هل الوضع في سورية خرج عن السيطرة فعلا؟
أبلغ توصيف للوضع الحالي في سورية هو ما ورد قبل يومين على لسان جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي وقال فيه “إن الوضع في سورية بات خارجا عن السيطرة”، وزاد ستيفان دي ميستورا، المبعوث الأممي الطين بله عندما قال إن “المعجزة تبدو هشة”، في إشارة منه إلى هدنة الأيام الثلاثة التي جرى التوصل إليها بين أمريكا وروسيا، بعد المجازر التي وقعت في مدينة حلب من جراء تصاعد المواجهات، والقصف الصاروخي والغارات الجوية.
الهدنة التي امتدت في حلب، وبعد إدانات دولية لسقوط أعداد كبيرة من القتلى المدنيين، تنتهي رسميا غدا “الاثنين”، وما زال من غير المعروف ما إذا كانت ستمدد لبضعة أيام أخرى، أم أن الجبهات ستشتعل مجددا مرة أخرى في المستقبل المنظور على الأقل؟
المشهد السوري حافل دائما بالمتغيرات والمفاجآت، وجديده الذي يمكن استخلاصه من بين الركام في حلب وجوارها، ورصد التحركات الاقليمية والدولية في أربع نقاط رئيسية:
أولا: أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما لم يعد يصر على رحيل الرئيس السوري بشار الأسد قبل المرحلة الانتقالية أو أثنائها، رغم التصعيد في هذا الجانب من قبل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بعد لقائه مع كيري في جنيف الاسبوع الماضي، ومن الواضح أن الرئيس أوباما وإدارته أكثر انشغالا بفوز دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري من أي أزمة خارجية أخرى.
الثانية: شن إيران هجمة دبلوماسية تمثلت في الزيارة التي قام بها السيد علي ولايتي مستشار السيد علي خامنئي المرشد الاعلى إلى سورية ولبنان، وظهوره في أكثر من وسيلة إعلامية مكتوبة ومرئية في لبنان، ولقائه مع الرئيس الأسد في دمشق، وإعلانه أنه خط احمر بالنسبة لايران، ولن تسمح بالمس به.
الثالثة: ارتفاع عدد القتلى في أوساط “المستشارين” العسكريين الايرانيين، وسقوط 13 منهم في يوم واحد، أثناء معارك دارت بينهم وقوات موالية من حزب الله والجيش السوري من جهة، وبين “جيش الفتح” الذي يمثل عدة حركات مقاتلة، مثل “جبهة النصرة” و”أحرار الشام” و”الجيش الاسلامي”، ونجاح هذا الجيش في الاستيلاء على بلدة خان طومان، مما يؤكد وصول إمدادت عسكرية لهذا الجيش من داعميه في السعودية وتركيا وقطر، ومن الواضح أن زيادة إيران لعدد “مستشاريها” في سورية مؤشر على إلقائها بكل ثقلها خلف الحكومة السورية.
الرابعة: انفجار أزمة سياسية داخل حزب العدالة والتنمية، واستقالة السيد أحمد داوود أوغلو رئيس الحزب والوزراء، والدعوة إلى انتخابات بعد أسبوعين لاختيار بديل لقيادة الحزب والوزارة في المرحلة المقبلة، الأمر الذي يعني أن الرئيس رجب طيب أردوغان كرس جميع السلطات التنفيذية والتشريعية في يده، ودون أي منازع، ولكن هذه الأزمة وتداعياتها ستحرف الاهتمام التركي ولو جزئيا، عن الازمة السورية، وربما تدفعه، وقد بات الحاكم المطلق، إما إلى السلام أو التصعيد العسكري في سورية.
هذه التطورات، منفردة أو مجتمعة، تخفف في معظمها الضغوط السياسية والعسكرية عن الرئيس الأسد، أن لم تكن تخدمه أيضا، إذا وضعنا في اعتبارنا أن الجبهات الاخرى التي يتورط فيها معارضيه من العرب، تشهد حالة من الفشل أيضا، ونحن نتحدث هنا عن المفاوضات اليمنية (حضرموت) والعراق، والتدخل الأمريكي عسكريا في جنوب اليمن والعراق للتصدي لتنظيمي “القاعدة” و”الدولة الاسلامية”، وحماية سفارتيهما في البلدين، وهذا موضوع يحتاج إلى شرح طويل ليس هنا مكانه.
ما هي الخطوة المقبلة للدولتين العظميين في سورية؟ لا أحد يملك إجابة حاسمة، فمفاوضات جنيف التي كان من المقرر لها أن تستؤنف هذا الاسبوع، لا يلوح أي مؤشر في الأفق حول إمكان انعقادها في موعدها بسبب مقاطعة معارضة الرياض لها، وفرض شروطها المسبقة السابقة، وأبرزها بحث مستقبل الرئيس الأسد، الأمر الذي يصب في مصلحة ترجيح الحل العسكري، تحت غطاء محاربة التنظيمات “الجهادية” المتشددة مثل “النصرة” و”الدولة الاسلامية” التي جرى استثناؤها من التفاهمات الأمريكية الروسية حول “وقف الاعتداءات”، أو وقف إطلاق النار عمليا، وتحقيق هذه التنظيمات تقدما مفاجئا في ريف حلب واستعادة مدينة “خان طومان” خاصة استغلال للهدنة، لأول مرة منذ أسابيع شهدت تقدما للجيش السوري وحلفائه، ربما تدفع في هذا الاتجاه.
الأسبوع المقبل في سورية، الذي يبدأ غدا الاثنين حسب التقويم الغربي، ربما يكون حاسما، حيث سيسعى كل طرف لكسر حالة الجمود الحالية، سياسيا أو عسكريا، أو الاثنين معا.
حلب محطة مفصلية في الصراع على سورية، كانت وستظل كذلك، فهي التي ستحدد مستقبل هذا البلد، وهويتها وجغرافيتها الجديدة، وحالة الهدوء التي تعيشها ربما تكون مؤقتة، ولالتقاط الانفاس، وامتصاص حالة غضب، ومن غير المستبعد أن تشتعل جبهاتها مجدد، وكان الله في عون أهلها المنكوبين.