محمد اليوبي
كشف التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات وجود ثغرات في نظام التصريح بالممتلكات، فضلا عن تهرب عدد كبير من المسؤولين والمنتخبين الملزمين من التصريح بممتلكاتهم. وتشير المعطيات المتوفرة إلى أنه رغم اعتماد المغرب لقانون التصريح الإجباري بالممتلكات منذ سنة 2010، لكن هذا القانون تشوبه نقائص تجعل مهمة تتبع ثروات الملزمين بالتصاريح غير ذات جدوى، أمام استغلال المعنيين لهذه الثغرات والنقائص في التحايل على القانون، بتسجيل ممتلكاتهم في أسماء زوجاتهم وأبنائهم، في حين يتملص البعض الآخر من التصريح بالممتلكات، في ظل الصعوبات التي تواجه المجلس الأعلى للحسابات في دراسة كل الملفات المعروضة عليه.
وأكد التقرير أن اختصاص المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات، تلقي وتتبع ومراقبة التصريح الإجباري بالممتلكات يساهم في تخليق المرفق العمومي وحماية المال العام وتكريس النزاهة ومبادئ الشفافية والمساءلة لدى المدبرين العموميين، في تكامل منسجم مع الاختصاصات القضائية والرقابية الأخرى للمحاكم المالية، علما أن المملكة المغربية من الدول القلائل التي اختارت أن يكون التصريح بالممتلكات من اختصاص جهازها الأعلى للرقابة المالية.
وأوضح التقرير أنه بناء على الدراسة التقييمية التي قام بها المجلس الأعلى للحسابات بخصوص ممارسته لاختصاص تلقي وتتبع ومراقبة التصريحات بالممتلكات منذ دخول منظومة التصريح الإجباري بالممتلكات حيز التنفيذ في فبراير 2010، ووقوفه على نقائص ذات طابع استعجالي، وعملا بمقتضيات المادة 11 من مدونة المحاكم المالية كما تم تغييرها وتتميمها، قام المجلس بتوجيه مذكرة استعجالية للوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة مطلع شهر يوليوز 2024، تتمحور حول سبل تطوير المنظومة القانونية المؤطرة للتصريح الإجباري بالممتلكات بغية تجاوز النقائص التي تعتريها والارتقاء بها إلى نظام أكثر فعالية في الإسهام في الوقاية من الفساد ومكافحته.
وتتطرق هذه المذكرة الاستعجالية، حسب التقرير، إلى بعض الصعوبات التي تم الوقوف عليها المرتبطة بتعدد القوانين ذات الصلة بالتصريح الإجباري بالممتلكات وبإعداد وتحيين قوائم الملزمين وآجال تحميلها بالمنصة الإلكترونية وكذا بمضمون النموذج المعمول به للتصريح بالممتلكات، وتثير المذكرة أيضا، بعض الإشكالات المرتبطة بأعداد الملزمين بالتصريح والطابع المادي الورقي للتصريحات بالممتلكات وأثرها على نجاعة المراقبة وبالمآلات المحددة في قوانين التصريح الإجباري بالممتلكات في حال عدم تسوية الملزمين لوضعيتهم إزاء واجب التصريح بالممتلكات.
وسجل المجلس التفاعل الإيجابي للوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة في جوابها مع الملاحظات والتوصيات المضمنة بالمذكرة الاستعجالية، فإنه وإلى حين إصلاح منظومة التصريح الإجباري بالممتلكات، يؤكد على أهمية العمل على ملاءمة الإطار القانوني للتصريح الإجباري بالممتلكات مع روح ونص مقتضيات دستور 2011، في إطار قانون موحد يشمل جميع فئات الملزمين والأجهزة والهيئات المعنية ويستجيب للمقتضيات الدستورية التي خصت المجلس الأعلى للحسابات بعملية تلقي وتتبع ومراقبة التصريح بالممتلكات.
ودعا المجلس إلى إرساء مسطرة لتحديد وضبط الأشخاص الملزمين بصفة أكثر دقة تحيل مباشرة على المهام والسلط والمسؤوليات العمومية المعتمدة بالنصوص التشريعية والتنظيمية، ومراجعة المقتضيات القانونية المتعلقة بالسلطة المؤهلة لوضع القوائم والتفويض بشأنها في ما يخص الجماعات الترابية والمنشآت العامة والهيئات الأخرى، وتحديد السلطة المؤهلة لوضع القوائم في ما يخص هيئات الضبط والحكامة المنصوص عليها في الدستور.
وأوصى المجلس في تقريره بإدراج مقتضيات تحدد آجال موافاة المجلس بقوائم الملزمين وبالتحيينات التي تطرأ عليها تأخذ بعين الاعتبار آجال التصريح، لما لذلك من أهمية في تمكين المجلس من تتبع إيداع التصريحات طبقا للآجال المنصوص عليها قانونا، مع إرساء مبادئ عامة لترتيب المسؤوليات أو اعتماد جزاءات عن تجاوز تلك الآجال، وتفعيل الوظيفة الإشرافية والتأطيرية للسلطات الحكومية بما يكفل ضبط عملية إعداد وحصر قوائم الملزمين والسهر على التحيين المنتظم لهذه القوائم.
ودعا المجلس إلى العمل على استكمال رقمنة مسطرة تحميل القوائم من المنبع، عبر إدماج وبرمجة عملية حصر وتحيين قوائم الملزمين بالنظام المعلوماتي لتدبير الموارد البشرية لدى القطاعات الحكومية والأجهزة العمومية، بالإضافة إلى مراجعة نموذج التصريح، سيما عبر إخضاع جميع أصناف الممتلكات والأصول للتصريح والتوضيح المفصل لطبيعة الممتلكات الواجب التصريح بها، ووضع حد أدنى أو عتبة معقولة بشأن الأصول المنقولة توازي المؤشرات الوطنية لمستوى العيش والوضعية المالية والاقتصادية والاجتماعية للخاضعين، مع التنصيص على ضرورة التصريح بالمداخيل بجميع أصنافها كما نصت عليها المدونة العامة للضرائب.
وشدد المجلس على ضرورة إرساء نظام إلكتروني مندمج لتلقي وتتبع ومراقبة التصريحات بالممتلكات، قائم على التصريح بطريقة إلكترونية (تعبئة نموذج التصريح إلكترونيا) والتتبع الآلي واعتماد تطبيقات معلوماتية لتيسير عملية مراقبة التصريحات بالممتلكات المنوطة بالمجلس الأعلى للحسابات، وأكد على ضرورة العمل على توصيف أكثر دقة للمخالفات المتعلقة بالتصريح بالممتلكات ووضع نظام عقوبات تأديبية ومالية وجنائية يتسم بالتدرج، ويتناسب وطبيعة الإخلال الذي تم ارتكابه، بما في ذلك تغريم الأشخاص المخلين إزاء واجب تقديم تصريحاتهم أو الذين يقدمون تصريحا غير صحيح، بغرامات مالية متناسبة مع أهمية الإخلال المسجل.