يوتا.. الزوجة اليونانية لوزير الثقافة السابق الذي سقط في حبها بعد مكالمة هاتفية
حسن البصري
قادت الصدفة بن سالم حميش، وزير الثقافة السابق إلى قدره المحتوم و«ورطته» في اعتقال بقفص الزوجية، بعد أن سقط صريعا أمام نبرات صوت نسوي ينساب من سماعة الهاتف. لم يكن بن سالم يعتقد أن مكالمة هاتفية مع موظفة في السفارة اليونانية بالرباط ستقوده إلى المعتقل الذهبي، فالرجل وإن كان رجل فكر وسجال وبوليميك بامتياز، كما ينعته أصدقاؤه داخل الاتحاد الاشتراكي، فإنه ظل يحاول نسج علاقات إنسانية مع محيطه ومعارفه.
ذات صباح اتصل بن سالم بالسفارة اليونانية في الرباط، استفسر مستشارة ثقافية في التمثيلية الديبلوماسية، عن بعض الأمور التي كانت تشغل باله سيما وأنه عاشق ومتيم بأرض الفلاسفة، وقبل أن ينهي المكالمة شعر بجاذبية غريبة نحو الصوت النسوي.
ولأن «رب صدفة خير من ألف ميعاد» فقد استسلم بن سالم لقدره، وأصبحت المكالمة مقدمة للقاءات أخرى حولت الروائي إلى بطل لرواية رومانسية. تحولت المكالمة إلى مقترح موعد انفرادي بدأ بمصافحة ونظرة فابتسامة فموعد للزواج، بين المفكر حميش وفتاة تنتمي إلى اليونان، الدولة التي كانت منبع الفلسفة وصنبور الفكر. تعمل زوجة بنسالم كمستشارة في سفارة اليونان بالرباط، صحيح أن مكالمة هاتفية جمعتها بابن سالم لكن الطرفين اكتشفا، مع توالي اللقاءات، أن ما يجمعهما أكثر من عشق «ديبلوماسي» ولد على حين غرة في سفارة أو طبائع متوسطية، بل مشروع علاقة زواج.
تبين للمستشارة أن مقامها في المغرب قد يتجاوز كل التوقعات، وأن القدر ساقها إلى بيت زوجية انصهرت فيه الحضارة اليونانية بالتقاليد المغربية، بعد زفاف على الطريقة المغربية تحولت «يوتا» إلى ربة بيت مغربي، ولأنها كانت تريد لهذه العلاقة خاتمة جميلة فقد أثمرت ولدا وبنتا، وبفضل هذا الزواج أيضا اطلع بن سالم حميش على اللغة والثقافة اليونانيتين، إذ أصبح يجيدها بالإضافة إلى لغة الضاد، ولغة فولتير، وشكسبير.
ظل بنسالم يتردد على اليونان سنويا لقضاء عطلته السنوية، الاستثناء الوحيد هو صيف سنة 2009، الذي لم يكن كسابقيه، بعد أن ألغى كل مشاريعه إثر تعيينه وزيرا للثقافة، حيث دعي على وجه السرعة للتوجه إلى الحسيمة حيث تسلم تعيينه من يد ملك البلاد محمد السادس.
حرص بن سالم على أن تكون زوجته اليونانية أول من يعلم بخبر التعيين، فتقاسم معها أولا حزن إلغاء السفر مع ما ترتب عنه من غضب خفي للأبناء، وكما تقاسم معها فرحة الاستوزار.
يبدو حميش سعيدا مع زوجته الأجنبية، حين شبه حياته في البيت برحلة استجمام في جزيرة، «أنا وسط عائلتي بخير والحمد لله، وأعيش في بيتي كأنني في جزيرة، حيث توفر لي الهدوء والطمأنينة والراحة والاستجمام، ونسيان هموم العمل، وإن كان ذلك لساعات معدودة. وبطبيعة الحال أنا أهتم بأسرتي كما هو واجب، ويمكن القول أن لدي حماية ومناعة هي التي تقوي عضدي، في مواجهة ما يعترض الإنسان من مشاكل الحياة والإنسان، إذا قاس إرادته بضرورة حل المشاكل فهذا يعطي، طبعا، معنى لعملة أو دلالة لهذا العمل» يقول بن سالم في حوار تلفزي.
ومن المفارقات الغريبة في ارتباط بن سالم بيونانية، أن الرجل ظل متيما بالفلسفة اليونانية حافظا عن ظهر قلب لرموز الفكر اليوناني، إذ بعد حصوله على شهادة الإجازة في الفلسفة وعلم الاجتماع من كلية الآداب بالرباط (1970)، سافر إلى فرنسا وعاد من جامعة باريس بدبلوم الدراسات العليا في الفلسفة (1974).
كما درس هذه المادة حين كانت محظورة، بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط، التي لم ترق له أجواؤها الأكاديمية، فآثر الالتحاق بالكلية كمدرس هناك عكف على إعداد أطروحة دكتوراه الدولة حول «فلسفة التاريخ عند ابن خلدون»، التي ناقشها في باريس عام 1983. وهو ما يؤكد مدى عشق الرجل للفلسفة قبل أن يرتبط بسليلة عائلة مثقفة يستنشق الفكر الفلسفي في ثنايا بيتها.
للمرأة مكانة خاصة في وجدان بن سالم، حيث نسجل حضورها في أكثر من عمل إبداعي، يقول عنها في إحدى الإهداءات، «المرأة حبيبتي وأمي وخليلتي وابنتي، هي كل شيء في حياة الإنسان». وفي روايته «معذبتي» يحكي البطل قصته القاسية مع الاعتقال لخمس سنوات دون ذنب، ووحشية التعذيب خلال ذلك، وكيفية الخلاص من كل هذا العذاب بمساعدة امرأة. قبل أن يحجز للمرأة مكانا آخر في روايته «امرأة أعمال»، فقد شعر القراء بأن فيها صورة حية عن المجتمع المغربي بطبقاته المختلفة، أما البطلة فهي سيدة أعمال أربعينية تبحث عن رجل يؤمن احتياجاتها النفسية والمادية.