شوف تشوف

الرأي

هياكل عظمية على الحدود

في منطقة Chatelet-sur-Retourne، وهي بلدة هادئة شمال فرنسا، وجد الباحثون 14 هيكلا عظميا لجنود من فترة الحرب العالمية الأولى.
خمسة من هؤلاء الجنود كانت معهم صفائح معدنية عليها أسماؤهم ورتبهم العسكرية. وحسب ما صرح به هؤلاء الباحثون لعدد من المنابر المتخصصة في التنقيب نهاية الأسبوع الماضي، فإن هذه الفرقة الصغيرة من الجيش الفرنسي اختفوا وانقطعت أخبارهم يوم فاتح شتنبر 1914. والمؤكد أنهم تعرضوا للتصفية رميا بالرصاص على يد جنود الجيش الألماني.
المثير أن الأرشيف الفرنسي سجل أسماء العسكريين الفرنسيين الخمسة كقادة لـ«كتائب المشاة الاستعمارية المغربية». والمرجح أن يكون هناك مجندون مغاربة في هذه الكتيبة العسكرية المصغرة.
ظل أرشيف فرنسا يبحث لسنوات عن لغز اختفاء هؤلاء الجنود في شمال فرنسا، إذ لم تكن أسماؤهم مذكورة في لوائح القتلى ولا الأسرى، كما أن الذين قُتلوا في مواقع المواجهات سُجلوا أيضا بناء على تصريحات زملائهم، وهذه الملابسات كلها مذكورة اليوم في الأرشيف الفرنسي الرسمي بالتفصيل، ويمكن لأي باحث في أي مكان في العالم الولوج إليها، ومطالعتها بل والاحتفاظ بصورة عنها دون حتى أن يُدلي بهويته لأحد.
تسعة هياكل عظمية متبقية لا تحمل أي هوية، لكن وثائق الأرشيف تشهد أن آخر ظهور لهذه الكتيبة يؤكد وجود أفراد من المشاة الذين شاركوا في الحرب بالمغرب.
هذا يعني أن الهياكل لا تعود بالضرورة لمجندين مغاربة في الحرب العالمية الأولى. وقد تكون لفرنسيين سبق لهم خوض معارك في المغرب وتم استدعاؤهم إلى فرنسا لتعزيز خطوط الهجوم الفرنسي على الحدود مع ألمانيا بمجرد ما اندلعت الحرب العالمية الأولى.
وحسب بعض الأبحاث المتخصصة التي قام بها مؤرخون فرنسيون استقوا خلالها شهادات من مشاركين سابقين في الحرب العالمية الأولى، فإن بعض هؤلاء المجندين شاركوا فعلا في حرب الأطلس في المغرب نواحي منطقة مراكش سنة 1914، وتم استدعاؤهم بعد أن دفنوا عددا من زملائهم نواحي ورزازات حيث هُزم الجيش الفرنسي الذي حارب معه المدني الكلاوي، الأخ الأكبر للباشا الكلاوي، على يد الثوار في الأطلس.
ورغم أن حقائق كثيرة بقيت مُغيبة إلى اليوم بخصوص مشاركة مجندين مغاربة في الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الأولى، إلا أن هذا الاكتشاف من شأنه أن يفتح اليوم قوسا جديدا في الأرشيف العسكري الفرنسي للحرب العالمية الأولى، إذ إن غياب ما يُثبت هوية هؤلاء المجندين المدفونين منذ 106 سنوات تحت تراب البلدة الشمالية في فرنسا يرجح أن يكون بينهم مغاربة ممن عززوا صفوف الجيش الفرنسي في المغرب وحملوا على ظهورهم معداته الثقيلة واستُعملت حتى زوجاتهم لطبخ طعام آلاف الجنود الفرنسيين الذين بسطوا نفوذ فرنسا في المغرب مباشرة بعد توقيع معاهدة الحماية ورفعوا العلم الفرنسي في الأطلس المغربي قبل أن يساهموا في دحر قوات ألمانيا قبل ميلاد النازية بسنوات طويلة وحماية فرنسا من الغزو.
الهياكل العظمية المكتشفة ستوفر لهؤلاء الباحثين معلومات كثيرة عن القوة الجسمانية للجنود وأصولهم وربما قد تحمل آثارا تفسر الطريقة التي قتلوا بها في الحرب.
حسب ما عُرف عن المواجهات بين ألمانيا وفرنسا في الحرب العالمية الأولى، فإن الأسرى الذين يُحتجزون بين الجيشين يتم إعدامهم رميا بالرصاص بعد إجبارهم على حفر خندق طويل، يشبه تماما الخندق الذي وُجدت الهياكل العظمية داخله قبل يومين، ثم رميهم برصاصة في الرأس لكي تسقط الجثة في الخندق.
يستطيع أي باحث أو مؤرخ وحتى رئيس الدولة أن يطمس الحقائق ويغطي على الوقائع باسم «أسرار الدولة»، لكن العظام عندما تظهر ولو بعد قرن، فإنها تجبر الجميع على إعادة كتابة التاريخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى