شوف تشوف

الرئيسيةفسحة الصيف

هكذا نصح والد الخطابي الحكومة الإسبانية بسبب سوء تصرف ولاتها في المنطقة

مذكرات لاريونيون :كتب تنقل تفاصيل حياة ابن عبد الكريم الخطابي في لاريونيون

بينما كانت إسبانيا تحارب في جوار مليلية وتنشر سياستها في الريف وبينما كان الوالد يضاد فكرة المقاومة بالسلاح ويساعد تداخل إسبانيا الحامية كان يلاحظ سوء تصرف الولاة الإسبانيين وعدم اهتمامهم بالمصلحة العامة، وكل يوم يزداد علما بمجريات الأحوال واقتناعا بأن ذلك سيؤدي إلى سوء العاقبة إذا لم تتغير تلك السياسة (ص.6 أ) (ص.5 ب) فكان يقدم النصائح تلو النصائح للمراجع العليا ولمباشري السياسة أنفسهم. وقد تواطأ مع الولاة الإسبانيين حزب من الأهليين ومن الذين لا غاية لهم سوى الغرض الشخصي، فاجتمع عاملان قويان ضد المصلحة العامة ووصل سوء التصرف لدرجة جعلت تضحيات إسبانيا العظيمة في خطر.

مقالات ذات صلة

 

حملة الجنرال ألفاو على تطوان

احتل الجنرال ألفاو مدينة تطوان برضى الأهليين ومن غير مقاومة، وكان الوالد حينئذ مقيما فيها بأهله ولمجرد ما تمكن من المدينة تغير الحال على الأهالي واشتد على الأنفس والأموال وتبدل الأمن خوفا وازداد الحال تحرجا بهتك الأعراض وخطف الأموال وإحراق الأجنة (كذا) (لعله يقصد الجنان) وهدم الدور الخارجة عن المدينة بدعوى الاحتياط وعدم الضبط في الجيش وانتشر الخبر عند الجبليين فساءت الظنون إذاك.

أما سكان تطوان فقد اجتمع أعيانهم وقصدوا الوالد وشكوا إليه الحال لظنهم أن عنده من النفوذ مع الولاة ما يبدل هاته الحالة السيئة، فأشار عليهم بالصبر ووعدهم خيرا وذهب حينا إلى الجنرال ألفاو فاقتبله (كذا) (فاستقبله) وبلغه شكاية الأهليين كما بلغه ما يعلمه من الحقائق فأجابه الجنرال بجواب غير مناسب وغير مقنع، فكتب لي إذاك وأنا بمليلية موظف واتفق الحال أن هناك الجنرال باريرا برتبة كولونيل وبصفة مبعوث من الحكومة لمهمة سياسية، فتكلمت معه بما كتب إلي به الوالد وأنذرته بسوء العاقبة إن لم تتغير السياسة بتطوان، فوعدني أنه يعلم لمدريد وأن الحال تتغير بسرعة، ولكن كان قد فات الوقت وضاع زمن الاستدراك لأن قبائل الجبالة قد عرفوا مستقبلهم فتسارعوا إلى السلاح والاجتماع حوالي المدينة وابتدأ القتال واستمرت المعارك بصفة مزعجة واقترب الجبالة من المدينة وقاتلوا على أسوار تطوان. وهكذا كانت هاته السياسة فاتحة الحرب في الجبهة الغربية وتسلسلت المجازر كالجهة الشرقية أو أكثر في الخسائر مالا ونفسا.

 

طفولتي وشبابي

ولدت في أجدير وتربيت في حجر والدي. ولما بلغت سن التعليم أنشأ الوالد مكتبا ابتدائيا (ص. 7 أ) خصوصيا لي وللعم سيدي عبد السلام الذي سنه كسني فتعلمنا القرآن ثم تولى تعليمنا بنفسه في المبادئ الدينية والنحو والتصريف والفقه ومبادئ التاريخ، ولما بلغنا السنة العشرين أرسلنا لفاس حيث تلقينا الدروس الثانوية بجامع القرويين على مختلف الأساتذة منهم الشريف المرحوم سيدي محمد الاغادري (القادري) والمرحوم سيدي التهامي جنون (كنون)، وقضينا هناك عامين في التعليم فرجعنا للريف حيث اشتغلنا بمساعدة الوالد في أشغاله الخصوصية. وبعد عامين عدت أنا بنفسي لفاس لمهمة سياسية مخزنية في ما يتعلق بالثائر الزرهوني وقضيت هناك ستة (ص.6 ب) أشهر انتهزت فيها تعلم بعض الدروس بالقرويين أيضا. ولما قضيت مهمتي السياسية أقفلت راجعا عن طريق طنجة إلى الريف، وقد اتفق الحال أن تلاقيت في طريق رجوعي من فاس إلى طنجة بالكومندار بن عمار. حيث إنه لم يكن لي سابق معرفة به سألته وتعرف لي وأخبرني أنه من الجزائر وأنه أتى لمهمة من قبل فرنسا مع سلطان المغرب وكان يستدعيني إلى خبائه لتناول طعام العشاء معه وتذاكرنا حتى أنجز بنا الكلام إلى تداخل فرنسا بالمغرب، فقلت له أننا نعينها بكل ما لدينا إن اقتضته الظروف، ففهمت من بعض حديثه أن فرنسا لا تداخل لها في الريف على تقدير الدخول في مسألة المغرب، وتفارقت معه في طنجة.

 

دخولي في الوظائف الإسبانية

لا شك أن إسبانيا في بادئ الأمر كانت عازمة على نشر نفوذها بالطريق السلمي وبالوسائل الحسنة الممدوحة، ففكرت الحكومة في إنشاء المدارس الابتدائية لتعليم الأهالي وتهذيبهم، وأسست مدرسة ابتدائية في مليلية فتعينت مدرسا مدة قبل عام 1909 فقمت بواجبي وعملت مجهوداتي وكان لي نشاط وأمل كبير وتفاولت (كذا) (تفاءلت) خيرا بهذا المشروع الإنساني الحسن، أي المشروع الوحيد الذي يجمل بالأمم المتقدمة استعماله في أخيها الإنسان والوسيلة المحمودة الجديرة باستمالة القلوب وجذب الروح حتى تتآلف القلوب وتتحاب الأمم وتتقارب الشعوب، ولكن ذلك الأمل صار ينقص شيئا فشيئا لأن الحكومة لم يكن لها الاعتناء اللازم بهذا المشروع (ص. 8 أ) المهم بل اختارت الطرق الأخرى، أي طرق القوة. ثم بعد نشوب الحرب واتساع نطاق الأعمال العسكرية أضافت لي وظيف الكتابة في الإدارة الوطنية فقمت أيضا بالواجب حسب اعتقادي وكنت أحاول أن أتعلم اللغة الإسبانية، فلم أوفق لذلك. نعم يمكنني أن أتخاطب بها في حاجتي. وفي الأخير، أي بعد إعلان الحماية وتعيين الخليفة السلطاني، تعينت قاضيا على فرخانة ورئيسا لمجلس السيناف (كذا) (استئناف) أحكام القضاة بالمنطقة المحتلة فكنت أحاول أيضا الاستقامة والنزاهة وأميل للعدل وفي الوقت نفسه كنت لا آلو جهدا في كل ما من شأنه أن يوفق بين الإسبانيين والريفيين ويذهب الضغائن والأحقاد والبغضاء التي سببتها الحرب المشؤومة وهكذا على هاته الحالة إلى أن قبضت علي الحكومة.

 

سبب القبض

لسبب قبضي وجهان وجه حقيقي ووجه تمويهي، أما الحقيقي فهو أن الوالد كان قد أيس من نجاح سياسة الحكومة الحالية ومن جهة أخرى كان يقاسي الاضطهاد من الريفيين ورؤساء القبائل بسبب تأييده الفعلي لسياسة الإصبان وتحقق أن صبره على هاته الحالة مهما كان طويلا لا يفيد. وبما أنه كان سليم القلب كريم النفس لا يضمر لأحد شرا وليس من شأنه الغدر والخيانة سافر بنفسه إلى مليلية وتقابل مع الجنرال خورذانة فصرح له أنه عزم على التأخر من السياسة (ص. 7 ب) ولزوم خطة الحياد، وقال له أيضا إن كنتم لا بد لكم من الانتقام بي فها أنا بين أيديكم الآن فافعلوا ما تشاؤون وإنه بهاته الحالة أيضا يسحب ولديه (أنا وأخي). فأقفل الوالد راجعا إلى النكور وبقيت أنا وأخي في أشغالنا وكنا تكلمنا مع الوالد وخاطبناه في الصبر ومنيناه بتحسن السياسة في المستقبل ولكن الوالد قد عزم على الانسلاخ من السياسة وانسلخ فعلا. وبعد أيام قلائل استدعته الحكومة المحلية فأجابهم بأنه لا يفعل وأنه قد أعلمهم بما عزم عليه من خطة الحيدة.

أما نحن فقط تأثرنا من هذا الخبر فعزمت على إرسال أخي للمفاوضة معه فمنعته الحكومة. (ص.9 أ)

 

ورود فارل

وهذا الرجل قد كان ببني بويفرور مهندسا وموظفا عند الشركة الألمانية المعروفة باسم نييتر قبل الحرب الكبرى، ولكن لم تكن بيننا معرفة تامة فقلت له وماذا تريد منا، فقال أريد أن تساعدوني في الخروج إلى الريف وترويج سياستي ضد فرنسا، فأجبته بأن الحالة الريفية لا تسمح له بعمل شيء، وزيادة فالريف تشمله الحماية الإسبنيولية والريفيون ليس لهم عدو غير إسبانيا التي قصدت بلادهم، فقال لي ووالدك فقلت له إن والدي يريد على ما صرح به وعلى ما أعلمه أن يلزم خطة الحيدة، فقال لي إن إسبانيا لا تتقدم بل تترك للريف المجال لترويج سياسته، وهكذا انفصلنا فخرج فارل للريف ومكث هناك نحو ثلاثة أشهر ورجع مريضا إلى مليلية حيث مات.

أما أنا فقد أعلمني الوالد بورود أجنبي إلى داره وأنه لا يقبل شيئا مما ذكره له وأنه عزم على بعثه إلى بني سعيد على حدود الاصبنيول. ثم لما وصل إلى بني سعيد وانتشر خبره وخاطبه رؤساء الريف في إنشاء خط حربي ضد الإسبنيول وأجابهم بالقبول قبضني الجنرال أيسبورو وأشاعوا في مليلية أنهم قبضوني بدعوى المؤامرة مع فارل.

 

كوبل

هذا الرجل لم تكن لي معرفة تامة به ولا يمكن أن أحقق جنسيته ولكن من المعلوم بالتواتر في مليلية أن امرأته إسبنيولية ويقول البعض أنه حرف اسمه الحقيقي وكان يسكن وراء القيادة العامة، حيث الإدارة الوطنية أيضا، وقد اكتسبت هذه الدار صفة إدارة لأشغال كبيرة بحيث يشاهد المار دائما جمعا من الناس وأكثرهم الضباط الإسبنيوليون. أما عمله فقد كان يرسل الدراهم والذخائر الحربية لعبد المالك.

 

براءتي من التهمة التي أشاعوها

عند إلقاء القبض علي عينوا لي ضابطا برتبة كورونيل لإجراء البحث، ولما (ص.10 أ) أتم السؤالات والبحث صرح (ص. 8 ب) للجنرال خورذانا ببراءتي مما أشيع علي، فأجاب الجنرال خورذانا من تطوان أن ابن عبد الكريم يبقى في السجن سياسيا حتى يقدم والده، وأخبرني بهذا قائد الحصن الذي كنت موقوفا فيه والضباط المكلفون بالسياسة حينئذ، وأوعزوا لي أن أكتب للوالد وأطلب منه القدوم ولو لجزيرة النكور، ولكن قد قدمنا أن الوالد كان لا يرى نتيجة في تجديد عمل ما سياسي مع إسبانيا والريفيين فامتنع من القدوم ولو كنت أنا موجودا عند الحكومة. وهكذا قضيت في الإيقاف أحد عشر شهرا من غير ذنب. وفي الأخير تداخل بعض الرؤساء من الريفيين وبعض أصدقائنا إصبنيوليين وحثوا على الوالد في القدوم والتلاقي في جزيرة النكور مع الجنرال ريكلمي، وكان إذاك برتبة كورونيل فأطلقوا سراحي على شرط إعطاء ضمانة، وهي ثلاثة رجال من عائلتي، ووعدونا بتحسين الحالة وتغيير السياسة فبقينا على هاته الحالة أنا في الدار والمراهين عندهم مدة تقرب من العام ونحن نطالبهم بإطلاق المراهين ولزومنا للحيدة أو تحسين السياسة. وفي الأخير أجابوا بإطلاق المراهين ورجوعي إلى الوظيف.

 

رجوعي إلى وظيف القضاء

رجعت إلى وظيف القضاء على الكيفية المذكورة وقضيت هنالك عامين وهي إقامتي الأخيرة بمليلية.

ولد سيدي امحمد في أجدير وتربى في حجر والده الذي رباه مثل تربيتي وعلمه العلوم الابتدائية والدينية في مكتب خصوصي على الصفة التي ذكرتها في ترجمتي أنا والعم، غير أنه لم يرسل لفاس بل كانت تبدلت الحالة السياسية ورأى من المصلحة أن يرسله معي لمليلية لتلقي العلوم العصرية، فمكث معي في المدرسة الابتدائية التي أسستها الحكومة كما قدمنا، مدة يتعلم فيها فأتى مشروع من الحكومة بانتخاب اثنين من الشبان المتخرجين بهاته المدرسة وإرسالهما إلى مالقة حيث يتعلمون سلك المعلمين فكان الأخ من المنتخبين وذهب لمالقة (ص.11 أ) يتعلم وأحرز على شهادة معلم، فأقفل راجعا للدار حيث أقام مع والده يتعلم العلوم الفقهية والنحوية وغيرها ويعين الوالد في أشغاله الشخصية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى