بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا وتطورات الأزمة الصينية مع الولايات المتحدة، نسي العالم تقريبا بلدا اسمه كوريا الشمالية.
هذه الدولة المعزولة تماما عن العالم، والتي لا يعرف مواطنوها أي شيء نهائيا عن التطورات التي عرفتها الكرة الأرضية منذ أزيد من سبعين سنة، تعيش على إيقاع ديكتاتورية عائلية لثلاثة أجيال حتى الآن، تمنع أي اتصال لمواطنيها ببقية دول العالم. ولا يعرف مواطنوها أي معلومة عن تطور الاتصال وشبكة الإنترنت. ولا يستعملون الحواسيب إلا للأغراض التي تُرخص لهم حكومة بلادهم بالولوج إليها، دون أن تكون متصلة بشبكة الإنترنت.
كوريا الشمالية، قد يُسلط عليها الضوء الشهر المقبل، إذا أتمت الولايات المتحدة برنامجها في إطار المناورات العسكرية. إذ إن الأخبار التي نُشرت، بداية الأسبوع الجاري، تؤكد أن كوريا الجنوبية، الغريم التقليدي للشمالية، تستعد لإجراء مناورات نووية افتراضية تحاكي الميدان مع الولايات المتحدة.
والهدف من هذه المناورات، حسب ما أعلنته حكومة كوريا الجنوبية، تعزيز الردع في مواجهة كوريا الشمالية.
لا يمكن لمناورات من هذا النوع أن تُبرمج من باب التسخينات العسكرية فقط، إذ لا بد أن الجنوبيين حصلوا على معلومات مؤكدة بشأن تهديد شمالي في الأفق. واستعمال الأسلحة النووية لا يبشر نهائيا بخير.
كوريا الجنوبية بلد متقدم يعيش مواطنوه رفاهية، تجعلهم يتصدرون ترتيب جودة العيش في القارة الآسيوية، متفوقين على الصين ودول أخرى عملاقة في الاقتصاد.
الجنوبيون يعيشون على إيقاع الموضة العالمية، وبلادهم تسيطر على اقتصاد الهواتف النقالة بصناعة أعتى شركة هواتف عالية الجودة تسيطر تماما على السوق العالمية، وتنافس في أوروبا وأمريكا، ولم تستطع شركات عملاقة في الاتصالات مجاراة التطور التكنولوجي الذي تعلنه كوريا الجنوبية كل سنة في سوق الهواتف والترفيه والمحاكاة والذكاء الاصطناعي. بينما في عالم صناعة السيارات، تُنافس كوريا الجنوبية بقوة متفوقة على الماركة الصينية وأقوى الماركات الألمانية، وحققت العام الماضي رقم مبيعات ضخم زاحمت به شركات سيارات عملاقة تسيطر على السوق لعقود.
في المقابل، تعيش كوريا الشمالية في القرن التاسع عشر، ومواطنوها لا يعرفون أي شيء عن الموضة ولا السينما العالمية، ولا يستعملون محركات البحث ولا يعرفون أي شيء عن الأدب العالمي ولا يملكون جوازات سفر نهائيا. والأشخاص الوحيدون في كوريا الشمالية المسموح لهم بالسفر هم عائلة الرئيس «كيم جونغ أون»، وجنرالات محسوبون على رؤوس الأصابع، يُسمح لهم بالذهاب إلى الصين في مهام محددة ولا يسمح لهم بالخروج عنها. وباستثناء هذه الحالات، فإن الكوريين الشماليين ممنوعون تماما من السفر بشكل قانوني. لذلك فمئات الكوريين الشماليين الذين يعيشون اليوم في دول أوروبية، استطاعوا الهروب في مغامرة قايضوا فيها حريتهم ببقائهم على قيد الحياة، وعبروا نهرا يفصل بلادهم عن الصين، معرضين أنفسهم لخطر الرمي بالرصاص على يد شرطة الحدود، واستخرجوا وثائق جديدة باتباع مسطرة اللجوء، وهم اليوم يكرسون حياتهم لفضح ما يقع في بلادهم من اضطهاد.
ورغم الأوضاع التي يعيشها مواطنو كوريا الشمالية، إلا أننا لم نسمع أبدا عن اجتياح أمريكي ولا نزول لحلف الناتو لتحرير مواطني كوريا الشمالية من قبضة الديكتاتورية.
إذ يبدو أن ديموقراطية الغرب لا تحل في مكان ما، إلا بحثا عن البترول.
إذا تمت فعلا المناورات الكورية الجنوبية بالتعاون مع القوات الأمريكية، فلا بد أن هذه السنة الجديدة سوف تحمل للعالم مفاجآت أخرى تتعدى عودة انتشار وباء كورونا في الصين.
عندما أحيا اليابانيون، العام الماضي، ذكرى إلقاء القنبلتين الأمريكيتين فوق «هيروشيما» و«ناكازاكي»، خلال الحرب العالمية الثانية، دعوا إلى عدم تكرار مآسي الماضي التي تُزهق مئات آلاف الأرواح في أجزاء من الثانية، وتخلف إشعاعات ما زالت انبعاثاتها تُرصد على شاشات الرادار، رغم مضي قرابة سبعين عاما على الكارثة.
يونس جنوحي