يونس جنوحي
لن يُنازع أحد في أن المغاربة أقدم من أشرف على مشاريع بناء المساجد في فرنسا. حتى أن المولى يوسف، الذي حكم المغرب منذ 1912 إلى أن توفي سنة 1927، زار مسجد باريس فور انتهاء أشغال بنائه وترأس افتتاحَه بحضور شخصيات من مختلف دول العالم الإسلامي.
لم يسبق أبدا أن صدّر المغرب خطاب العنف إلى فرنسا، ورغم ذلك فإن اليمين الفرنسي دائما ما يحاول الركوب على مناسبة حلول الوفد الرسمي المغربي في مساجد فرنسا خلال شهر رمضان.
وحتى عندما اقترن اسم المغرب بأحداث إرهابية هزت فرنسا، كان أبطالَها فرنسيون من أصل مغربي، ولم يكن يربطهم بالمغرب سوى العطلة الصيفية التي كانوا يقضونها في المغرب خلال طفولتهم، وأغلبهم قطعوا اتصالهم بالمغرب منذ سنوات وتبعوا مسار التطرف الذي تغذيه جنسيات أخرى في أوروبا، وليس المغرب.
لا يوجد سبب مقنع يُبرر تحامل اليمين الفرنسي، وبعض الليبراليين أيضا، على رعاية الأوقاف المغربية لأنشطة شهر رمضان في مساجد فرنسا، وبقية دول أوروبا.
سفارة فرنسا، عبر صفحتها الرسمية، أعلنت أن وزير الأوقاف المغربي استقبل السفير الفرنسي. السفارة لم توضح الأسباب، لكن شرح الواضحات من المُفضحات، ولا بد أن الطرفين معا ناقشا موضوع البعثة المغربية في شهر رمضان والقوانين والشروط الجديدة التي وضعتها فرنسا لقبول اعتماد أئمة في المساجد الفرنسية. ومن بين هذه الشروط إتقان اللغة الفرنسية إتقانا تاما.
وهذه الشروط لا يمكن أن تكون سورا بين الأئمة المغاربة والتعيين في هذه المساجد، إذ إن أغلبهم فعلا يتقنون الفرنسية، ولديهم إلمام بنظريات التواصل وأغلبهم أيضا خريجو الجامعات ومنهم من سبقت له دراسة تخصصات تقنية قبل ولوج مجال الوعظ والإرشاد والإمامة، بتأطير من الأوقاف المغربية.
قبل عقود خلت، كان هناك لغط كبير بخصوص «المحظوظين» الذين يتم تعيينهم في العواصم والمدن الأوروبية. «هجرة الفقها» كانت دائما موضوعا شائكا لا يُثار لا في البرلمان ولا في غيره. حتى أن بعض الأئمة، الذين زاولوا الإمامة في بعض المساجد في أوروبا، كانوا موضوع شبهات واتضح لاحقا أن بعضهم لم يكونوا مؤهلين للوعظ والإمامة. حدث هذا طبعا قبل إشراف الوزارة على موضوع توزيع الأئمة على المساجد. وتكفي، مثلا، معرفة أنه لم يسبق تسجيل حالات هجرة سرية في صفوف الأئمة الذين يشاركون سنويا، وبانتظام، في برامج الوعظ والإمامة في مساجد أوروبا خلال شهر رمضان، وهذه نقطة تُحسب لهم لدى مسؤولي الهجرة في فرنسا، بعكس الرياضيين الذين يختفون من المطار قبل أن يصلوا إلى ملاعب المنافسات.
خطاب التطرف ظهر مع وصول هؤلاء المتطرفين أو «مُنتحلي الصفة»، من مختلف الجنسيات العربية والإسلامية، إلى المنابر، وجلهم كانوا سبب تطرف وتشدد شبان فرنسيين ومغاربة أيضا.
الفرنسيون دفعوا الثمن فعلا، واليوم، بحسب ما تؤكده منظمات حقوقية في سوريا، فإن هناك مئات الأطفال الفرنسيين، لآباء وأمهات فرنسيين أبا عن جد، لا يزالون في مراكز الاعتقال والملاجئ في الحدود السورية التركية. هؤلاء الأطفال وُلدوا في مدن سوريا خلال الحرب، لآباء فرنسيين اختاروا التطرف الذي روج له بعض الفرنسيين المتطرفين بعيدا عن المساجد والمراكز الإسلامية المنظمة التي يحاربها السياسيون في فرنسا الآن. ولا يقوى أغلب السياسيين في فرنسا على فتح النقاش في هذا الموضوع، لأنه يبقى مصدر إحراج لهم.
التطرف خرج من كل مكان في فرنسا، إلا من المساجد التي يرتادها المهاجرون الذين جاؤوا إلى أوروبا لتحقيق حياة أفضل لهم ولأسرهم، وليس لقيادة مشاريع فكرية أو الانتماء إليها. ورغم ذلك، فإن حريتهم في العبادة وممارسة الشعائر الدينية تبقى نقطة يطيب لانتهازي السياسة في فرنسا استغلالها حسب الحاجة، كما لو أنها «شيك على بياض».