منذ شروع السلطات في تسليم الجمعيات والشركات، تدبير أسواق القرب والأسواق النموذجية بالعاصمة الاقتصادية، والفشل يرافق مجموعة من التجارب، بسبب اختلالات في التدبير واعتماد أساليب خاصة في تسيير هذه الفضاءات التجارية، باستثناء تجارب أخرى أراد لها التجار النجاح بتضافر الجهود والسعي نحو تجاوز الخلافات التدبيرية.
تزامنا مع حملات تحرير الملك العام، توجه بعض الجمعيات التي تدبر الأسواق النموذجية عددا من الباعة المتجولين، إلى نسخ تجاربهم في احتواء مئات الباعة وإشراك المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مشاريع تنموية مماثلة في مقاطعات العاصمة الاقتصادية، عبر إحداث تعاونيات تستفيد من 70 في المائة من قيمة إنجاز هذه المشاريع.
«الأخبار» تقربكم من خلال الربورتاج التالي من واقع الأسواق النموذجية بالعاصمة الاقتصادية وترصد أهم أسباب فشل ونجاح مجموعة من هذه التجارب.
حمزة سعود
من بين الأسواق بالعاصمة الاقتصادية، التي ترك تجارها المحلات في شكل أطلال من الخشب والبلاستيك وبعض القطع الحديدية، للعمل خارج بناية السوق، سوق المصير بسيدي مومن. مركب تجاري يؤوي عشرات المحلات، في طوابق أنجزتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بشراكة مع مجموعة من الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين.
السوق النموذجي الذي أحدثته المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، سنة 2009، وتم تشييده على مساحة 4000 متر مربع، وكان موجها في البداية لفائدة سكان الحيين الصفيحيين طوما والرحامنة بسيدي مومن، ضمنهم باعة المجوهرات والحرفيون في عدد من المهن والتخصصات، ووصل عدد الأشخاص المستفيدين حينها 420 شخصا.
من بين مظاهر سوء تدبير واستغلال الفضاء التجاري المصير، مغادرة التجار للمحلات التجارية من أجل منافسة «الفراشة» في ظل انحسار المداخيل وضعف الرواج التجاري داخل المركب التجاري الموجه لإنعاش منطقة سيدي مومن تجاريا.
قبل استفادة العشرات من الباعة المتجولين وساكنة سيدي مومن من المحلات التجارية داخل فضاء سوق المصير، دفعوا لقاء ذلك مبالغ مالية تتراوح بين 4 ملايين و25 مليون سنتيم، فيما تمت عملية إعادة بيع عشرات المحلات من طرف المستفيدين منها بأزيد من 40 مليون سنتيم، حسب المساحة.
ووفق عبد الصمد لهدوم، الناطق الرسمي باسم جمعية المصير بسيدي مومن، في تصريحه لـ «الأخبار»، فالتجار منذ استفادتهم من المحلات التجارية، غادروها إلى خارج البناية من أجل منافسة «الفراشة»، رغم النداءات المتكررة من الجمعية من أجل إعادة دوران العجلة التجارية داخل فضاء السوق، في ظل عدم تدخل مقاطعة سيدي مومن لإيجاد حلول عاجلة للملف، منذ أن تسلم التجار السوق.
وغير بعيد عن المركب التجاري المصير، أوصد سوق السعادة النموذجي أبوابه في وجه السكان. داخل السوق أقام حارسه منزلا خاصا به مستعينا بمخلفات المحلات التجارية التي تركها الباعة سابقا من مواد الخشب والكارتون، وبات يلاحق كل من اقترب من الفضاء التجاري المهجور.
سوق اتخذ سكان حي سيدي مومن من اسمه محطة لسيارات الأجرة والنقل السري، بحكم قربها من مدار يسميه سكان المنطقة بـ «السعادة». الباعة المتجولون تمت عملية هيكلتهم منذ سنوات داخل الفضاء التجاري قبل أن يحولوا ملكيات محلاتهم لصالح أشخاص آخرين في متاجرة بحصص الاستفادة، فيما كانت عمليات المصادقة على الإمضاءات الخاصة بالمستفيدين الجدد تتم داخل ملحقة إدارية تجاور فضاء السوق.
سوق أناسي.. مطالبة التجار بـ900 درهم شهريا
جدد عشرات التجار بسوق أناسي النموذجي، عبر أشكال احتجاجية متعددة، خلال الأسبوع الماضي والجاري، رفضهم لتدبير شركة للسوق النموذجي بالمنطقة، تم التعاقد معها منذ سنوات، إثر استمرار الشركة في مطالبتهم بدفع المساهمات، التي يصفها التجار بالمرتفعة مقارنة بسومة باقي الأسواق النموذجية بالعاصمة الاقتصادية.
تجار السوق النموذجي أناسي، يدفعون لقاء استغلال محلاتهم التجارية حوالي 900 درهم شهريا، لصالح الشركة المكلفة بتدبير السوق. ووفق شهادات استقتها منهم «الأخبار» فالتجار يرفضون الاستمرار في دفع هذه المساهمة ويجددون استعدادهم للاعتصام أمام الملحقة الإدارية أناسي التابعة لمنطقة أهل الغلام، بعد أن منعتهم الشركة عبر أعوانها المكلفين بالحراسة من استئناف أنشطتهم التجارية داخل فضاء السوق التجاري، بعد رفضهم أداء ما بذمتهم من مساهمات شهرية ووجود متأخرات عالقة بذمتهم لصالح الشركة المكلفة بالتدبير.
بدورهم، تجار سوق الضمير (سوق حادة سابقا)، مازالوا ينتظرون تشييد السوق النموذجي الموعود، بعد أن أقاموا محلات عشوائية داخل بناية تجاور محطة أولاد زيان بتراب منطقة الفداء مرس السلطان، غير مجهزة ولا تتوفر على الماء والكهرباء.
منذ أزيد من 4 سنوات، إلى حدود اليوم، ينتظر التجار تحرك السلطات لإزالة مخلفات البناء التي يتخلص منها المنعشون العقاريون فوق أنقاض السوق النموذجي الموعود، وهي قطعة أرضية مجاورة.
تشير تصريحات التجار التي استقتها «الأخبار»، إلى أن المساهمات المالية التي دفعوها على امتداد السنوات الماضية، كانوا بصدد اعتمادها لتهيئة السوق، إلا أن الجمعية المكلفة بإعادة التهيئة وتدبير الفضاء التجاري لم تنجز البرنامج المحدد بعد أشركت التجار في المشروع، من خلال مطالبتهم بدفع مساهمات مالية.
عين السبع والحي المحمدي.. تجارب فاشلة
دخلت السلطات على خط إنقاذ سوق البركة، التابع لمقاطعة عين السبع، والذي يعد من بين التجارب التي اعتمدتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مجال أسواق القرب، ومن بين أسباب فشل التجربة وفق التجار إعادة بيع المحلات التجارية لدخلاء عن الحرف والأنشطة التجارية.
يرى تجار استقت «الأخبار» شهاداتهم أن سبب فشل سوق المليار و700 مليون سنتيم، يعود لتدبيره من طرف إحدى الشركات منذ سنة 2018، حيث ألزمتهم بأداء حوالي 300 درهم شهريا عن كل محل تجاري، لقاء خدماتها في تدبير أزيد من 600 محل من خلال أداء فواتير الماء والكهرباء وخدمات أخرى، ليكتشفوا بعد 3 سنوات تراكم أزيد من 100.000 درهم في شكل فواتير وغرامات تأخير، لم تدفعها الشركة، بالإضافة إلى عدم أدائها رواتب الموظفين العاملين لديها لأزيد من 7 أشهر.
واشتكى الباعة طيلة المدة التي ظل خلالها السوق يستقطب المواطنين، من ضعف الأمن في جنباته، خاصة أنه يجاور أراضي عارية وغير سكنية يتعرض المواطنون خلال المرور عبرها نحو السوق إلى السرقة واعتداءات من طرف جانحين، كما رصد التجار تحول الفضاء ليلا إلى مأوى يضم المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، واستغلاله كوكر للفساد من طرف بعض المتشردين.
ولتجاوز التعثر، لجأت السلطات عبر عمالة عين السبع الحي المحمدي، نهاية الشهر الماضي، حسب فاطمة الزهراء بنسلطانة، مديرة سوق البركة بالحي المحمدي، إلى اعتماد استراتيجيات جديدة في التعامل مع الوضع الحالي من أجل بث الروح في المنشأة التي كلف إنجازها أزيد من 1,7 مليار سنتيم.
مديرة السوق تشير إلى أن عمالة عين السبع الحي المحمدي، اقترحت مجموعة من الحلول، من أجل الحصول على الدعم عبر إحداث 3 تعاونيات تضم تجار الهواتف النقالة وأخرى في مجال الألبسة ومهنيين في مجالات مختلفة، داعية المئات من التجار إلى الالتحاق بالمربعات الخاصة بهم من أجل النهوض بالوضعية الحالية للسوق. معتبرة أن الصيغة الجديدة لنشاط التجار داخل البناية، بتنسيق مع السلطات، تقضي بسحب ملكية المحلات التجارية من أصحابها في حال عدم التحاقهم بالسوق، مع إمهالهم مدة أسبوع بناء على إنذارات يتوصلون بها إثر عدم الالتحاق بالمربعات الخاصة بهم داخل فضاء السوق.
من جهته، أكد يوسف الرخيص، رئيس مقاطعة الحي المحمدي، أن سوق الفضل بدوره، التابع للمقاطعة، تسبب المستفيدون من المحلات التجارية في سوء تدبيره، مشيرا إلى أنه يتم التفكير حاليا في أنشطة تجارية لفائدة أصحاب هذه المحلات التجارية بشكل يتلاءم مع المحيط الذي يتواجد فيه، كتحويل الأنشطة إلى بيع الأجهزة المنزلية والهواتف الذكية والأجهزة المعلوماتية، أو تخصيصه لتعاونيات تنشط في مجالات زيت الزيتون أو العسل، وجل هذه المقترحات يرحب بها بعض التجار.
دراسات تقنية كلفت ملايين الدراهم بدون جدوى
تتواصل مشاكل الأسواق النموذجية وأسواق الجملة بمدينة الدار البيضاء، بعد تأخر توصل مجلس الدار البيضاء بالحلول التقنية والإدارية اللازمة المتعلقة بالإنارة وضعف الخدمات على مستوى هذه الأسواق.
نتيجة لتأخر جدوى هذه النتائج، ألغى مجلس مدينة الدار البيضاء، خلال دورة استثنائية، أول أمس الأربعاء، اتفاقية مواكبة نقل سوق الدواجن إلى خارج العاصمة الاقتصادية، ويسري الحال على مجموعة من أسواق القرب والأسواق النموذجية المتعثرة من حيث التدبير بمقاطعات المدينة.
تشير المعطيات المتوفرة إلى أن مجلس الدار البيضاء، كان قد صوت خلال السنة الماضية على تفويت مهام إيجاد الحلول اللازمة للأسواق النموذجية وأسواق الجملة لصالح شركة متخصصة على أن تقدم نتائج توصياتها خلال السنة الجارية.
ويطالب أعضاء مجلس المدينة، بمعالجة اختلالات الأسواق النموذجية في ظل الانتشار الكبير للأوساخ والنفايات داخل عدد منها، مع ضرورة تحسين مردودية البائعين، بالإضافة إلى تخصيص بطاقات لصالح العاملين في جل مرافقه.
ويشير أعضاء بالمجلس الجماعي لمدينة الدار البيضاء، إلى أن تدبير السوق من طرف شركات التنمية المحلية تشوبه مجموعة من التجاوزات، كما يطالب المهنيون بهذه الأسواق بتفعيل مهام لجنة الأثمنة، لضبط الأسعار وتوفير منتوجات بجودة عالية، في حين يتم رصد انتشار كبير للنفايات في ظل تخصيص دوريات للنظافة لا تراعي احترام سير العمليات التجارية.
مؤطر
تجارب استثنائية..
سوق «طارق» بالبرنوصي
من بين الأسواق النموذجية التي أثبتت نجاحها على امتداد السنوات الماضية، سوق طارق بمنطقة البرنوصي. تجار السوق قرروا منذ ولوجهم إلى الفضاء التجاري، إنجاح تجربة هذا المركب التجاري وجعله نموذجا متفردا بين بقية أسواق القرب بالعاصمة الاقتصادية.
داخل السوق توجد أزيد من 7 ممرات شاسعة، تخترقها مسالك تقود الزوار خارج السوق بسلاسة تامة. مساهمات التجار تكفيهم لهيكلته باستمرار والاستجابة للنقائص كلما دعت الضرورة إلى ذلك، وسط إقبال قياسي للزبناء من كافة مشارب المقاطعة.
تجار سوق القرب البرنوصي، طالبوا خلال تقدمهم في إطار تعاونية لإنشاء السوق بالاستقلالية التامة عن السلطات وساهم كل منخرط ضمن مئات الباعة المتواجدين حاليا داخله بـ6000 درهم شكلت 30 في المائة من القيمة الإجمالية لإنجاز المشروع، بينما ساهمت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالباقي (70 في المائة من قيمة المشروع).
سوق «السنغال» بسيدي بليوط
من مقاطعة سيدي البرنوصي، إلى سيدي بليوط، حيث يجاور سوق «السنغال» حي المدينة القديمة، ويعتبر سوقا نموذجيا تدب فيه الحركة التجارية ببعدها المغربي وارتباطها الإفريقي بدول الجنوب.
الباعة داخل السوق، يَكترون المحلات التجارية بسومة شهرية تتفاوت تبعا لموقع المحل التجاري ومساحته، بحيث تبقى المحلات داخل السوق في ملكية السلطات المغربية عبر مقاطعة سيدي بليوط، وموجهة من أجل الغاية النفعية التجارية لفائدة المواطنين المغاربة وباقي الجنسيات الإفريقية.
الفضاء التجاري النموذجي بالرحمة
سوق نموذجي آخر، بجماعة دار بوعزة القريبة من جماعة الدار البيضاء، يضم باعة الخضر والفواكه ويتوسط مدينة الرحمة، بدوره يحظى بإشادة الساكنة من حيث تنظيم العمليات التجارية داخله واحترام التجار للنظام الداخلي للسوق.
الفضاء التجاري النموذجي الرحمة، يغري حاليا مئات الباعة المتجولين، بالتزامن مع حملة تحرير الملك العام، التي تقودها السلطات المحلية بمقاطعات العاصمة الاقتصادية، من أجل تكرار تجربة مماثلة بأحياء مدينة الرحمة وبين تجمعاتها السكنية.