محمد اليوبي
انتفض عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، في وجه نواب حزب العدالة والتنمية، خلال اجتماع لجنة الداخلية بمجلس النواب، المنعقد أول أمس الثلاثاء، واتهمهم بترويج مغالطات كاذبة لتأجيج الصراعات بين الرعاة الرحل والسكان المحليين ببعض الأقاليم، واستغلال بعض الأحداث المعزولة بغرض الركوب عليها سياسيا لنيل أصوات الناخبين.
وتحدث نواب ينتمون إلى حزب العدالة والتنمية، في اجتماع لجنة الداخلية الذي خصص لتدارس المشاكل المرتبطة بظاهرة الرعي الجائر والترحال الرعوي، عن وقوع أحداث دامية ومواجهات بين الرعاة الرحل والسكان المحليين بجهة سوس ماسة، استعملت فيها الأسلحة البيضاء والنارية. كما وجه برلماني من «البيجيدي»، اتهامات لوزارة الداخلية والسلطة المحلية إلى درجة وصفها بأنها «سلطة قاصرة»، ما جعل لفتيت يتدخل لمقاطعته وطلب منه سحب اتهام السلطة بأنها قاصرة، مؤكدا أن السلطة تقوم بدورها كاملا، ثم تحدث البرلماني نفسه عن عملية اختطاف يتعرض لها السكان المحليون من طرف رعاة يتحدرون من الأقاليم الصحراوية، الذين وصفهم بأنهم «أشخاص فوق القانون، يستعملون أسلحة نارية وسيارات رباعية الدفع»، ليتدخل لفتيت مرة أخرى لمقاطعته، وطلب منه «عدم التهويل، والكف عن ترويج الكذب والمغالطات»، نافيا وجود أي حالة للاختطاف.
وفي رده، قال لفتيت: «بعض الإخوان كيزيدو يشعلو العافية»، منتقدا البرلماني صاحب الاتهامات الذي انسحب من اجتماع اللجنة قبل أن يسمع الرد، وذلك بقوله: «للأسف هذا البرلماني غادر قبل أن يسمع الحقيقة والتوضيحات»، مشيرا إلى أن عملية الاختطاف التي تحدث عنها نائب «البيجيدي» لا علاقة لها بالصراع بين الرعاة والرحل والسكان المحليين، موضحا أن الأمر يتعلق بصراع سياسي «حتى لا نغطي الحقيقة»، وزاد قائلا: «لا يمكن إطلاق اتهامات من قبيل وجود أسلحة أو شيء من هذا القبيل، ليس هناك اختطاف، هذه جريمة صعيبة، يجب وزن الكلام قبل الحديث».
وتحدث الوزير عن المجهودات التي تقوم بها مصالح وزارة الداخلية ووزارة الفلاحة من أجل حل المشاكل المرتبطة بالترحال الرعوي، داعيا الأحزاب السياسية إلى عدم استغلال هذه المشاكل والركوب عليها سياسيا، وقال: «حتى واحد ما عندو القلب على الرعاة أكثر من الاخر، بدون مزايدات، لا يمكن تقسيم المغاربة هذا مزيان وهذا خايب»، وأضاف: «ديرو السياسة ماشي مشكل، ولكن بدون مزايدات». وأشار وزير الداخلية إلى أن «هذه المشاكل كانت بسيطة، لكن تم تضخيمها من طرف البعض، لأن هناك من يلعب بالنار من أجل نيل أصوات انتخابية. لي ما قدرش يعاون على حل المشاكل، على الأقل يعاون بالسكات بلا ما يزيد ينفخ في النار».
وأكد لفتيت على وعي الدولة التام بمختلف جوانب مشاكل الرعي والرحل، مضيفا أن الحكومة توليها أهمية قصوى بما يحفظ حقوق السكان المحليين ويعزز شعورهم بالأمن والطمأنينة، وبما يمكن كذلك الرعاة الرحل من فضاءات مجالية تضمن لهم موارد طبيعية لممارسة الرعي. وأشار وزير الداخلية إلى التحولات المسجلة على مستوى كيفية مزاولة الأنشطة الرعوية والترحال الرعوي التقليدي، والتي أفضت إلى بروز مجموعة من الإشكالات خلال السنوات الأخيرة، سيما تلك المتعلقة بالاستغلال العشوائي والمفرط للغطاء النباتي الرعوي ونشوب نزاعات ناجمة عن ممارسة الترحال، مبرزا في هذا الصدد محدودية نطاق هذه الظاهرة، التي تبقى محصورة في مجال جغرافي محدد، فضلا عن كون وتيرتها مرتبطة أساسا بحجم التساقطات المطرية وبطبيعة الموسم الفلاحي.
وبخصوص الاصطدامات التي تم تهويلها بشكل كبير، حسب الوزير، أكد أنه لم يتم تسجيل سوى 15 حالة احتكاك بين الرعاة الرحل والساكنة المحلية منذ بداية سنة 2018، والتي لم تنجم عنها أية خسائر في الأرواح، مشددا كذلك على كون السلطات العمومية، وعكس ما تعمل بعض الأطراف على ترويجه، كانت دائما حاضرة بالميدان لحماية السكان وممتلكاتهم، وكذا لردع أي تصرف مخل بالقانون أو مهدد للنظام العام. وكشف وزير الداخلية عن عمل بعض الفئات على تغليف هذه الإشكالية بصبغة سياسية ونزعة عرقية أحيانا، واستغلالها المقيت للمطالب المشروعة للساكنة، وتحريضها على الاحتجاج بخطاب سياسي بعيد كل البعد عن طبيعة الإشكالية الاجتماعية المطروحة، واعتبر أن هذه «الأهداف المشبوهة» تتضح بجلاء، إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار أن الوقفات الاحتجاجية التي نظمت على صعيد جهة سوس ماسة، تميزت بتسجيل عزوف الساكنة عن المشاركة فيها وهي المعنية الأولى بالموضوع، إذ لم تتجاوز 300 مشارك. وشدد الوزير على الرفض البات للاستغلال السياسي لهذا الموضوع، مؤكدا التشبث التام للحكومة بممارسة دورها وواجبها في حل جميع الإشكالات ذات الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية، بمنطق تغليب المصلحة العامة للسكان المتضررين أولا، وإيجاد حلول بديلة للرعاة ثانيا.