الأساسية التي تنظم الأنشطة الفضائية هي معاهدة الفضاء، والتي دخلت حيز التنفيذ في الستينات وكرست مبدأين من مبادئ قانون الفضاء؛ وباختصار، تنص على أنه لا يجوز إنشاء أي حقوق سيادية لأي دولة في الفضاء، وأنه ينبغي أن تكون هناك حرية البحث والاكتشاف والاستغلال في إطار التوافق العام، مع تحمل مسؤولية الحوادث التي تسببها الأجسام الفضائية المصنعة.
إلا أن معاهدة الحل السلمي للنزاع في الفضاء، التي مضت عليها عقود، آخذة في الانمحاء. وبدلا من ذلك، يلاحظ استغلال الفضاء أيضا لأغراض عسكرية، وصار أيضا كعامل تمكين وتعزيز لأنشطة المراقبة الحربية، والتجسس على الخصوم من أعلى الأرض.
هذا يعني، أن الاستخدام المدني للفضاء، كهم إنساني أساسي صار يرتكس إلى الخلف، وأن اعتبارات السياسة العسكرية الأمنية هي الغالبة والسائدة. فنتيجة لذلك، ستتسع دوائر التهديد ودوامات التسلح، ويتبادر لنا، أن الصراع المسلح في الفضاء أكثر احتمالا، هذا إذا لم تكن هناك إعادة تفكير وحوار أممي كوني، لتجنب الفوضى المهددة لمدار الكوكب الأرضي، فيمكن أن يصبح الفضاء، في الواقع، ساحة لمواجهات مستقبلية قيامية.