هل للتدخل التركي شرعية دولية؟
خالد فتحي
يثير التدخل العسكري لأنقرة شمال شرق الفرات جدلا حول مدى شرعيته من وجهة نظر القانون الدولي، حيث تؤكد تركيا أنها تصرفت وفق الشرعية مستندة إلى العديد من الحجج والمبررات، فيما يردد المناوئون لعملية نبع السلام أن الأمر لا يعدو أن يكون احتلالا وغزوا لمنطقة تعد جزءا من دولة عضو في المنتظم الدولي.
تقول تركيا إنها تدافع عن أمنها القومي ضد تنظيم إرهابي، وذلك وفق ما يقره القانون الدولي، لكنها تحيل أيضا على اتفاقية سرية أبرمتها سنة 1998 مع نظام الأسد، شهيرة باسم اتفاقية أضنة، تخول لها حق الدفاع عن النفس وملاحقة العناصر الإرهابية بالتنسيق مع السلطات السورية إلى عمق 5 كيلومترات. لكن عينها الآن على 30 كيلومترا وعلى خلق ممر سلام دائم. كما أنها تفعل هذا غير مبالية بالرفض السوري لأنها تعتبر أن النظام لا يسيطر على هذه المنطقة، وبالتالي يكون التنسيق معه هو إخباره بالعملية فقط وقد فعلت. هي ترى وتريد للعالم أن يرى معها في عناصر قوات سوريا الديمقراطية امتدادا لحزب العمال الكردستاني، الذي قام بإزهاق آلاف الأرواح على امتداد عقود طويلة من الصراع مع أنقرة.
من جانب آخر، يرى بعض المحللين الذين يوجدون على الضفة الأخرى المعارضة للعملية العسكرية أن أنقرة توجد في حالة شرود، وأنها تنتهك القانون الدولي ببساطة، إذ إن هناك حالتين قانونيتين فقط يمكن فيهما لدولة ما أن تتدخل عسكريا في المجال الترابي لدولة أخرى عضو في الأمم المتحدة. الأولى أن يطلب النظام القائم المعترف به دوليا من هذه الدولة التدخل في بلاده. وهذا النظام رغم حالة التمزق التي تعرفها سوريا الآن هو نظام بشار الاسد. وهو لم يطلب من أردوغان التدخل، بل يندد بعملية نبع السلام، ويعتبرها انتهاكا لسيادة أراضيه. الحالة الثانية أن ينجم هذا التدخل عن طلب من مجلس الأمن الذي ينعقد في جلسة، ويعتبر أن هناك تهديدا للأمن والسلم العالميين، ويقرر أن يتصرف. وهذا أيضا لم يقع فلم يطلب المنتظم الدولي من أردوغان التدخل في سوريا.
الواضح إذن أن الأمر لا علاقة له بالقانون الدولي، بل بالتفاهمات بين كبار الفاعلين على الأرض السورية. فإذا كان مجلس الأمن لم يمنح إذنا بالتدخل، فهو أيضا قد عجز عن إدانة هذا التدخل بسبب العرقلة الروسية، مما يعني مباركة هذا التدخل والاتفاق الضمني أو السري على توزيع الأدوار لإرضاء تركيا وتخليصها من هواجسها.
التدخل التركي لم يكن ممكنا لولا التراجع الأمريكي، الذي أخلى له المجال للتوغل في سوريا. وما كان ليستمر بكل هذا التصميم لولا الممالأة الروسية. روسيا التي تعتبر الحليف الأول للنظام السوري. فهل تكون موسكو في ظل عجز دمشق عن السيطرة على الوضع في شمال شرق الفرات، قد نابت عنها في إعطاء الموافقة على الشروع في عملية نبع السلام حافظة لنظام بشار ماء وجهه: فروسيا صارت ضامنة لسوريا دوليا. كما أن بشار يريد من جهة أن يتخلص من وجع رأس الأكراد، الذين خانوه وارتموا في حضن حليفهم الأمريكي، وذلك من خلال ترك تركيا تغير تركيبة شرق الفرات عبر توطين اللاجئين السوريين، الذين هم في أغلبهم عرب سنة لتخفيف التركيز الإثني الكردي في هذه المنطقة، وبالتالي القضاء على الحس الانفصالي فيهم. وكذا بناء شريط حدودي عازل بين أكراد سوريا وأكراد تركيا، ينزع من مخيلاتهم حلم الدولة القومية.
رغم التنديد السوري، فلدمشق بعض المصالح تجنيها من هذا التدخل، يمكن لها أن تساعدها مستقبلا في إعادة الاستقرار وبناء الدولة المدنية التي تحتضن كل الأعراق والإثنيات والأقليات.
لكن ترامب ورغم إعطائه الضوء الأخضر لتركيا بالشروع في عمليتها العسكرية، يبقى مع ذلك ممسكا بخيوط العملية، فتركيا لن تتوغل في شمال شرق الفرات إلا بقدر ما تنسحب القوات الأمريكية وتفسح لها الأرض. أردوغان ملتزم بأن يتحاشى الإصابات في صفوف القوات الأجنبية المرابطة وفي صفوف المدنيين كذلك. إنه لا يطمح لأكثر من زحزحة الأكراد السوريين بعيدا عنه، حتى لا يغدو الجنوب التركي ذا الأغلبية الكردية. هذا بالإضافة إلى أن العقوبات الاقتصادية تبقى مسلطة عليه كسيف ديموقليس، تمنعه من الغلو في الطموح والتوغل بعيدا.
الإدارة الأمريكية تلعب الدور جيدا. ترامب يرخص والبنتاغون والكونغرس يهددان وينددان. وبالتالي تبقى أمريكا دائما سيدة الموقف والحاضرة دوما في وجه غريمها الروسي. أما مسألة شريط حدودي لتركيا، فأمر لا يضر. فتركيا في النهاية بالنسبة إلى ترامب مخلب من مخالب الناتو الذي تقوده أمريكا.