شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

وزراء وراء القضبان

قصص مسؤولين حكوميين مع محنة الاعتقال

لا تتحقق الديمقراطية إلا بسيادة قانون ومجتمع مدني وصحافة حرة تصنع الرأي العام، يكون أيضا طرفا أساسيا في العقد الاجتماعي، والعدل أساس الملك لهذا السبب يعتبر القضاء جزءا لا يتجزأ من منظومة العدالة، وحين يصبح المواطن البسيط والحاكم سواسية أمام القانون، فإن ذلك أبرز مؤشرات الديمقراطية.
ظل الوزراء محصنين ضد عاديات الزمن، كانت أسماؤهم وقربهم من دائرة القرار يجنبهم تبعات المساءلة، قبل أن نرى مسؤولين حكوميين خلف قضبان السجون، لكن ليست محاكمة الوزراء والزج بهم في السجون وليدة قضية محمد مبديع، بل تعود إلى قرون مضت في تاريخ الدولة العلوية، قبل أن تصبح في القرن الماضي عنوانا لمرحلة تطهير.
في كثير من خطب الملك محمد السادس تذكير بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ودعوة لتفعيله، وغالبا ما تكون بلاغات الإقالة والتقصي القضائي صيغة من صيغ معاقبة المؤسسة الملكية لعدد من أعضاء الحكومة بعد ثبوت تقصيرهم في القطاعات التي يشرفون عليها. وطبقا لأحكام الفصل الـ47 من الدستور، يصدر الملك بعد استشارة رئيس الحكومة، قرارات في حق مسؤولين حكوميين مهما بلغت درجاتهم، وكيفما كانت انتماءاتهم السياسية.
بات هذا المبدأ الدستوري مفتاحا في جميع الخطب الملكية الأخيرة التي تنتقد تدبير المسؤولين للشأن العام، سواء كانوا سياسيين أو وزراء قبل أن تنتقل المحاسبة من الإعفاء إلى الإحالة على التقاعد أو المحاكمة، لهذا تحاول مذكرات وزارة الداخلية تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة والعمل على وضع علامات تشوير في الطريق السيار لكثير من المسؤولين الذين يدبرون شؤون البلاد والعباد.

مقالات ذات صلة

حاكم الفقيه بن صالح في عكاشة بسبب ثراء فاحش

كادت ساكنة الفقيه بن صالح أن تصاب باليأس حين انتظرت طويلا مساءلة حاكم المدينة «من أين لك هذا؟»، وهو الذي أصبح يقتسم مع سكان هذه المدينة مساحتها وهواءها. إلا أن قرار قاضي التحقيق الذي أمر بإيداع قيادي حزب الحركة الشعبية محمد مبديع، رفقة سبعة أشخاص آخرين رهن الاعتقال الاحتياطي بسجن عكاشة بالدار البيضاء، أنعش ساكنة عاصمة بني عمير وأخرج العديد من المكتوين بنيران سلطته من صمت دام عقودا.
ويتابع مبديع، الذي قدم استقالته من رئاسة لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، بتهمة تبديد أموال عمومية رفقة أشخاص آخرين، وحين تداول رفاقه أخبارا عن تمكينه من معاملة خاصة، كشفت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، عن وضعية الوزير الأسبق والبرلماني الحالي، نافية ما تم تداوله بخصوص تمتيع السجين المذكور، المعتقل احتياطيا، بمعاملة تفضيلية، وحين أثبت مبديع لإدارة السجن بأنه يعاني من عدة أمراض بعضها مزمن، وأنه سبق له الخضوع لعمليات جراحية، ليتقرر وضعه بمصحة المؤسسة من أجل التتبع والمراقبة الطبيين، على غرار باقي السجناء الاحتياطيين.
منذ أن كان وزيرا للوظيفة العمومية وإصلاح الإدارة السابق، ورئيسا لفريق الحركة الشعبية بمجلس النواب، ظل محمد مبديع عرضة للمساءلة القانونية، حيث قضى ساعات طويلة في ضيافة الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بمقرها المركزي بمدينة الدار البيضاء، وخضع للتحقيق من طرف ضباط الفرقة المكلفين بالجرائم المالية بشأن اختلالات وخروقات شابت تسيير مجلس جماعة الفقيه بنصالح التي يترأسها مبديع منذ ما يزيد عن ربع قرن، كما تم إغلاق الحدود في وجهه لمنعه من السفر إلى الخارج في أكثر من مرة.
وكان الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات، قد أحال ملف اختلالات جماعة الفقيه بن صالح على أنظار رئيس النيابة العامة في عهد محمد عبد النباوي، تتضمن خروقات واختلالات مالية تكتسي صبغة جنائية خاصة وأنها كلفت الملايير من المال العام.
ويتداول أبناء الفقيه بن صالح أن العرس الأسطوري الذي أقامه الوزير الحركي السابق محمد مبديع، بمناسبة زواج نجله آدم إلياس من حفيدة وزير أول فرنسي سابق، جعل الأنظار تتجه إلى مدينة الفقيه بن صالح التي يرأس بلديتها الوزير الحركي. فكل من تابع ذلك العرس إلا وتناقل تفاصيله كما لو أنه يروي واحدة من حكايات ألف ليلة وليلة، أمام الأجواء المبهرة لذلك الحفل الباذخ، ضدا عن واقع المدينة التي يشرف محمد مبديع على تسيير شؤون مجلسها منذ سنة 1997.
كل من زار مدينة الفقيه بن صالح، سيكتشف حقيقتها مثلما يخفي ذلك العرس الأسطوري كثيرا من البؤس بين أحياء المدينة التي يقطنها أزيد من 160 ألف نسمة.

تبديد أموال الضمان الاجتماعي يطيح بوزير الشغل

في سنة 2002، كشف تقرير لجنة تقصي الحقائق التي أحدثها البرلمان والتي ترأسها البرلماني رحو الهيلع، حول الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، عن فضيحة من العيار الثقيل تتعلق بتبديد مليارات الدراهم من مالية الصندوق، وتعد من أبرز قضايا نهب المال العام في المغرب، فحسب التقرير فقد تجاوزت قيمة هذه الفضيحة ما مجموعه 115 مليار درهم، منها 47,7 مليار درهم مجموع الأموال التي صرفها الصندوق من دون حق من خلال «صفقات مشبوهة»، ووجهت اللجنة أصابع الاتهام حينها إلى المدراء العامين الذين تعاقبوا على رأس إدارة الصندوق.
وعزا التقرير الصادر عن لجنة تقصي الحقائق البرلمانية حينها «سبب تبديد هذه الأموال إلى سوء التسيير والتبذير، والاختلالات والاختلاسات المباشرة وغير المباشرة، التي تعرضت لها مالية المؤسسة وممتلكاتها»، لينطلق بعدها ماراطون من المتابعات القضائية التي همت عشرات المسؤولين والأطر البارزة حينها في الصندوق. وباشر قاضي التحقيق بالغرفة الرابعة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء بعد سلسلة من الأبحاث القضائية التحقيق في هذا الملف، الذي كان يحقق فيه بناء على تقرير هذه اللجنة، ليقرر سنة 2011 متابعة 28 متهما، وإحالتهم على استئنافية الدار البيضاء.
أيدت المحكمة الحكم الصادر في حق المتهم الرئيسي في هذه القضية وهو رفيق الحداوي، المدير العام السابق للصندوق، ووزير التشغيل والشؤون الاجتماعية سابقا، الذي أُدين ابتدائيا بالسجن أربع سنوات مع وقف التنفيذ سنة 2016، وجرى تأكيد هذا الحكم استئنافيا، كما قررت المحكمة مصادرة ممتلكاته وأدائه غرامة على وجه التضامن مع محكومين آخرين لفائدة الدولة المغربية، فيما قررت المحكمة تأكيد تبرئة عبد المغيث سليماني، الكاتب العام السابق للصندوق، والعمدة السابق لمدينة الدار البيضاء، والرئيس السابق لجماعة الصخور السوداء في المدينة إلى جانب متهمين آخرين في هذا الملف الذي كشف عنه رسميا سنة 2002.
كما قررت المحكمة في حكمها الصادر عن قسم الجرائم المالية الحكم على عشرة متهمين بينهم المتهم الرئيسي بإرجاع مبالغ لفائدة الدولة تقدر بحوالي 31 مليار درهم في المجموع، يتعلق الأمر بمصطفى جبوري الذي حكم عليه بإرجاع مبلغ 294 مليون درهم، وسعيد برويلة بـ82 مليون درهم، ومحمد بن المودن بإرجاع مبلغ يناهز 10 مليارات درهم، ومحمد الودغيري بمبلغ 32 مليون درهم، وعلي باعدي بـ13,9 مليارات درهم. كما حكمت المحكمة على بنعيسى الأبيض بإرجاع مبلغ يقدر بـ200 مليون درهم، ومصطفى أبوزيد ومحمد عدلاني والعربي الزياني وأحمد الخياطي بإرجاع مبلغ يناهز 7,44 مليارات درهم تضامنا في ما بينهم، فيما قضت في حق رفيق الحداوي بإرجاع المبالغ المحكوم بإرجاعها على المتهمين الآخرين، أي 31 مليار درهم لفائدة الدولة المغربية. كما ستتم مصادرة ممتلكات المتهمين المدانين في حدود المبالغ المحكوم بإرجاعها.

جنازة والدة الوزير عليوة تعتق رقبته من سجن عكاشة

شعر خالد عليوة، الرئيس المدير العام السابق للقرض العقاري والسياحي، بحبل يلف عنقه، حين علم عبر محاميه بقرار إغلاق الحدود في وجهه، رفقة بعض المديرين السابقين الذين وردت أسماؤهم في تقرير المجلس الأعلى للحسابات المرتبط بتبذير أموال عمومية وسوء التسيير. جاء قرار إغلاق الحدود في وجه عليوة ومن معه بناء على المعطيات التي توصلت إليها عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في إطار فتح ملفات الفساد.
سارع رفاق خالد عليوة، الوزير الاتحادي الأسبق، إلى وضع ملتمس يقضي بمنحه السراح المؤقت، في القضية التي كان يتابع فيها إلى جانب عبد الحنين بنعلو، المدير العام السابق للمكتب الوطني للمطارات، في ملف اختلاسات وتبديد أموال المؤسستين، لكن المحكمة رفضت الملتمس، رغم أن كل المؤشرات كانت تتحدث عن إفراج وشيك، ليؤجل الحلم الذي راود المتهمين في قضايا فساد مالي. وينتظر عليوة فاجعة وفاة والدته التي ستخرجه من السجن، ولاعتبارات إنسانية، تمكن المدير العام الأسبق للقرض العقاري والسياحي، من مغادرة عكاشة متوجها إلى مقبرة الشهداء، حيث رخص له بحضور جنازة والدته التي وافتها المنية. توصلت إدارة السجن برسالة تتضمن ترخيصا لخالد بمغادرة المعتقل لمدة أربعة أيام، «لكي يحضر دفن والدته، ويقوم بتلقي واجب العزاء».
يوم 4 مارس 2013، خرج خالد عليوة من سجنه، ولم يعد إليه. لم يتمتع وقتها الرئيس المدير العام السابق للقرض العقاري والسياحي سوى برخصة من أربعة أيام لحضور جنازة والدته، لكن سرعان ما تحولت متابعته في حالة اعتقال إلى متابعة في حالة سراح، لكن يبدو أن عليوة لا يرى أي فرق بينه وبين أي شخص قضى عقوبته كاملة، أو خرج من زنزانته ولم يعد، وحده قرار المنع من مغادرة الوطن ظل ساري المفعول.
وكان التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات سنة 2009، قد خص خالد عليوة، الرئيس المدير العام الأسبق للقرض السياحي والعقاري، بحصة الأسد (44 صفحة)، ضمن الجزء الخاص بمراقبة التدبير واستعمال الأموال العمومية بالقطاعات الاقتصادية والمالية.

مولاي الزين الزاهيدي.. وزير محكوم غيابيا يلفظ أنفاسه بالمهجر

كاد الناس أن ينسوا اسم مولاي الزين الزاهيدي، الوزير السابق والرئيس المدير العام الأسبق لبنك القرض العقاري والسياحي، ولولا قصاصة أنباء كشفت عن وفاته لسقط الرجل من الذاكرة، بعد أن اختار المغادرة الجبرية لوطنه. لم يكن الزاهيدي مجرد مدير اختار الهروب، بعد أن طوقته الأسئلة المقلقة. بل كان رجل دولة، حيث شارك في حكومة كريم العمراني الثالثة والرابعة والخامسة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، إذ شغل منصب وزير الشغل والإنعاش الوطني في الفترة ما بين 1983- 1985، ثم وزيرا منتدبا للشؤون الاقتصادية ما بين 1985- 1992، وتولى كذلك وزارة الصناعة والتجارة والخوصصة من سنة 1992 إلى سنة 1993.
كان مولاي الزين الزاهيدي، زعيم «الروتاري» في الثمانينات، وصاحب المبادرات الاجتماعية، وكان أحد خدام الدولة الأساسيين في حكومات عهد الحسن الثاني، لكن عبوره في «السياش» بعثر كل أوراقه، ما اضطره إلى الاختفاء عن الأنظار في المغرب أولا، قبل أن يتدبر وسيلة للهروب إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، حيث استقر ما بين إسبانيا والبرتغال، بحكم زواجه من برتغالية.
بدأت معاناته حين حلت لجنة برلمانية صيف سنة 2000 بالبنك الذي يرأسه، جاءت لتحقق في اختلالات في التدبير المالي لهذا المرفق المالي، وأقر تقرير اللجنة البرلمانية بوجود اختلاسات ومخالفات في الفترة ما بين 1985 و1999، ما أدى إلى عرض الملف على القضاء، والذي حكم غيابيا على مولاي الزين الزاهيدي بعشر سنوات سجنا، إذ توبع ومن معه بجنحة استغلال النفوذ والمشاركة في تبديد أموال عمومية.
في سنة 2002، أجرت صحيفة «لوجورنال» حوارا مع مولاي الزين الزاهيدي، المدير الأسبق للقرض العقاري والسياحي، وكان مختفيا في مكان مجهول لم تفصح عنه المجلة، كشف خلاله عن أقواله أمام لجنة تقصي الحقائق البرلمانية وأمام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، مشيرا إلى أن أقواله لم تؤخذ بعين الاعتبار، خاصة بعد أن وضع النقاط على حروف ملف المشروع السياحي «كثبان النخيل»، الذي شكل الجزء الأكبر في المساءلة وكشفت زوجة الوزير في الحوار ذاته عن وثائق من جهات نافذة، ظلت تطالب زوجها بتليين المساطر مع بعض الشخصيات.

وشاية المذبوح ترسل ربع وزراء الحكومة وعدة مدراء إلى سجن لعلو

في مارس من سنة 1971 تلقى الملك الراحل الحسن الثاني تقريرا مفصلا من مساعده الجنرال المذبوح، يتضمن حقائق تؤكد تورط عددا من وزراء الحكومة في قضايا فساد مالي، واقترح على الملك فتح تحقيق في القضية، التي أحيلت على أحمد الدليمي الذي كان حينها مديرا عاما للأمن الوطني. وبعد طول انتظار وترقب أعلن عن اعتقال خمسة وزراء، هم مامون الطاهري وزير المالية، عبد الحميد كريم وزير السياحة، وعبد الكريم الأزرق وزير الأشغال العمومية، ومحمد الجعيدي وزير التجارة والصناعة، ووزير الداخلية السابق محمد العيماني، فضلا عن يحيى شفشاوني الوزير السابق للأشغال العمومية ومدير مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية، ورجل الأعمال عمر بن مسعود وموظفين ساميين. أصل صك الاتهام الذي شغل الرأي العام في تلك الحقبة الزمنية العصيبة، سفر الجنرال المذبوح إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لتهييء زيارة للحسن الثاني لهذا البلد، وما ترتب عنها من تقرير يدين وزراء الحكومة بالفساد، بعد أن طلبوا عمولات من شركة «بنام أميريكان» كي يسمح لها بإنجاز مشروع استثماري في الدار البيضاء عبارة عن فندق فخم. تقرير المذبوح كشف عن وجود شبكة لتهريب المعادن، وأخرى لتهريب الأموال إلى الخارج.
فوجئ الوزراء باستدعائهم إلى قصر إيفران في مارس 1971، ليعرب لهم الملك عن خيبة أمله، قبل أن يضيف «سأسامحكم كأنكم قد ولدتكم أمهاتكم اليوم». استبشر الوزراء المدانون والتمسوا الصفح من الملك، لكن الحسن الثاني فاجأ الجميع بعد شهر فقط بإجراء تعديل حكومي أسقط الوزراء الخمسة، وتبين أن الرجل يريد دفن القضية التي أغضبت الولايات المتحدة الأمريكية ووضعت مصداقية الحكومة في مهب الريح. لكن الانقلاب العسكري لعاشر يوليوز، أي بعد ثلاثة أشهر عن العفو الملكي، أغضب الملك لأن قائد المحاولة لم يكن سوى الجنرال المذبوح الذي كان إلى عهد قريب يتأبط تقرير الأمريكيين. وفي سادس غشت عين الحسن الثاني حكومة جديدة يرأسها كريم العمراني، دون أن يطوى ملف الوزراء والمدراء المدانين.
في شهر نونبر من السنة نفسها، استقبل السجن المركزي لعلو بالرباط ضيوفا من العيار الثقيل، لأول مرة في تاريخ المغرب بعد الاستقلال يعتقل وزراء ومدراء وكبار المسؤولين ورجال الأعمال، لتبدأ أطوار محاكمات شغلت الرأي العام الوطني والدولي، وأول حكم نطقت به محكمة العدل الخاصة هو تمتيع العيماني بالسراح المؤقت، وتقليب أوراق قديمة لوزراء حكموا البلاد قبل تشكيلة العراقي. ورغم الضجة التي أحدثتها المحاكمة إلا أن الأحكام كانت رحيمة بالمدانين الذين قضوا فترات حبس قليلة، ومنهم من لم يستأنف الحكم الابتدائي لإيمانه بأن المحاكمة كانت صورية، وأنهم مجرد أثاث لتزيين البيت المغربي الخارج للتو من حالة انقلاب، وكان المذبوح أحد المخططين له.

بوعبيد والآخرون.. وزير في قلب الكوميسارية

في سنوات الرصاص، كان عبد الرحيم بوعبيد من بين معتقلين داخل قاعة. ولم تشفع له مكانته ولا علاقات الصداقة والمعرفة التي تربطه بشخصيات أمنية لكي يتم استثناؤه. بل لم تشفع له حتى صداقته المعروفة لدى الجميع مع الملك الحسن الثاني منذ سنوات شبابهما، قبل أن يطلق سراحه بعد ساعات. وتم الاحتفاظ ببقية المعتقلين رهن الحراسة النظرية، قبل أن يتم تحويلهم إلى دار المقري حيث اختبر بعضهم لأول مرة في حياته أجواء المعتقلات السرية والتعذيب على خلفية التآمر على النظام والتخطيط لتخريب مسلح في البلاد.
من المواضيع التي بقيت طي الكتمان، إطلاق سراح عبد الرحيم بوعبيد الذي كان وزيرا في أولى الحكومات المغربية منذ 1956. ورغم أنه كان يعرف وزير الداخلية ويتناولان العشاء في مناسبات كثيرة.
إخلاء سبيل عبد الرحيم بوعبيد مبكرا كان الهدف منه تحطيم نفسية الموقوفين. بينما منع عبد الله إبراهيم الذي أقيلت حكومته منذ 1959، من دخول الكوميسارية، كما أن عبد الواحد الراضي، الذي كان وقتها أحد أبرز الشبان الذين فازوا بمقاعد في برلمان سنة 1963، كان من بين المعتقلين، حيث قضى فترة اعتقال وتعذيب قبل أن يطلق سراحه رفقة آخرين. في حين وجهت للقيادات تهمة المس بالنظام والتخطيط لقلب النظام وقيادة عمل مسلح داخل البلاد.

الصدر الأعظم رهن الإقامة الجبرية في شفشاون
بعد أن وضعت الحماية الفرنسية والإسبانية يدهما على المغرب، عاشت المنطقة الشمالية تحت مظلة استعمارية إسبانية، حيث شغل مولاي المهدي بن إسماعيل بن السلطان محمد الرابع أول، منصب الخليفة السلطاني بالشمال بظهير سلطاني أصدره السلطان مولاي يوسف في 14 ماي 1913، وكان السلطان مؤازرا في حكمه على المنطقة بالصدر الأعظم محمد بن عزوز وحاشيته، وجعل من قصر المشور بتطوان قبة «الحكم» السلطاني، إلا أن الكتابات التاريخية أجمعت على أن مولاي المهدي كان منعزلا عن الناس مفوضا أمر الحكم للصدر الأعظم، الذي استبد بأمور الخلافة السلطانية، وباشر جميع شؤون الحكومة. وبعد وفاة الخليفة مولاي المهدي في 24 أكتوبر1923 أصبحت منطقة شمال المغرب بدون خليفة سلطاني لمدة تجاوزت السنتين. نتيجة تأخر تعيين مولاي الحسن كخليفة لوالده من طرف سلطات الحماية، في الوقت الذي راهنت فيه السلطات الاستعمارية الإسبانية على الشريف الريسوني رغبة في تعيينه في هذا المنصب، لكن هذا الأخير رفض شروط الإسبان، فصدر ظهير 8 نونبر 1925 الذي عين بمقتضاه مولاي الحسن خليفة سلطاني على المنطقة، في فترة تاريخية كانت فيه رحى حرب ضروس تدور في جبال الريف إثر ثورة قادها محمد بن عبد الكريم الخطابي. استمر مولاي الحسن في منصبه إلى حين إلغاء الحماية الإسبانية وإعلان استقلال المغرب.
تشكلت الحكومة الخليفية بشمال المغرب بالإضافة إلى الخليفة السلطاني من الصدر الأعظم وعدد من الوزراء وخاصة وزير العدلية ووزير المالية ووزير الأحباس وأمين المستفاد والحاجب وقائد المشور، بالإضافة إلى عدد من الكتاب، وكانت الوزارة الأولى تسمى الصدارة العظمى. تولى هذا المنصب ثلاثة وزراء وهم: محمد ابن عزوز وأحمد الركينة وأحمد الغنمية، ولكن الأول هو أشهرهم إلا أنه أعفي من منصبه وسجن في منفاه بمدينة شفشاون لمدة سنة بظهير تقول إحدى فقراته «نأمر الواقف عليه من عمالنا وولاة أمرنا أن يعمل بمقتضاه ولا يحيد عن كريم مذهبه ولا يتعداه، وأن لا يقبل له من الآن قولا ولا يقتفى له فعلا». مباشرة بعد عزل ابن عزوز أسند المنصب لأحمد الركينة الذي عمل حاجبا للسلطان، لكن الصدر الجديد لم يجلس طويلا على كرسيه، إذ توفي قبل أن يتم العام، فتم فك أسر ابن عزوز وتولى من جديد منصب الصدر الأعظم. وشملت الإعفاءات السريعة من الوزارة في هذه المنطقة العديد من الوزراء، كمحمد بن المكي بن ريسون الذي كان وزيرا للأحباس، وعين بدله عبد الخالق الطريس الذي سرعان ما أعفي من مهامه سنة 1935، ليتولى أحمد الحداد مهام إدارة الأحباس في نفس السنة، وأعفي من مهامه في نفس العام. وعاد الطريس ليشغل منصب وزير للأحباس من جديد، لكنه لم يقض فترة طويلة في هذا المنصب إذ صدر ظهير إعفائه في أبريل 1937.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى