شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

نقابات خارج المراقبة والافتحاص زعماء خالدون وقانون المنظمات النقابية في غرفة الانتظار

بعد الجدل الذي أثاره مشروع القانون المتعلق بالمنظمات النقابية المعروض على أنظار البرلمان، بين الحكومة والنقابات، تم الاتفاق في إطار مخرجات الحوار الاجتماعي على إخراج هذا القانون من قاعة الانتظار، والمصادقة عليه قبل نهاية الدورة الثانية من السنة التشريعية الثانية، والتي ستتزامن مع نهاية شهر يوليوز 2023، ويهدف هذا القانون إلى تنظيم وضبط الحقل النقابي، وتحديد مدة ولاية زعماء النقابات، ويتضمن مقتضيات تهم على الخصوص كيفية اختيار مرشحي النقابة أو المنظمة الذين سيكلفون بمهام الإدارة والتسيير في مختلف الأجهزة، كما أكد على ضرورة احترام مواعد انعقاد المؤتمرات الوطنية والجهوية والمحلية، مشترطا أن لا تتجاوز أربع سنوات. كما ستخضع النقابات بموجب هذا القانون إلى افتحاص حساباتها من طرف المجلس الأعلى للحسابات على غرار الأحزاب السياسية، حيث يلزمها القانون بالاحتفاظ بجميع الوثائق المثبتة لمحاسبة المنظمة لمدة عشر سنوات، تبتدئ من التاريخ الذي تحمله هذه الوثائق، وبصرف الدعم المالي السنوي الممنوح لها في الأغراض التي منح لأجلها.

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

ينص الفصل 8 من الدستور على وضع القانون المتعلق بالنقابات على غرار قانون الأحزاب، يحدد القواعد المتعلقة بتأسيس المنظمات النقابية وأنشطتها، وكذا معايير تخويلها الدعم المالي للدولة، وكيفيات مراقبة تمويلها. وهذا الفصل بالإضافة إلى تأسيسه للخطوط العريضة للحرية والمطابقة والدمقرطة، يحيل كذلك على القانون الذي سينظم القواعد المنظمة لتأسيس المنظمات النقابية ومعايير تحويل الدعم المالي للدولة ومراقبة هذه النقابات. وبالتالي فإن دستور 2011، حدد الخطوط العريضة لهذا القانون، وبهذا الحكومة ملزمة بتسريع إخراج قانون النقابات إلى حيز الوجود، إضافة إلى ذلك فإن الدستور تضمن مقتضيات ضمن الفصل 9، التي تحدد الضمانات القضائية المتعلقة بالحل أو التوقيف، وهذا الفصل جاء لإعطاء ضمانات للمنظمات النقابية لممارسة أنشطتها بطريقة سليمة، كما أن الفصل 29 من الدستور أسس لمجموعة من المبادئ المرتبطة بالانتماء النقابي.

 

 

قانون النقابات في غرفة الانتظار

فشلت الحكومتان السابقتان في إخراج قانون يهم تنظيم الحياة النقابية، وتعزيز الحكامة التنظيمية داخل الجسم النقابي المغربي، وكذلك تعزيز الرقابة المالية من خلال فتح المجال أمام آليات الافتحاص المالي للمركزيات النقابية من طرف قضاة المجلس الأعلى للحسابات، على غرار الأحزاب السياسية التي تقدم حساباتها السنوية إلى المجلس، وما زال مشروع القانون محتجزا بمجلس النواب منذ حوالي ست سنوات، دون المصادقة عليه.

ويحدد مشروع القانون المعروض على البرلمان مدة ولاية زعماء النقابات، ويتضمن مقتضيات تهم على الخصوص «كيفية اختيار مرشحي النقابة أو المنظمة الذين سيكلفون بمهام الإدارة والتسيير في مختلف الأجهزة»، و«مدة ولاية الأعضاء المكلفين بالإدارة والتسيير داخل الأجهزة»، و«شروط الانخراط، وإقالة واستقالة الأعضاء» وكذا «أحكام تكفل ضمان تمثيلية النساء والشباب في الأجهزة المكلفة بإدارة وتسيير النقابة»، و«الجهاز المكلف بمراقبة مالية النقابة أو المنظمة»، كما أكد على ضرورة احترام مواعد انعقاد المؤتمرات الوطنية والجهوية والمحلية، مشترطا أن «لا تتجاوز أربع سنوات»، ليردف أن «الفترة الفاصلة بين المؤتمرات العادية لنقابات العمال أو للمنظمات المهنية للمشغلين، لا يجب أن لا تتجاوز المدة المنصوص عليها في النظام الأساسي في ما يتعلق بولاية الأعضاء المكلفين بإدارة وتسيير هيكل النقابة أو المنظمة على جميع المستويات». كما أن النقابات أو المنظمات المهنية، مطالبة بـ«احترام تجديد هياكلها داخل الآجال المقررة في أنظمتها الأساسية، تحت طائلة اعتبارها في وضعية غير قانونية وانعدام الأثر القانوني لأي تصرف صادر عنها، قبل تسوية وضعيتها».

ووضع القانون معيارين أمام المنظمة النقابية للعمال من أجل الحصول على صفة  «الأكثر تمثيلية»، يرتبط  المعيار الأول بحصول النقابة المعنية على «نسبة 6 في المائة على الأقل من مجموع عدد ممثلي موظفي الدولة والجماعات الترابية ومستخدمي المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، في انتخابات اللجان الإدارية متساوية الأعضاء بالقطاع العام، ومن عدد مندوبي الأجراء في الانتخابات المهنية بالقطاع الخاص، على المستوى الوطني»، فيما ينص المعيار الثاني على أن «تكون ممثلة بمجلس المستشارين». وحدد مشروع القانون أربعة معايير لحصول المنظمة المهنية للمشغلين على صفة «الأكثر تمثيلا على المستوى الوطني»، وهي «الرقم الإجمالي للمعاملات الذي حققه منخرطوها على المستوى الوطني، وعدد مناصب الشغل المصرح بها والتي وفرتها أنشطة منخرطي المنظمة، وحجم وجودها على مستوى مختلف القطاعات الاقتصادية، وتمثيليتها بمجلس المستشارين».

وينص مشروع القانون في المادة 100 على أن تمسك «المنظمات النقابية والمهنية للمشغلين، نظاما محاسبيا سنويا»، وبأن «تحتفظ بجميع الوثائق المثبتة لمحاسبة المنظمة لمدة عشر سنوات، تبتدئ من التاريخ الذي تحمله هذه الوثائق». ويلزم القانون النقابات والمنظمات المهنية للمشغلين، بصرف الدعم المالي السنوي الممنوح لها «في الأغراض التي منح لأجلها»، معتبرا أن «كل استخدام كلي أو جزئي للدعم المالي الممنوح من طرف الدولة لأغراض غير التي منح لأجلها، يعد اختلاسا للمال العام يعاقب عليه طبقا للقانون»، وأكد المشروع على أن المجلس الأعلى للحسابات، هو المؤسسة المخول لها «مراقبة صرف الدعم السنوي الذي تستفيد منه المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا على الصعيد الوطني»، لينص في هذا الصدد على أن توجه هذه المنظمات إلى هذه المؤسسة الدستورية، «داخل أجل أقصاه 31 مارس من السنة الموالية للسنة المالية المنصرمة، تقريرا مفصلا عن أوجه استعمال هذا الدعم عن السنة المعينة»، وهذا التقرير «يجب أن يكون مصادقا عليه من لدن خبير محاسب مقيد في جدول هيئة للخبراء المحاسبين، ومرفقا بالمستندات التي تثبت النفقات المنجزة برسم السنة المالية المعنية».

وأوضح مشروع القانون أنه «في حال عدم توجيه التقرير السنوي داخل الأجل المحدد، أو إذا كانت المستندات التي تم الإدلاء بها غير كافية، أو لا تبرر جزئيا أو كليا استعمال الدعم المحصل عليه في الغايات التي منح من أجلها، يوجه الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات إنذارا إلى رئيس النقابة، من أجل تسوية وضعيتها داخل أجل أقصاه 30 يوما، أو ارجاع مبلغ الدعم إلى الخزينة العامة للمملكة»، وأضاف «في حال عدم استجابة النقابة المعنية لإنذار الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، فإنها تفقد حقها في الاستفادة من الدعم السنوي، كما تفقد حقها في الدعم، في حال عدم عقد مؤتمرها الوطني العادي وفق الآجال المنصوص عليها في نظامها الأساسي، وذلك بعد انصرام أجل أقصاه ستة أشهر من التاريخ المحدد لانعقاد المؤتمر»، على أن «تسترجع المنظمة هذا الحق، ابتداء من تاريخ تسوية وضعيتها بهذا الخصوص».

 

رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي

بعد الجدل الذي أثاره مشروع القانون المتعلق بالمنظمات النقابية المعروض على أنظار البرلمان، بين الحكومة والنقابات، أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رأيه بخصوص هذا القانون، الذي ما زال محتجزا داخل لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب منذ سنة 2016.

وأوضح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن مشروع القانون 19. 24 المتعلق بالمنظمات النقابية، يهدف إلى تدارك بعض أوجه النقص في التشريعات الوطنية، وقدم بعض المقتضيات الجديدة تتعلق بضبط وتنظيم الجوانب المرتبطة بالعمل النقابي للعمال والتمثيل المهني للمشغلين، سيما عبر تحديد معايير ومستويات التمثيلية – وطنيا وقطاعيا وجهويا – المتعلقة بالمنظمات النقابية بالقطاعين العام والخاص، كما سعى إلى تطوير حكامة المنظمات النقابية، وإضفاء شفافية على تدبيرها.

غير أن قراءة مشروع القانون، حسب رأي المجلس، تثير كذلك بعض الملاحظات وتفضي إلى بعض الخلاصات الجوهرية، التي تسائل مدى كفايته على الإحاطة ورفع التحديات التي يطرحها الحقل النقابي. ولاحظ المجلس في مشروع القانون، أنه لا يعتمد دائما قواعد الصياغة القانونية الصارمة التي تتوخى الدقة والتناسق والانسجام، ويتجلى ذلك في الديباجة وفي عدد من مواد النص المقترح، في ما يتعلق بالأسلوب، وبتوظيف مصطلحات ومفاهيم دون تعريفها أحيانا، مما قد يخلق التباسا في إدراك المراد من النص.

وأضاف المجلس أن مشروع القانون طرح على أنه يرمي إلى تنزيل أحكام الدستور، غير أن مضمون النص المقترح يكاد يحصر الأمر في تفعيل ما جاء في الفصل الثامن من الدستور، بشأن إصدار إطار قانوني ينظم «تأسيس المنظمات النقابية وأنشطتها، وكذا معايير تخويلها الدعم المالي للدولة، وكيفيات مراقبة تمويلها»، والفصل التاسع الذي ينص على أنه «لا يمكن حل الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية أو توقيفها من لدن السلطات العمومية، إلا بمقتضى مقرر قضائي»،  بينما أغفل مشروع القانون تنزيل أحكام الدستور التي ترمي إلى النهوض بأدوار المنظمات النقابية والمنظمات المهنية، وتشجيع المفاوضة الجماعية، وتكريس الديمقراطية التشاركية، كما تم تقديم مشروع القانون كنص قانوني «شامل»، لتجاوز ازدواجية التشريعات بين القطاع العام والقطاع الخاص في المجال النقابي، بينما ازدواجية القوانين لا تبرر في المطلق الحاجة إلى إصدار نص تشريعي جديد. علاوة على ذلك، فإن مشروع القانون لم يعالج ازدواجية راسخة في التشريعات الوطنية بين الإطار النقابي والإطار الجمعوي، مع العلم أن المعاهدات الدولية لا تميز بينهما، فكلاهما يستند إلى الحق في التنظيم.

وبخصوص الدعم المالي للمنظمات النقابية ومراقبة صرفه، سجل المجلس وجود تمييز في الدعم المالي العمومي، حيث يوجه الدعم المالي للدولة، بمقتضى المادة 113 من مشروع القانون، حصريا للمنظمات النقابية للعمال الأكثر تمثيلا على المستوى الوطني، بينما تحرم من ذلك باقي المنظمات النقابية للعمال والمنظمات المهنية للمشغلين ونقابات الفئات الأخرى غير العمال والمشغلين، وأكد رأي المجلس أنه «لا يفهم الداعي لهذا الاختيار، في ظل وجود قوانين وطنية تشرع وتؤطر تقديم الدعم العمومي للجمعيات على اختلاف أشكالها، بينما تقصى أغلب النقابات من دعم الدولة المالي. مع العلم أن الانتماء إلى جمعية والانتماء إلى نقابة يمثلان الحق نفسه، ألا وهو الحق في التنظيم المنصوص عليه في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وذلك انسجاما مع الإرادة في إصلاح الحقل النقابي، ولدعم أدوار المنظمات النقابية، يتعين إتاحة الدعم المالي للدولة مع إخضاعه لمعايير موضوعية، مثل حجم التمثيلية وتنوعها وتحقيق أهداف ملموسة.

أما بخصوص ترسيخ الديمقراطية الداخلية للنقابات والهيئات المهنية، يسجل رأي المجلس أنه رغم التنصيص على بعض الإجراءات في مشروع القانون، كانعقاد المؤتمرات الوطنية في آجالها، وشفافية التدبير الإداري والمالي، إلا أنه لم يكن حاسما في مسألة المناصفة، وظلت بعض المقتضيات عامة (المادة 8) في ما يتعلق بتحقيقها، كتقلد مهام التدبير والتسيير. وأشار المجلس إلى أن حصر مدة الانتدابات الخاصة بالمسؤوليات في أربع سنوات، دون تحديد عددها، لا ينسجم مع مبادئ الحكامة، ولا يساعد على إمكانية التداول وفتح الطريق أمام الشباب. وفضلا عن ذلك فإن المادة 15 وإن أعطت إمكانية استمرار العامل المحال على التقاعد في الاحتفاظ بعضويته في نقابته الأصلية، أو الانخراط في أي نقابة أخرى من اختياره، فإنها لم تحسم بطريقة صريحة في أمر تحمله المسؤولية من عدمه، أو استمرار تحمل المسؤولية إلى ما بعد نهاية فترة الانتداب، وهو ما يطبع عمل المشرع بالتردد في الأمور التي تعتبر مفتاحا لتفعيل آليات الديمقراطية.

 وأوصى المجلس بضرورة تقوية صياغة مقتضيات المادتين 8 و15، واعتبار المشرع للمعايير والممارسات الجيدة ذات الصلة، والحسم في عدد من القضايا التي من شأنها تكريس نهج الحكامة والديمقراطية في تسيير هياكل المنظمات النقابية والهيئات المهنية، خاصة في ما يتعلق بالدعم المالي المشروط بالمناصفة، وحصر عدد الانتدابات الخاصة بالمسؤوليات، وفتح المجال أمام الشباب في الولوج إلى الأجهزة التداولية لتجديد النخب، والحسم في تحمل المسؤوليات بالنسبة إلى المتقاعدين.

RABAT, MOROCCO – MAY 01 : Workers, organized by labor unions and other labor organization take part in a rally to mark May Day, International Workers’ Day in Rabat, Morocco on May 01, 2016. Every year May Day is observed and commemorated all around Morocco. (Photo by Jalal Morchidi/Anadolu Agency/Getty Images)

قانون الإضراب مازال محتجزا منذ ست سنوات بمجلس النواب

 

 

 لا يزال مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب يراوح مكانه في انتظار بدء مسطرة دراسته بلجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، وذلك على الرغم من مرور أزيد من ست سنوات على إحالته على المؤسسة التشريعية.

وسبق للجنة البرلمانية أن عقدت اجتماعا خصص لتقديم المشروع، خلال الولاية الحكومية السابقة، ما أثار جدلا كبيرا بين الحكومة والنقابات، حيث رفضت هذه الأخيرة الشروع في مسطرة المصادقة على القانون، وطالبت بسحب المشروع من البرلمان، وفتح مشاورات جديدة بشأنه، قبل إعادة برمجته على أجندة أعمال البرلمان، وهو ما أدى إلى تأجيل دراسته بطلب من الحكومة إلى أجل غير مسمى.

ويعتبر مشروع القانون من ضمن آخر القوانين التنظيمية التي نص عليها الدستور، والتي طال أمد انتظار إخراجها، لكن يظل الهدف الأساسي واضحا يتمثل في تنظيم ممارسة هذا الحق الدستوري بما يضمن تأطير وتحسين العلاقات المهنية ويضمن ممارسة حق الإضراب، ويكفل التوازن بين مصالح الأفراد والجماعات والتوفيق بين الحقوق والواجبات التي تعتبر أهم مقومات دولة الحق والقانون.

وينص الدستور في فصله التاسع والعشرين على أن «حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة. ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات. حق الإضراب مضمون. ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته»، ولذلك فإن تحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب بموجب قانون تنظيمي يكسبه أهمية كبيرة نظرا لكون القوانين التنظيمية تأتي في المرتبة الثانية بعد الدستور.

ويتكون مشروع قانون الإضراب من خمسة أبواب ومن 49 مادة، ونص في المادة الخامسة على أن «كل دعوة إلى الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون التنظيمي تعتبر باطلة، كما يعتبر كل إضراب لأهداف سياسية ممنوعا». ووضعت الحكومة قيودا عديدة على ممارسة الإضراب، حيث يوجب مشروع القانون، حسب المادة السابعة، إجراء مفاوضات بشأن الملف المطلبي للعمّال قبل الدعوة إلى الإضراب، وذلك قصد البحث عن حلول، ويضيف أنه في حالة تعذر المفاوضات أو فشلها يتعين بذل جميع المساعي اللازمة لمحاولة التصالح بين الطرفين.

وينص المشروع كذلك على ضرورة اتخاذ قرار الإضراب من قبل الجمع العام للأجراء، يحضره ثلاثة أرباع أجراء المقاولة أو المؤسسة، والذي يجب أن تدعو إليه الجهة الداعية إلى الإضراب خلال 15 يوما على الأقل من التاريخ المزمع عقد الجمع العام فيه، وكذا تبليغ المشغل عن مكان انعقاده قبل 7 أيام، مع اشتراط الحصول على موافقة أغلبية العمال قبل خوضه، وبلوغ نوع من النصاب القانوني قبل الشروع في الدعوة للإضراب، ولابد من الإخطار بقرار الإضراب بمهلة لا تقل عن 10 أيام، مع ضرورة تحديد دواعيه ومكانه وشكله، والكشف عن أسماء المندوبين الداعين إليه في حال عدم وجود نقابة بالمؤسسة.

ويعتبر مشروع القانون المشاركين في الإضراب بالمادة 14 من المشروع في حال توقف مؤقت عن العمل خلال مدة إضرابهم، ولا يمكنهم الاستفادة من الأجر عن المدة المذكورة، ويلزم النص الجهة الداعية للإضراب بإبلاغ رب المقاولة أو المشغل والسلطات المسؤولة ومديرية التشغيل بقرار الإضراب قبل 15 يوما على الأقل من التاريخ المقرر لخوضه، مع تخفيض هذه المدة إلى 5 أيام في حال ما إذا كان الأمر يتعلق بعدم أداء المشغل لأجور العاملين أو وجود خطر يتهدد صحتهم وسلامتهم، ويمنع، حسب المادة 23، بعد إنهاء الإضراب أو إلغائه بمقتضى اتفاق بين الأطراف المعنية؛ اتخاذ قرار إضراب جديد دفاعا عن المطالب نفسها، إلا بعد مرور سنة على الأقل.

أما في حالة الإضراب فيمنع على المضربين، حسب المادة 13، عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب، ويمنع عليهم احتلال أماكن العمل أو مداخلها أو الطرق المؤدية إليها. وحسب المادة 26 يمكن لصاحب العمل حال ممارسة الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون أن يطالب بالتعويض عن الخسائر والأضرار التي لحقت بالمقاولة. ويمنع النص الأجراء من خوض إضراب للدفاع عن المطالب التي تمت الاستجابة لها لمدة تناهز السنة. وفي ما يتعلق بالقطاع العام، يلزم النص الجديد الجهة الداعية إلى الإضراب بإخطار قبلي لا يتعدى سبعة أيام، ويتضمن القانون سلسلة من المواد التي أدرجت عقوبات مادية وأخرى سالبة للحرية لكل من أخل بهذه البنود، ولم يتقيد بإجراءاتها التفصيلية، بالإضافة لتطبيق العقوبات التأديبية.

ميثاق الحوار الاجتماعي.. عودة الثقة بين الحكومة والنقابات بعد سنوات من الجفاء

 

 

بعد أقل من أسبوع على التوقيع على الاتفاق الاجتماعي بين المركزيات النقابية والحكومة، شرعت الحكومة في تنزيل مضامين الميثاق الاجتماعي في اجتماع ضم عددا من الوزراء المعنيين بالميثاق الاجتماع يأتي في إطار التحضير للجولة الثانية من الحوار مع الشركاء الاجتماعيين بدءًا من يونيو المقبل، ولاجتماع الهيئة العليا للحوار الاجتماعي المرتقب في شهر شتنبر القادم، مشيرة إلى أنه قد تم الاتفاق على قيام الحكومة بتشكيل لجان عمل موضوعاتية، ‏ مكلفة بتتبع وتنفيذ مختلف مضامين محضر اتفاق 30 أبريل2022.

ومن جانب آخر، أوضحت مصادر نقابية من  الاتحاد المغربي للشغل أنه جرى الاتفاق بين القيادات النقابية ولجنة وزارية بالإضافة إلى ممثلي «الباطرونا» على عقد لقاء من أجل تحديد هيكل اللجان الموضوعية التي سيتم تشكيلها لمتابعة تنزيل مضامين الميثاق الاجتماعي، وأوضحت المصادر أن من بين اللجان التي سيتم تشكيلها أيضا لجنة خاصة بقانوني الإضراب والنقابات، وذلك بعدما ظلت النقابات منذ أشهر تنادي بإشراكها في الاشتغال على مشروعي هذين القانونين، مبرزة أن الدورة القادمة للحوار  الاجتماعي والتي ستعقد في شتنبر القادم، تأتي قبيل اشتغال الحكومة على مشروع قانون المالية للسنة القادمة، بغية وضع أهم الملفات المالية في أجندة القانون المالي لسنة 2023.

وترى المركزيات النقابية الموقعة على الميثاق الاجتماعي مع حكومة عزيز أخنوش، أن الاتفاق الجديد ترجم جزءا من المطالب النقابية، بينما اتسمت المنهجية المتبعة في الحوار بطابع من «الجدية والفعالية»، حسب النقابات التي رأت فيها خطوة من أجل مأسسة الحوار الاجتماعي، منبهة إلى أن هذه المنهجية الجديدة التي ترتكز على عمل اللجان الموضوعية مع عقد اجتماعين مركزيين أولهما  في شتنبر مع بداية الموسم الاجتماعي، والثاني في أبريل من كل سنة، سيدفع نحو تثبيت هذا الحوار وترسيخه.

وكانت العلاقة بين الحكومة والنقابات  في الولاية السابقة قد اتسمت بالجفاء، وانسحاب النقابات من الحوار الاجتماعي والذي جاء مع نهاية سنة 2018، ليختتم سنة وصفت بالتوتر  الاجتماعي بين النقابات وحكومة العثماني، توتر تمظهر في عدد من الإضرابات والمسيرات التي خاضتها المنظمات  النقابية بأشكال مركزية أو قطاعية، ودفع حكومة سعد الدين العثماني إلى إعلان عرض حكومي هددت بتنزيله من طرف واحد دون الحصول على موافقة النقابات وهو العرض الذي اعتبرته الحكومة هدية رأس السنة للطبقة العاملة مع مطلع 2019 وتضمن الزيادة في الأجور بقيمة 300 درهم في  السلاليم الدنيا على ثلاث دفعات وزيادة  في التعويضات العائلية على الأبناء بقيمة 100 درهم في حدود الأطفال الثلاثة الأوائل على أن تكون على دفعتين بقيمة 50 درهما كل سنة، وقد أعلنت النقابات رفضها للعرض الحكومي المتعلق بالزيادة المشروطة في الأجور لفئات اجتماعية محددة، واعتبرت المركزيات النقابية أن جلسات  الحوار  الاجتماعي  التي دعت إليها رئاسة الحكومة حينها لم تتضمن أي جديد في العرض الحكومي ما دفع المركزيات النقابية إلى إعلان الانسحاب منها ومقاطعة الحوار.

النقابات كانت قد استجابت لدعوة رئاسة الحكومة السابقة في عدة مناسبات على اعتبار أنها ستقدم عرضا جديدا للحوار على أساسه، وهو الأمر الذي لم يحصل، وظل العرض الحكومي جامدا في المقترح الأول، وقد لقي وضع  القطيعة الاجتماعية بين الحكومة والنقابات انتقادات من أعلى سلطة في  البلاد، حيث دعا الملك محمد السادس في خطاب سام لدعوة النقابات والحكومة إلى الجلوس لطاولة الحوار مهما تمخض عنه من نتائج، تنبيه ملكي لم يجد صداه لدى الحكومة التي عادت لتدعو النقابات من جديد إلى المشاركة في جلسة للحوار  الاجتماعي، ووعدتها بتقديم عرض جديد، وهو العرض الذي جعل  النقابات تشارك في الجلسات متفائلة قبل أن تتفاجأ بأن الأمر لا يعدو أن يكون العرض  السابق الذي كانت قد قدمته الحكومة من قبل.

استمرار القطيعة دفع حكومة العثماني إلى تخيير النقابات بين سيناريوهين أحلاهما مر، يتعلق الأول بالزيادة بقيمة مائة درهم بداية من سنة 2019 وأخرى سنة 2020 بالنسبة للسلاليم الدنيا فقط، أو تخصيص المبلغ الذي حددته الحكومة والذي لا يتجاوز 6 مليارات فقط لزيادة شاملة في الأجور لن تتعدى 100 درهم للموظف الواحد، محددة بذلك سقفا ماليا للإجراءات الاجتماعية ربطتها الحكومة بالظروف الحالية التي يتم فيها عقد جلسة الحوار، وهي الظروف  التي تجعل موازين القوى في غير صالح الأجراء والطبقة العاملة، في  الوقت  الذي طالبت النقابات بسلة من المطالب تتضمن تحسين الحقوق النقابية في المؤسسات الإنتاجية، والعمل سياسيا على إحقاق الحق ومأسسة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

واستمرت  القطيعة  النقابية للجلسات الحكومية للحوار، وقد أجمعت المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية على رفض مقترحات الحكومة وعدم الجلوس إلى طاولة الحوار مالم تلين الأخيرة مواقفها ومقترحاتها بما يستجيب لمطالب النقابات، لتتسلم وزارة  الداخلية دفة الحوار  الاجتماعي مع النقابات وتوجه لها الدعوة في إطار منهجية جديدة اعتمدت على اللقاءات المنفردة مع الأمناء العامين للمركزيات. وقد اعتبرت المركزيات النقابية تولي وزارة الداخلية تدبير الملف مؤشرا على قرب الوصول إلى اتفاق حينها وتوجها لدى  الحكومة من أجل تقديم مقترح جديد، وبعد عشرات  اللقاءات  الماراثونية بين الوزارة والنقابات، قدمت الحكومة عبر الوزير عبد الوافي لفتيت آنذاك  عرضا جديدا لإجراءات اجتماعية همت الزيادة في الأجور قبلته النقابات، قبل أن تعود علاقتها مع اشتداد أزمة كورونا مع الحكومة إلى سابق عهدها من القطيعة والجفاء في عامين من الوباء لم تعقد خلالهما حكومة العثماني أي اتفاق جديد مع النقابات، بل ظلت تلوح بين الحين والآخر بتمرير قانوني الإضراب والنقابات.

ثلاثة أسئلة

*: «العمل النقابي بالمغرب يعاني أعطابا ونمطه الحالي بات متجاوزا»

 

*أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بالمحمدية

 

1 – ما  الإطار القانوني الذي يؤطر عمل النقابات في غياب قانون تنظيمي؟

هناك قانون ينظم العمل النقابي في المغرب وأيضا في مدونة الشغل، غير أن الإشكال الحاصل هو أن هذا الإطار القانوني الخاص بالنقابات أصبح متجاوزا، بالنظر إلى طبيعة المستجدات الحاصلة في المجتمع المغربي، وأيضا طبيعة العلاقة التي باتت قائمة بين الدولة والنقابات، وأيضا المنظور الجديد للعمل النقابي، الذي تجاوز التصور القديم للنقابة التي تقوم بعمل اجتماعي محض، بل باتت النقابات مطالبة بخلق توافقات سياسية من خلال الحرص على مصالح الأجراء، وتلك مهمتها الأولى والأساسية، وأيضا من خلال الحرص على السلم الاجتماعي، وهذا أساسي للغاية. وأعتقد أن هذا الأمر لم تستطع النقابات حاليا في المغرب تحقيقه والتأقلم معه، لأنها تعاني من الأعطاب نفسها التي تعانيها الأحزاب، والمتمثلة في ضعف التأطير، ومشكل التسيير وتشرذم العمل النقابي، بالإضافة إلى مشكل القيادات الهرمة، وضعف العرض النقابي المغري الذي من شأنه منح تلك النقابات القدرة على أداء وظيفتها في الدفاع عن المصالح الاستراتيجية للأجراء، وتلك المهمة التقليدية للنقابات، وفي الوقت نفسه مناشدة السلم الاجتماعي، بما يمكن من مأسسة الحوار الاجتماعي وإيجاد حلول بديلة للأوضاع الحالية، وتحريك عجلة الاقتصاد والاستثمار وتعزيز فضاء الحريات النقابية، من خلال إخراج القانون التنظيمي للإضراب، وقد غاب هذا القانون بسبب غياب العرض السياسي المغري للعمل النقابي في المغرب، وهو ما ظهر في الاتفاق الأخير للثلاثين من أبريل الماضي.

 

2-  ما الأعطاب التي تعتري العمل النقابي في المغرب؟

إن مطلب الحكامة النقابية في المغرب يفرض نفسه بإلحاح شديد، وهناك مشكل حقيقي في غياب نموذج العمل النقابي في المغرب. وأرى أن أعطاب العمل الحزبي نفسها تتكرر في العمل النقابي، وهي، كما أشرت، المرتبطة بضعف التسيير والحكامة والقيادات الهرمة للنقابات، وأيضا غياب الحكامة المالية، وكل هذه العوامل والمشاكل متظافرة تؤدي إلى ضعف القدرة التأطيرية للنقابات، وهو ما يتجسد في مظاهر متعددة، إذ إنه لا وجود لأي نقابة تستطيع أن تقدم إحصائيات دقيقة بخصوص عدد منخرطيها، ناهيك عن مظاهر الضعف والتشرذم التي تطبع الواقع  النقابي، وفقدان الثقة في العمل النقابي لدى الأجراء.

أعتقد أن القضايا الأساسية بالنسبة للجسم النقابي بالمغرب لم تتم معالجتها بالشكل المطلوب، فباستثناء الرفع من الدعم المخصص للنقابات، نجد أن عددا من الأسئلة الجوهرية المتعلقة بالعمل النقابي لم تتم الإجابة عنها بل تم تجاهلها. ولعل أهم هذه الإشكالات تلك المتعلقة بضرورة الوصول إلى منظور جديد ومتجدد للعمل النقابي، على اعتبار أن قانون النقابات أصبح متجاوزا، وللأسف لا يتم التداول في هذا الشأن خلال جلسات الحوار الاجتماعي، وهذا الأمر ينفر الرأي العام من هذا المكون الذي هو أساسي، على اعتبار أن الفصل الثامن من الدستور يمنح النقابات مكانة متميزة لدورها في حماية وصون كرامة الأجراء وحقوقهم وتأمين الأمن المجتمعي بمستواه الشامل. وفي خضم هذه الإكراهات هناك العديد من الأسئلة التي تنتظر الجواب عنها، وعلى رأسها قانون الإضراب أيضا، على اعتبار أن السياق العام يستوجب تقديم إجابات بهذا الخصوص.

 

3- كيف يتأثر العمل النقابي بارتباطه بالسياسي والحزبي؟

إن إشكال ارتباط النقابي بالحزبي قديم جديد ويؤثر بشكل أساسي على العمل النقابي في حد ذاته، حيث إن أعطاب ومشاكل الحزب يتم تصديرها للنقابة المرتبطة به، وهنا تصير النقابة في موضع التبعية بشكل أو بآخر للحزب. وهنا وجب التأكيد على ضرورة الاستقلالية بين العمل الحزبي والعمل النقابي، والعمل النقابي لا يجب أن يبقى رهينا لعمل حزبي أو أجندة سياسية معينة قد تؤثر على مردوديته. وهناك مجموعة من الهيئات النقابية التي لا يمكن أن تخرج عن مسار ومواقف الحزب التابعة له، لذا وجب الاشتغال على هذا الجانب من خلال إقرار جانبين مهمين، هما الاستقلالية للقرار النقابي وأيضا إقرار وإرجاع الثقة في الجانب الأول بين الهيئات النقابية والأجراء من جهة وأيضا بين الحكومة والنقابات من جهة ثانية، وهذه الأخيرة لا يمكن أن تتحقق إلا بمأسسة الحوار الاجتماعي، وهو ما بدأنا نشهده من خلال المنهجية التي اعتمدتها الحكومة الحالية عبر التوقيع على ميثاق للحوار الاجتماعي، بخلاف ما كان في الحكومتين السابقتين حيث كان الحوار الاجتماعي محط مناسبات موسمية، وتحول إلى جفاء وتقليل الحكومة من شأن النقابات، بل إلى تماطل في تنزيل عدد من النقاط  التي تم الاتفاق بشأنها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى