نهاية مبارك
خالص جلبي
مع نهاية فبراير 2020 م كان (حسني مبارك) يغرغر في سكرات الموت، بعد أن تعفن في الحكم والتنحية، ومعه تعفنت مصر أكثر. مشكلة حكم العسكر في مصر أنه أغرقها منذ خمسينات القرن الفائت على يد العسكري ناصر، ويبدو أنه في طريقه للخمسين سنة القادمة أيضا، إلى حين ولادة جيل جديد مع موسى هربا إلى صحراء مختلفة، كما حصل مع بني إسرائيل. قبل فترة كنت في مونتريال حين قرأت عن موت (زين العابدين) بدون زينة، بعد أن هرب بنصف طن من الذهب. قالت عنه مجلة «دير شبيغل» الألمانية، كان الرجل حريصا على صبغ شعره أكثر من زوجته الطرابلسية. ومع نفوق (الصالح) اليمني بدون صلاح، ونهاية القذافي على الخازوق، وصدام بالصدمة والمشنقة، وقاسم سليماني بصاروخ حارق، وشارون مسبوتا متعفنا في سرير، والمومياء الجزائرية بوتفليقة بعد أن استعد للانتخاب الخامس فهوى؛ نرى المشهد مترعا في نهاية الظالمين. أفكر جيدا في نهايات الظالمين وأقرأ قوله تعالى عن جهنم، أن لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم. أظن أن ثمة اجتماعا سيكون بين طواغيت الأرض على تلك البوابة، من جنكيزخان وبولبوت وستالين وأضرابهم من طواغيت العرب.
قبل أن يموت (تشاوسيسكو) بأربعة أيام سئل عن الأوضاع في رومانيا، وكان في زيارة إلى طهران، هل يمكن أن تتأثر بالإعصار الذي يدمدم في شرق أوربا وتتساقط فيه تباعا عروش الملوك الحمر؟ قال: سلوا شجرة التين هل تنبت حسكا؟ صحيح أن من حولي تساقطوا، ولكنكم لا تعرفون الشعب الروماني وقيادته الحكيمة. وعندما سألوه عما يحدث في مدينة (تيمي شوارا) والعصيان المدني خلف قس مغمور؟ قال: أما القس الذي حرض على الشغب فهو أخرق مأفون، وأما من حوله فهم شرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإن الجميع حاذرون. وبعد أربعة أيام كان يحاكم ويعدم ولا يعرف قبره. وانطبقت عليه دورة التاريخ فأخرجوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيه فاكهين، كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين.
وأما شاه إيران فقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وضاقت عليه نفسه وظن أن لا ملجأ إلا أمريكا فخذلته ورفضت استقباله، مع أنها هي التي صنعته على عينها. وعندما تشفع لأولاده أن يتابعوا دراستهم سمحت لهم بدون رفقة الوالدين. وعندما شكا من المرض قالوا له بعد وساطات وتوسلات، إنها إقامة للعلاج فقط فإذا قضيت خرجت ولم تعقب. وبعد العلاج دفع بعربة من البوابة الخلفية للمستشفى، فخرج من حيث تخرج النفايات وتدخل البضائع. وعندما أصبح في (باناما) عند ديكتاتور صغير قطعوا عنه التلفون، وبدؤوا يخططون لتسليمه إلى حكومة الملالي الإيرانية فقد جاء دورهم في اللعبة. وعندما آوى في النهاية إلى طاغية مثله، بكى سوء الحال وانقلاب الزمن وتنكر الأصدقاء ونفضت أمريكا يدها منه إلى درجة أن أفردت له ملفا بعنوان (الخازوق) على ذمة حسنين هيكل (ومبالغاته معروفة)، وأن يخاطبه مسؤول أمريكي بقوله: يا صاحب الجلالة يظهر أنك مختل عقليا. وأن يبتلع أحد سماسرته 70 مليون دولار بضربة واحدة، فيعض الشاه على أسنانه محنقا إنها 70 مليونا، فهل ضاعت في أنابيب المجاري؟ وفي النهاية كاد أن يموت الشاه غيظا، فحبس نفسه في حجرة عندما علم أن رجل أعماله (بهبهانيان) اختفى مثل الملح في الماء بمئات الملايين من الدولارات، وهو لا يستطيع أن يقاضيه أو يرفع عليه دعوى، لأنها كانت صفقات سرية. روى كل ذلك (حسنين هيكل) في كتابه (زيارة جديدة للتاريخ)، وكلام هيكل بدون هيكلة.
وفي مصر فتح يديه بالهبات والمجوهرات التي كان يحملها معه في حله وترحاله عسى أن تؤلف القلوب، وقيل إنه حمل معه من ثروة إيران ما زاد عن خمسة مليارات دولار، وما زلت أذكر اعتراف مسؤول بنكي سويسري بأن ثروته زادت عن 20 مليار دولار، وكانت أربع حقائب كبيرة محشوة بالكنوز لا تفارق عينيه حتى قبل موته بلحظات، عسى أن تنفعه يوم الزلزلة فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب. وفي النهاية مات بالمرض الخبيث، أو أمرض وأصبح سلفا ومثلا للآخرين. وحاليا يبرز إلى السطح أن بشار البراميلي كان يدخل لحسابه مع كل يوم ثمن مليون برميل من النفط ما يعادل 40 مليار دولار سنويا، وتقدم خبير هارب من سوريا بتقرير مفاده أن رقم 400 مليار دولار في حساب البراميلي وعائلته، قد تكون مخزنة في عشرات البنوك.
إن أمريكا تستخدم الطغاة ولا تحبهم، فهي تصيخ السمع لخونة الشعوب، ولكنها لا تحب الخائن وتعرف أن دور الجلادين لا يزيد عن (ممسحة زفر)، فإذا انتهى دورهم رسا مصيرهم، حيث ترمى أوراق المهملات في دورات المياه التي نظفت القاذورات لتصبح مع القاذورات وبئس القرار. هكذا رسم مصير الطغاة في التاريخ بريشة سريالية. فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا. وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. هكذا يرسو مصير الطغاة بين طلقة في الرأس مع جرعة سيانيد، كما انتهى هتلر، وبين فرعون يغرق في اليم هو وجنوده أجمعون، أو الإمبراطور الروماني (دوميتيان) الذي يقتله 14 من أهل بيته دفعة واحدة طعنا بالخناجر. وبين تشاوسيسكو الذي انشقت الأرض من تحت قدميه فابتلعته. وبين من دارت عليه الدائرة بعد طول جبروت، ليعلق من قدميه عاريا كالخروف في المسلخ في ساحة عامة، كما حصل (لموسوليني) وعشيقته (كلارا بيتاتشي)، أو إمبراطور الحبشة (هيلاسي) الذي أودع دورة المياه وردم فوقه بالإسمنت. وغالبا ستكون نهاية البراميلي قتلا كما قتل الناس.