ورش استراتيجي
شيء مؤسف أن تمر قوانين مهيكلة للدولة المغربية دون أن تحظى بالاهتمام الإعلامي والسياسي اللازمين، على خلاف قوانين تخدم مصالح حزب أو حزبين ويتم تسويقها على أنها قوانين حياة أو موت يتوقف عليها مصير الوطن. سياق هذا التمهيد مرتبط بتصويت مجلس النواب، أول أمس، على القانون الإطار المتعلق بالمؤسسات العمومية، التي تشكل القلب النابض للدولة.
ويكفي لكي يصنف هذا القانون ضمن المجالات الاستراتيجية للدولة، أنه جاء بطلب ملكي في خطاب رسمي، وتم إلباسه رداء القانون الإطار لكي يمر أمام التأشير الملكي بالمجلس الوزاري.
نحن إذن أمام ورش استراتيجي يتوخى مراجعة وإعادة هيكلة أكثر من 300 مؤسسة ومقاولة عمومية، تبلغ حجم استثماراتها السنوية ما يناهز عشرة آلاف مليار سنتيم. لقد بدا واضحا من الخطاب الملكي أن المؤسسات والمقاولات العمومية تعيش في أوضاع قانونية متضاربة، منها المنظم كوكالات، وأخرى كمؤسسات عمومية ذات طبيعة تجارية وصناعية، شركات وطنية، شركات الاقتصاد المختلط، وهناك مؤسسات لا يتجاوز عددها أصابع اليد قادرة على الإنتاج وضخ موارد في مالية الدولة، وهناك العشرات من المؤسسات تحولت إلى طفيليات تقتات على حساب أموال دافعي الضرائب، دون أن تنتج أي قيمة مضافة، بل تثقل كاهل الدولة بديون مرتفعة، وهذا الوضع الفوضوي هو ما دفع أعلى سلطة في البلد إلى التدخل لوضع حد لهذه الأعطاب.
لذلك فإن هذا الإصلاح الاستراتيجي يروم في ما يروم إليه، القيام بمراجعة جوهرية ومتوازنة لمكونات قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية، وفق مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، مع التركيز على الدور المحوري الذي سيقوم به المولود الجديد المسمى الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة، مع ما يتطلب ذلك من وضع برنامج لإعادة هيكلة المؤسسات والمقاولات العمومية، من خلال تجميعها أو إدماجها أو حلها وتصفيتها، وتأطير عملية إحداث المؤسسات والمقاولات العمومية الجديدة، ومساهماتها في رأسمال المقاولات الخاصة، وربط تعيين مدرائها بدفتر للتحملات واضح الأهداف ومحدد بأجندة زمنية.
طبعا هذا المشروع الاستراتيجي يحظى بإشراف الملك محمد السادس، لكن المؤكد أن تنزيله لن يكون نزهة في الشاطئ، وعلى محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، أن يستعد من الآن لمواجهة ردود فعل اللوبيات من العائلات المحظوظة والمدراء الكبار وجيش المسؤولين، الذين يرفضون تغيير الوضع الذي يخدم مصالحهم المادية والرمزية. وعلى بنشعبون انتظار كافة أشكال الضربات والدسائس والمكائد، لأنه بالفعل سيكون مضطرا إلى وضع يده في جحر للدبابير ولن يكون سهلا أمر تنظيفها. لذلك تحلى المشرع بنوع من الواقعية، حينما وضع أجندة خمس سنوات لكي يجد هذا القانون طريقه للتنفيذ، لأنه يدرك أن المهمة مصيرية لكن الورش استراتيجي.