هذه أجواء مباريات كرة القدم في بني ملال أيام الحماية
يونس جنوحي
الفضل في مخطط الري لا يُحسب للمهندسين الفرنسيين فقط، ولكن إلى الناس العاديين الذين وجدوا المال لجعل المشروع ممكنا.
لم يكن الطريق الذي اختارته فرنسا سهلا، الخسائر التي تكبدتها ودمار حربين عالميتين، يليها انخفاض حاد وخطير في قيمة الفرنك، كلها أسباب منعت أناسا جاهزين لدفع المال عن إنفاق مئات الملايين من الفرنكات الفرنسية في قلب المغرب.
وكما قال أحد الفرنسيين بكثير من الفخر: «إننا أمام مقاولة فرنسية جديدة، لكنها تعمل لصالح المغاربة».
الفصل الثالث عشر:
بلاد الأمازيغ
لم أكن أعتقد أن وقتي في بني ملال انقضى كاملا في تفقد السدود والقناطر وشبكات الري، إذ لم يمر يوم واحد من رحلتي دون أن يكون حافلا بالكوميديا، أو أي تجربة أخرى مثيرة للاهتمام.
عندما دخلتُ بني ملال أول مرة، مساء يوم أحد، قادتني أصوات مألوفة في اتجاه ملعب كرة القدم المحلي. كانت هناك مباراة. بعض الشبان كانوا يرتدون أحذية اللعب وآخرون كانوا يلعبون حفاة. كانت الأرض ترابية وقاسية، وإذا لم يتم التحكم في الكرة قبل سقوطها أرضا، فإنها تقفز إلى الأعلى، متجاوزة رؤوس اللاعبين.
الطاقة التي يصرفها اللاعبون في المباراة مذهلة فعلا، خصوصا وأن حرارة الجو كانت مرتفعة.
بغض النظر عن الركلات والتسديدات، تضمنت اللعبة 22 لاعبا كانوا جميعا يمارسون التعليق إلى جانب اللعب. هم في الحقيقة ثلاث وعشرون لاعبا باحتساب الحكم الذي كان يطوف الملعب وصافرة في فمه.
بدا لي، أكثر من مرة، أنه كان يصفر فقط بشكل عشوائي وعَرَضي، لأنني لم أستطع أن أرى أي سبب لبعض قراراته.
المتفرجون لم يكونوا متيقظين جدا.
عشرات من الشبان، شكّلوا دائرة حول الميدان، كانوا يعيقون بين الفينة والأخرى طريق لاعبي الكرة، وبدا أنه لا أحد وجد في هذا السلوك ما يدعو للعجب. إلا أنني اكتشفتُ أن الأمر كان يتعلق بمباراة للهواة، ولم تكن سوى مقدمة للقاء الحقيقي القادم.
الكبار كانوا جميعا يرتدون أحذية اللعب، مع جوارب تناسب ألوان القمصان وأحيانا لا تناسبها.
تلك القمصان الملونة كانت تحمل أرقاما على الظهر.
نادرا ما كانت الأرقام تعكس المكانة الحقيقية للاعب. ولكن ماذا تريد منها؟ فقد كانوا جميعا يجرون بطاقة كبيرة، وبدا أنهم يتحركون داخل الملعب بلا كلل.
وعلى الرغم من حيرتي بسبب تقلبات قرارات الحكم، إلا أن اللاعبين لم يعترضوا على قراراته.
فجأة سمعتُ صوت صراخ خلفي. كانت هناك سيدة كانت تحزم رضيعها خلف ظهرها، ربطت رداءها، ليظهر أسفله خط من الدم. كان الكلب هو الجاني على ما يبدو، وعندما رأى الدم عضّها مرة أخرى.
كان يلعق يدي قبل خمس دقائق فقط، وبدا أنه لم يكن عدوانيا ولا مؤذيا، لكن من الواضح أن حرارة الجو أثّرت عليه.
-«كلب مسعور!».
تردد صدى الصرخة بين مئات المتفرجين.
بدأ الأطفال الذين كانوا أكثر قربا من الحادث، في رشق الكلب بالحجارة. كانوا يُخطئون الهدف، لكنهم يضربون بعضهم البعض.
ما بين مئتي وثلاثمئة شخص عبروا ملعب الكرة جريا، ولأكثر من دقيقة أو دقيقتين، ضاع اللاعبون والكرة وسط الحشد. لكن ما أن حلت اللحظة التي صفر فيها الحكم لإيقاف المباراة، حتى عمّ الصمت.