شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

وجه روسيا الإفريقي

 

 

وليد عثمان

 

يبدو أن قارة إفريقيا تستعيد موضعها القديم ميدانا فسيحا للمواجهة بين القوى الكبرى في العالم، لكن على غير النمط التاريخي الذي انتهى بتقسيم دول القارة السمراء بين المستعمرين القدامى؛ سعيا إلى السيطرة على ثرواتها البشرية والطبيعية.

والبادي أن روسيا أكثر تركيزا في المرحلة الحالية على الميدان الإفريقي، حيث يتضاءل وجود دول أوروبية عمرت طويلا فيه، وأحكمت قبضتها عليه، فعلى الرغم من انفضاض العلاقة الاستعمارية بصيغتها التقليدية، فإن هذه الدول بقيت تحظى بهيمنة ما في أقطار إفريقية، تأخذ صورا سياسية وعسكرية وغير ذلك إلى جانب استغلال مواردها الاقتصادية، من دون أن تقدم أي خدمة للمجتمعات الإفريقية في ما يتعلق بالتنمية في جميع المجالات.

وإن كان من المؤكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يجلس إلى مائدة تفاوض قبالة أوكرانيا وحلفائها الرئيسيين المتمثلين في الولايات المتحدة الأمريكية وأعضاء حلف الناتو، إلا بعد تحقيق الأهداف التي قامت عليها المواجهة مع أوكرانيا، فإنه يبدي اهتماما بالمبادرة الإفريقية، لحل النزاع بين الدولتين.

قال بوتين للمسؤولين الأفارقة المشاركين في القمة الروسية الإفريقية، التي عقدت منذ ثلاثة أيام في سانت بطرسبورغ : «إن روسيا تدرس المبادرة بعناية»، لكنه كان ينطلق من ذلك إلى صياغة رسائل واضحة أكثر من أي وقت مضى؛ أولى هذه الرسائل أن الاستماع غير مرة إلى صوت أصحاب مبادرة القارة السمراء للسلام، وكونها محل دراسة «بعناية» يعنيان تبدلا في معنى الأقطاب المتصارعة في العالم، وبروز تكتلات خارج أمريكا وأوروبا، وحتى آسيا بالنظر إلى قيمة قوى كبرى فيها كالصين.

يعد الترحيب بالمبادرة والنظر في بنودها، ردا روسيا مباشرا على ما قال فلاديمير بوتين: «إنه تحريض من الولايات المتحدة وبريطانيا لأوكرانيا على عدم التفاوض لإنهاء النزاع».

الأهم أن هذه الصلة الروسية الإفريقية التي تتقوى مع الأيام، لا يتعامل معها بوتين من باب المكايدة للولايات المتحدة وأوروبا؛ بل استفاض في شرح فوائدها للقارة السمراء، وفي مقدمتها ما يتعلق بالحبوب، خاصة أنها أكثر القارات تأثرا باضطراب إمداداتها.

أبدى بوتين تضامنا مع القارة الإفريقية من باب سعيه إلى تعدد الأقطاب، ودعا إلى توسيع التمثيل الإفريقي في هيئة الأمم المتحدة في إطار سعيه إلى ما يصفه بإصلاح مجلس الأمن، وهاجم القواعد الغربية في التعامل مع إفريقيا؛ حيث تخفي تدخلها السياسي فيها بمبادئ مثل حقوق الإنسان.

واعتبر بوتين أن «الغرب لا يزال يتعامل مع مشكلات القارة السمراء، خاصة ما يتعلق بتنوعاتها الإثنية والطائفية، على قاعدة «فرق تسد»، متبنيا بذلك ما قلناه في الشرق مرارا».

وقف بوتين عند التعامل العسكري، خاصة مبيعات السلاح مع عشرات الدول الإفريقية، لكنه في الشق الاقتصادي وقف عند إمدادات الحبوب، وبعضها مجاني، مطالبا بأن يقوم التعاون على أساس العملات الوطنية في إعلان جديد لمطاردة هيمنة الدولار الأمريكي.

ليست روسيا وحدها المعنية بإفريقيا، ففيها قوى أخرى متنافسة اقتصاديا وأمنيا، لكن بوتين ربما أراد القول إن الطريق إلى عالم جديد متعدد الأقطاب، ربما يبدأ من القارة السمراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى