نكبة الفروج
تعيش فرنسا حالة غضب أشبه بحداد غير معلن، بسبب خسارة منتخبها في المباراة النهائية لكأس أمم أوربا أمام البرتغال بهدف يتيم، كان كافيا لجعل الديوك يتامى في العيد.
كانت الهزيمة هدية لزعيمة حزب الجبهة الوطنية المتطرف في فرنسا، مارين لوبان، التي حركت جمر العنصرية المدفون تحت الرماد، وطالبت بتسريح جميع لاعبي المنتخب الفرنسي حاملي البشرة السوداء، وإعداد منتخب فرنسي «خالص» على حد قولها. بل إنها تدخلت في اختصاصات مدرب المنتخب وشككت في وطنيته وتساءلت بمكر شديد عن سر عشقه للسود.
ماري لوبان هي البنت الصغرى لمؤسس حزب الجبهة الوطنية، لكنها أشد أبنائه كرها للأجانب، لذا لا تتردد في الدعوة إلى ترحيل جماعي لكل المهاجرين المنتشرين على أرض فرنسا، وفي مقدمتهم اللاعبون الذين هم ثمرة خلطة انصهار المجتمع.
قالت ماري إن الاقتصاد الفرنسي سيتضرر من جراء منتخب مختلط، وأضافت أنه قد آن الأوان لإعارة «الديوك السود» إلى منتخب إفريقي أحوج إلى منتخب جاهز، قبل أن تنفث سموم الكره في وجه الجماهير التي ظلت تشجع المنتخب الفرنسي، واصفة إياه بالغزو الأجنبي للمدرجات.
سخر إعلام الجبهة من منتخب فرنسا، وكتب موقع ساخر مقالا نوه فيه كاتبه بقدرة المدرب الفرنسي ديشان على تكوين نواة لمنتخب إفريقي قادر على المنافسة في دورة كأس أمم إفريقيا التي ستقام في الغابون خلال العام القادم. وغضب المتطرفون من المدرب لعدم إشراكه لاعبين من أصول عربية كبنزيمة ونصري ثم بن عرفة، قبل أن يلتمسوا من خلفه القادم رد الاعتبار للعرب وتكوين منتخب بنفحة عربية يعيد للأمة العربية مجدها القديم.
وإذا كان اللاعبون العرب مجرد قطع غيار بديلة، فلم تحرم منتخبات بلدانهم الأصلية من خدماتهم؟ وعلى الفيفا أن تراعي هذا الجانب وتمنح للمهمشين فرصة رد الاعتبار، إذا تبين أن وراء الإقصاء دوافع عنصرية، سيما وأن البطولات العالمية لم تعد مجرد مباريات كرة، بل تحولت إلى فرصة للسياسيين لخوض مباريات جانبية معفاة من حقوق النقل التلفزي.
في كأس أمم أوربا، شد كثير من الرؤساء والملوك والزعماء السياسيبن الرحال إلى فرنسا بحثا عن فرصة لتلميع صورتهم أمام جمهور الكرة، الذي يظل خارج اهتمامات السياسيين إلى أن يبزغ فجر بطولة كروية أخرى. في مثل هذه التظاهرات يمكن للرئيس الروسي بوتين أن يمنح رقم جواله الخاص للاعب احتياطي ويدعوه للاتصال به في أي وقت شاء دون الحاجة لموعد من الديوان الرئاسي.
في مثل هذه الدورات أيضا، يوزع الرؤساء والوزراء الوعود على منتخباتهم لشد أزرهم ومدهم بالمحفزات، فيتردد الزعماء على المعسكرات للتحدث إلى اللاعبين والمدرب واقتناص سيلفي في إطار مهمة وطنية تستدعي دعما سياسيا من الجهات العليا. لذا ظل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يتنقل من ملعب لآخر وراء «الديوك» أملا في مضاعفة رصيده من الشعبية، وهو يعلم أن فوز فرنسا بكأس العالم سنة 1998، مكن جاك شيراك من التتويج بولاية ثانية.
لا يهتم الرؤساء العرب والأفارقة بكأس العرب وكأس إفريقيا، ولا يرافقون منتخبات بلدانهم في سعيهم نحو اللقب، بل إن كثيرا من سفراء البلدان المنظمة لا يكلفون أنفسهم عناء زيارة مقر منتخبهم، وحين يقررون زيارة المعسكر يلتمسون من رئيس البعثة مزيدا من التذاكر وبذلة رياضية للمنتخب، فيما تمنح لأبنائهم الأسبقية في التقاط الصور مع اللاعبين.
في آخر بطولة كأس للعرب، غاب الملوك والرؤساء والشيوخ والوزراء عن المقصورة الشرفية للملاعب، وحين حصل المنتخب المغربي على كأس البطولة تساءل إيريك غيريتس عن سر غياب وزير الرياضة المغربي عن حفل التتويج، فقيل إنه في مهمة حزبية. أما سفير المغرب في السعودية فكان صادقا حين قال أمام الصحافيين: «لا علم لي بهذه البطولة»، وحين علم أن رئيس الجامعة هو شقيق وزير الخارجية ابتلع ريقه وقال: «الإعلام السعودي مقصر في حق بطولة من هذا الحجم».