هكذا تدفع مستشفيات الممرضين نحو الموت باسم الواجب المهني
قبل أسابيع، لقيت ممرضة التخدير والإنعاش، العاملة بالمركز الاستشفائي الإقليمي لآسا- الزاك، رضوى لعلو مصرعها، بعد حادثة سير مروعة لسيارة إسعاف تابعة للمستشفى على مستوى منطقة سيدي عبو، بإقليم اشتوكة- آيت باها، وهي في طريقها رفقة مريضة نحو المستشفى الجهوي الحسن الثاني لأكادير. هذه الحادثة لم تكن معزولة في الزمان والمكان، بل هي حلقة ضمن سلسلة من الحوادث المميتة والمتسببة في عاهات مستديمة لأطر تمريضية كانت ترافق مرضى نحو مراكز استشفائية من مستوى أعلى، قبل أن يصابوا بإصابات بالغة أو تزهق أرواحهم على الإسفلت، ويصيروا رقما جافا على قبر منسي.
يجد أغلب الممرضين والممرضات أنفسهم بشكل يومي بين مطرقة مرافقة مرضى حلوا بمستشفيات ومراكز استشفائية لا تتوفر على تجهيزات أو أطباء أخصائيين، ما يتطلب نقلهم على وجه السرعة نحو مستشفيات من مستويات أعلى بمدن غالبا ما تكون بعيدة بمئات الكيلومترات، وسندان المتابعة بمقتضيات الفصل 431 من القانون الجنائي المتعلق برفض تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر، أو رفض مرافقة مريض على متن سيارات إسعاف لا تتوفر على المعايير الأساسية، أو تزامن ذلك مع خدمة الحراسة. ويجمع أطر الصحة والتمريض بالمنطقة على أن بعض سيارات الإسعاف التابعة للمستشفيات تنعدم فيها الشروط الأساسية للسلامة والوقاية سواء للمريض أو مرافقيه. ويتحدث بعض الممرضين عن أن بعض سيارات النقل الطبي هي «الموت يتحرك»، فبعضها لم تخضع للفحص التقني، وبعضها الآخر لم تخضع لصيانة ومتابعة حالتها الميكانيكية. لكن الغريب أن بعض مديري ومديرات المراكز الاستشفائية يفرضون دوما تشغيل سيارات إسعاف بعينها، فيما يحتفظون بسيارات إسعاف أخرى أفضل منها بكثير لحالات (luxe) قد تفد على مراكزهم الاستشفائية، أو إظهارها في مناسبات معينة. وتشير الإحصائيات، التي دونها الممرضون في لوائح ما تزال مفتوحة، إلى التهام المزيد من الضحايا الذين بلغ عددهم 17 حالة خلال السنوات الخمس الأخيرة، أغلبهم لقوا حتفهم، فيما الباقي أصيبوا بعاهات مستديمة تذكرهم كل لحظة وحين بمأساة رهيبة.
بستانيون وطباخون يسوقون سيارات الإسعاف
قبل سنة 2007 لم يكن هناك بالمغرب حديث عن النقل الصحي، فأول فوج في تخصص «تقني في الإسعاف والنقل الصحي» تخرج سنة 2007، بعد سنتين من التكوين. لكن قبل هذا التاريخ كانت هناك فئة تم تشغيلها ببعض المراكز الاستشفائية، اعتمادا على رخص سياقة يتوفرون عليها، دون أن يكون لهم أي تكوين في كل ما يتعلق بضوابط الإسعاف والنقل الصحي. ويجد بعض السائقين غير المتخصصين في الإسعاف الوضع أفضل لهم في العمل سائقين، بدل التكفل بمهام النظافة والحراسة، والطبخ أو القيام بأعمال أخرى. هذا الواقع انعكس بدوره على جهة كلميم- واد نون. فبإقليم آسا- الزاك المترامي الأطراف، هناك ثلاثة سائقين فقط تابعين للمراكز الاستشفائي الإقليمي. واحد منهم وقعت له حادثة سير، والثاني سائق غير متخصص في الإسعاف والنقل الصحي، فيما الثالث هو الوحيد المتخصص. أما أسطول سيارات الإسعاف بالإقليم فلا يتجاوز أربع سيارات، اثنتان منها في حالة مهترئة وغير صالحتين للاستعمال، فيما الثالثة هي التي وقعت لها حادثة الأسبوع الماضي، أما الرابعة فهي من نوع (SMUR)، أي المصلحة المتنقلة للمستعجلات والإنعاش، وهي في حالة جيدة، لكنها لا تتحرك إلا في حالات «خاصة» وفي المناسبات. وبحسب المعلومات، فهذه السيارة الأخيرة تم إحضارها بالمنطقة عندما حل وزير الصحة السابق أنس الدكالي بالمنطقة. ويصل معدل نقل المرضى إلى كلميم أو أكادير انطلاقا من آسا إلى 20 حالة شهريا. ويتوفر المستشفى الجهوي لكلميم بدوره على ست سيارات إسعاف، اثنتان من نوع (SMUR)، مع العلم أن واحدة من هذا النوع المتواجدة بالمستشفى، يقال إنها ستحول إلى المركز الاستشفائي لطانطان، لكنها ما تزال بكلميم لأسباب غير معروفة. أما عدد السائقين المتخصصين في الإسعاف والنقل الصحي فلا يتجاوز ثلاثة. ويعرف هذا المستشفى بدوره تحويلات مستمرة للمرضى إلى أكادير أو مراكش، ففي الأيام العادية، فإن معدل تحويلات المرضى يصل إلى 14 حالة في الشهر، ويصل في أحيان أخرى إلى معدل 34 حالة في الشهر. أما بسيدي إفني، فأسطول سيارات الإسعاف لا يتجاوز أربع سيارات، فيما لا يتجاوز عدد تقنيي الإسعاف والنقل الصحي اثنين، يساعدهما سائقون آخرون. ويصل معدل تحويل المرضى من سيدي إفني إلى أكادير إلى 14 حالة في الشهر. وبمدينة طانطان، فالوضع لا يختلف عن بقية مدن الجهة، فالمستشفى به ثلاث سيارات إسعاف، واحدة مجهزة، بعدما كانت معطلة، وقام أطر الصحة والتمريض بإصلاحها، فيما هناك سيارتان (خاويتان) لا تتوفران سوى على قنينة الأوكسجين فقط. أما السائقون فهم تقنيون فقط، ولجوا الوظيفة العمومية في ظروف معينة. ويتوفر المستشفى على سائقين فقط، فيما وفرت عمالة الإقليم سائقا آخر تابعا لمصالحها، ويوجد سائق آخر مكلف بنقل الأطباء والممرضين داخل المدار الحضري في حالة الخدمة الإلزامية، كما سبق أن حصل سائقان على التقاعد ولم يتم بعد تعويضهما. وفي عهد المندوب الأسبق، تم تكليف ميكانيكي المستودع بقيادة سيارة إسعاف، فرفض ذلك لعدم تخصصه، وأمام الضغط الممارس عليه تضامن معه التنسيق النقابي، فبقي يشتغل في المستودع فقط.
تفاصيل مثيرة بمستشفى آسا- الزاك
عندما كُلفت الممرضة الراحلة رضوى لعلو بمرافقة المريضة نحو أكادير، طلبت من طبيب بالمستعجلات نقل هذه الحالة عبر السيارة المجهزة (SMUR)، فأجابها هذا الأخير، بحسب ما أكدته مصادر مطلعة، بأنه سيتصل بمديرة المركز الاستشفائي للنظر في الأمر. وقامت الممرضة الراحلة، أيضا، بالاتصال مباشرة بمديرة المستشفى للغاية نفسها، فما كان جواب المديرة سوى أنها ستتصل برئيس مصلحة مستودع السيارات للترخيص لها باستعمال هذه السيارة المجهزة، لتتفاجأ الممرضة، أثناء عملية النقل، بسيارة أخرى غير تلك التي طلبتها، رغم أن القانون يمنح لمقدم العلاجات حق اختيار سيارة الإسعاف الملائمة. أكثر من ذلك، وبحسب معلومات من مصادر تمريضية، فإن مستشفى آسا- الزاك يتوفر على أربعة ممرضين متخصصين في المستعجلات والعناية المركزة، وبالتالي فهؤلاء هم المخول لهم قانونيا مرافقة المرضى عبر النقل الصحي، حسب منشور رقم 100 بتاريخ 6 يوليوز 2011 لوزيرة الصحة آنذاك ياسمينة بادو، والذي يؤكد أن مهام الممرضين لا تتجاوز ما تلقوا فيه تكوينا نظريا وتطبيقيا. وبالتالي، ففئة ممرضي التخدير والإنعاش، التي كانت الراحلة رضوى تنتمي إليها، لا يوجد في دفتر الضوابط البيداغوجية الخاص بها ما يتعلق بالنقل الصحي، بل لا يوجد فيه أيضا ما يتعلق بالإنعاش خارج المستشفيات. ومن جهة أخرى، هناك قرار وزيري آخر يحمل رقم 18.2150 صادر بالجريدة الرسمية في 6 شتنبر 2018، يؤكد أن ممرضي التخدير يقومون بمهام التخدير والإنعاش تحت مسؤولية طبيب الإنعاش وإشرافه المباشر، وهذا معناه أن عملهم يقتصر على الفضاءات التي يوجد فيها طبيب الإنعاش والتخدير، وحتى إذا فرض على هذا الممرض مرافقة مريض، فيجب أن يكون معه طبيب الإنعاش والتخدير داخل سيارة الإسعاف.
وبالعودة إلى الوضع الصحي بإقليم آسا- الزاك، فإن في الوثائق إشارة إلى أن طبيبين متخصصين في الإنعاش والتخدير تابعان للمستشفى، غير أن الواقع يفيد بأن أحدهما اختفى عن الأنظار منذ شهر ماي 2019، وتبعه الآخر في شهر نونبر من السنة ذاتها، واختفى عن الأنظار، كذلك، طبيب القلب والشرايين لما يزيد عن أربعة أشهر، مع غياب تام للطبيب المتخصص في أمراض الرئة والأمراض التنفسية، والذي بسبب غيابه تم نقل المريضة إلى أكادير.
وبحسب وثيقة موقعة بمستشفى آسا- الزاك، فالممرضة الراحلة فرض عليها نظام عمل متعب ومرهق، إذ كانت تشتغل طيلة شهر يناير وفبراير الجاري بشكل مستمر، حيث كانت تشتغل مدة 15 يوما في الخدمة الإلزامية، وفي الـ15 يوما الأخرى في الحراسة، مع العلم أن المادة الرابعة من المرسوم رقم 816.14.2 الصادر في 20 يناير 2015 بشأن التعويضات عن الحراسة والخدمة الإلزامية والمداومة المنجزة بالمؤسسات الصحية التابعة لوزارة الصحة وللمراكز الاستشفائية الجامعية، تمنع الجمع بين الحراسة والإلزامية. وتكشف المادة بوضوح أنه «لا يجوز القيام بالحراسة وبالخدمة الإلزامية بمصلحة صحية خلال نفس الفترة الزمنية». ولا يجب في نظام الخدمة الإلزامية، كذلك، تجاوز 20 وحدة في الشهر حسب القرار الوزاري رقم 08.1940 بتاريخ 23 أكتوبر 2008، في حين أن الممرضة الراحلة قضت شهر نونبر الماضي كله في الإلزامية، حسب وثيقة رسمية.
جهة منكوبة صحيا
عرت واقعة وفاة الممرضة رضوى لعلو واقعا صحيا، بجهة كلميم- واد نون، طالما اشتكى منه سكان المنطقة وأطرها التمريضية، لكن الواقع ظل كما هو ولم يبرح مكانه. وبإقليم آسا نفسه، لم تتغير الوضعية الصحية، ولم تبرح المؤشرات الطبية والتمريضية مكانها، بالرغم من الزيارة التي قام بها وزير الصحة السابق أنس الدكالي إلى المنطقة واطلاعه على الوضع. فكل مستشفيات الأقاليم الأربعة التابعة للجهة (طانطان، آسا- الزاك، سيدي إفني وكلميم) تنقل أغلب الحالات الوافدة عليها نحو مستشفيات أخرى بأكادير أو مراكش، بل حتى المستشفى الجهوي بكلميم، الذي يجدر به استقبال الحالات المرضية الوافدة عليه من الأقاليم الأربعة، لم يستطع تغيير جلده، ليصبح هو الآخر يحول الحالات المرضية الوافدة عليه نحو مستشفيات جامعية، وغالبا يحولها نحو المستشفى الجهوي الحسن الثاني بأكادير. ما تم اكتشافه بعد حادثة الممرضة رضوى، أن قانون العرض الصحي 09-34 لم يحترم، فكان الأجدر بالمركز الاستشفائي الإقليمي لآسا- الزاك نقل المريضة التي وجد الطاقم الطبي محليا صعوبة في تقديم علاج لها إلى المستشفى الجهوي لكلميم فقط، وهذا الأخير هو الذي سيتكفل بتحويل الحالة الوافدة عليها، في حالة لم تكن هناك تجهيزات أو أطباء اختصاصيون لعلاجها، إلى المستشفى الجامعي لمراكش أو الرباط. وفي حال رغبت أسرة مريض تحويله إلى مستشفى آخر، فتبقى لها الحرية في ذلك.
مطالب بتحقيق محايد
قبل فتح تحقيق للمنسقية الجهوية لأعمال التفتيش بجهة كلميم- واد نون، طالب عدد من أطر الصحة والتمريض، وخصوصا زملاء الراحلة رضوى لعلو، الذين نظموا وقفة احتجاجية، حاملين شارات سوداء تعبيرا عن الحزن والغضب، (طالبوا) بفتح تحقيق محايد من قبل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، أو الفرقة الوطنية للدرك الملكي لمعرفة ملابسات الحادث الذي أودى بحياة زميلتهم، وترتيب المسؤوليات، خصوصا وأنه سُجل نوع من التقصير في مستويات مختلفة، بحسب تعبير المحتجين. وطالب هؤلاء بالاستماع إلى الممرضين من قبل محققين تابعين لجهة محايدة، وذلك خوفا من تحريف تصريحاتهم، أو التعرض لضغوطات من جهة، ومن جهة أخرى فلا يمكن لأي طرف مرتبط بهذه المأساة أن يكون حكما في حال أوكل التحقيق لجهة تابعة لوزارة الصحة. وبحسب المعلومات المسربة، فإن التحقيق الذي أنجزته المنسقية الجهوية لأعمال التفتيش، أخلى مسؤولية إدارة مستشفى آسا- الزاك من الحادث، وأخلى مسؤولية السائق منه أيضا، واعتبر أن سيارة الإسعاف كانت في حالة ميكانيكية جيدة، مكتفيا بأن الأمر يتعلق بخطأ في توجيه المريضة.