وللتعليم أسئلته المزمنة
لا أحد ينكر أن التدبير الإداري يشكل، اليوم، عائقا كبيرا أمام كل جهود إصلاح قطاع التربية والتكوين، فأمام ضعف الثقافة القانونية والحقوقية لدى فئة واسعة من المشتغلين في القطاع، فإنه، عندما يقع تجاوز من أي طرف، يتم الاحتكام إلى أعراف وتقاليد بالية، فإنْ كان المخطئ موظفا بسيطا، فإن دوامة الشكليات لا تنتهي، إذ تُرسل لجان تلو أخرى، وتكتب التقارير بما طاب من «المفرقعات» اللغوية، من قبيل «إخلال بالمسؤولية» و«الخرق الفاضح للقانون»… إلخ.. ويبدأ الجميع في لبس عباءة المربي النزيه، الغيور على القطاع…
وعندما يخطئ «موظف محمي»، فإن الجميع يصبحون متفهمين و«غير متسرعين»، لتبدأ آلة التسويغ والأعذار، كالحديث عن الحالة النفسية مثل «كيتعصب» أو الحالة المرضية «مصاب بالسكري»، وتخضع مراسلات المطالبين بالحق لتجميد بيروقراطي وأحيانا لمساومات، وإن كان خطأ هذا «المحمي» مفضوحا، تقام ولائم الصلح بين المخطئ والضحية، وتُحمَل «خْناشي السكر» إلى منزله.. وكفى المتخاصمين «شر» المحكمة الإدارية…
إن الجهل بالقانون وبطء المساطر الإدارية وفساد الأيادي جلبت كوارث على قطاع التربية والتكوين. يجب أن نُقر أن زمن «الرسل» قد انتهى وأن قطاع التربية والتكوين ليس فردوسا يعُجّ بالملائكة، يسبّحون الله تعالى بكرة وعشية، بل إنه، كأي قطاع عمومي في المغرب، لا يخلو من قضايا يتدخل فيها الابتزاز باستغلال النفوذ، والسمسرة بالزبونية، والنقابوية بالحزبية الضيّقة، والجهل بالقانون بالبيروقراطية الحلزونية، والتطبيق الحرْفي للقانون بالتطبيق الانتقائي، والنعرة القبَلية بالنزعة الجهوية، كل هذه الأشكال من القضايا التي لا علاقة لها بقريب أو بعيد بأخلاق مهنة التربية، ما زالت طافحة في هذا القطاع، في الحركة الانتقالية، وإسناد المناصب، في الامتحانات المهنية، والتعويضات عن المهام، وفي إبرام الصفقات ومراقبة تنفيذها، وفي الاستفسارات والمجالس التأديبية، وفي تخويل المساكن الوظيفية الشاغرة والتستر على احتلالها، في التشدد مع الغائبين بمبرر والتستر على الأشباح، وفي تجهيز المؤسسات ومشاريع الإصلاح، بل وحتى عملية المراقبة والتفتيش التربوي كعملية تربوية خالصة، هناك من يوظفها لنيل «رشاو» تختلف قيمتها من مستوى إلى آخر..
أما في الأقسام فهناك من يبتزّون التلاميذ بنقطة المراقبة المستمرة مقابل الساعات الخصوصية، وفي المصالح الاقتصادية في المؤسسات، هناك من صيّر مطعم الداخلية الذي يقتات فيه البؤساء من التلاميذ، مطعما «عائليا»، وحارس عام يعطي أوراق الغياب مقابل «رشاو» من التلاميذ… صحيح أن تعميم هذه «المظاهر» هو ابتعاد عن جادّة النقد البنّاء، لكن من ينفي، اليوم، وجود كل هذا وذاك في التعليم المغربي، فإنه مطالَب بمراجعة قواه الإدراكية.
مما لا شك فيه أن الأعراف الخاطئة ما تزال تحكم أجزاء كبيرة من الإدارة في المديريات والأكاديميات، بحكم عدم تطوير الموارد البشرية الإدارية واعتمادها على موظفين غير مؤهَّلين يمسكون بالقرار، وأحيانا، بالمفاتيح الأساسية للقرارات الإقليمية والجهوية، وأغلبهم جاؤوا مباشرة من التدريس، لأسباب غير معروفة، أو لكونه نقابيا يعرف كيف تُنطَق الكلمات الغليظة، أو معلمة «تعرف» من أين «يؤكل» الكتف، فتتحول من مجرد معلمة في البراري والخلوات إلى مسؤولة في قسم على موظفين يفوقونها علما وتجربة…
إنه التعليم ومشاكله المزمنة.