سنوات القطيعة ولحظات الانفراج
معسكرات ببلاد الشام لتدريب معارضين مغاربة
بعد غيبوبة سياسية طويلة، قررت سوريا بدعم من المملكة العربية السعودية القطع مع العزلة التي عاشتها لسنوات طويلة. قرر المنتظم العربي إعادة هذا البلد إلى جادة العروبة، ورحب المغرب بالفكرة نظرا لعمق الروابط التاريخية التي جمعت المغرب بسوريا، والتي تجدرت بدماء الجنود المغاربة والسوريين والعرب التي امتزجت وسالت أثناء حرب أكتوبر 1973 دفاعا عن حرمة هذا البلد.
عاشت سوريا محنة حقيقية لأكثر من عقد من الزمان، وتحول البلد الذي كان مؤثرا في الحياة السياسية ومزدهرا في الحياة الفكرية والفنية، إلى بؤرة للقلق وفضاء للحزن، ما انعكس سلبا على الشعب السوري في طمأنينته وفي وضعه المعيشي، وهذه الأزمة ألقت بظلالها على جميع دول المنطقة، سيما بعد تدخل قوى أجنبية.
التوتر السياسي بين المغرب وسوريا يرجع إلى سنة 2011، حين وجه المغرب إلى نبيه إسماعيل، السفير السوري المعتمد لديه، إشعارا بمغادرة المملكة المغربية، مطالبا في الاتجاه نفسه بـ «تحرك فاعل وحازم من أجل تحقيق انتقال سياسي، نحو وضع ديمقراطي يضمن وحدة سوريا واستقرارها».
من جهتها، قامت دمشق بطرد السفير المغربي لديها، ردا على قرار المغرب، رغم أن الملك محمد السادس كان قد أعطى أوامره بسحب السفير محمد الأخصاصي من دمشق، بسبب هجوم مواطنين سوريين في العاصمة دمشق على مقر السفارة المغربية، فكان المغرب سباقا لطرد السفير السوري في الرباط، وهو القرار الأول من نوعه في العالم العربي، وفي ظل إغلاق السفارة المغربية.
في الملف الأسبوعي لـ «الأخبار»، نعيد ترتيب وقائع علاقات بين بلدين فيها سنوات من القطيعة والتوتر ولحظات انفراج.
حسن البصري
+++
حافظ الأسد في قلب محور الشر ضد المغرب
سبق للملك الراحل الحسن الثاني أن وجه خطابا إلى المغاربة، والعرب، بعد استقباله في يوليوز 1986 لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، شمعون بيريز، في مدينة إفران. كانت كلمات الملك بمثابة رد صارم على هجوم قاده ضد المغرب كل من الرئيس السوري السابق حافظ الأسد والعقيد الليبي معمر القذافي.
التقى القائدان السوري والليبي وضما إليهما صدام حسين، فصاغا بيانا ناريا ضد المغرب، وكان البيان بشهادة مؤرخين وباحثين في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بين الدول العربية، انفعاليا خاليا من أي موقف سياسي واضح.
وضع حافظ الأسد يده في يد معمر القذافي ضد المغرب وحاولا جر ياسر عرفات إلى محور العداء، لكن ياسر سبق له لقاء مع بيريز، وسبق أيضا للرئيس المصري الأسبق أنور السادات أن التقاه في مناسبات أخرى، رغم أن البلدين جرت بينهما حربان من أكبر الحروب العربية الإسرائيلية، والتي شارك فيها المغرب لنصرة القضية العربية.
الرد الذي قدمه الملك الحسن الثاني ونشرته أكبر الصحف العربية والدولية، مفاده أن المغرب ما كان ليلتفت إلى التصريحات الانفعالية لحافظ الأسد والعقيد القذافي لو أنهما صرحا بها شفهيا في لحظة انفعال ضد المغرب. لكن ما جعل الملك الراحل يكون حازما في التعامل معهما، أنهما جلسا وصاغا البلاغ بعناية واختارا كلماته بعناية، وهو ما يفيد وقتها بوجود سوء نية ورغبة في التصعيد ضد المغرب.
بعد تلك الواقعة، قاد المغرب مجهودات كبيرة لصالح القضية الفلسطينية، في وقت كان القذافي قد أعلن رفضه القاطع تسليم جبهة التحرير الفلسطينية الإمدادات، وفي الوقت نفسه الذي طرد فيه حافظ الأسد سنة 1987 ممثلين عن السلطات الفلسطينية جاؤوا إليه لحل ملفات بعض اللاجئين.
اتضح أن البيان الثلاثي ضد المغرب، والذي كان ثنائيا فقط في حقيقته، كان مسيسا، والهدف منه كان قطع العلاقات المغربية الليبية التي كانت وقتها تمر بفترة تحسن، توجت بلقاء بين القذافي والملك الراحل الحسن الثاني وتم الاتفاق على وحدة بين البلدين، قبل أن يُفاجئ القذافي الجميع بجلوسه مع حافظ الأسد وشن هجوم ضد المغرب، بعد لقاء إفران 1986.
بعد مرور فترة على الواقعة، عادت العلاقة بين الملك الراحل الحسن الثاني ومعمر القذافي، فيما كان حافظ الأسد على رأس قائمة الضيوف الذين دعاهم الملك الحسن الثاني لحضور القمة العربية في الرباط، نهاية الثمانينيات، واستقبله بحرارة في المطار، وكان الملك الراحل مصرا على أن يجمع كل القادة العرب في مكان واحد، رغم أن بعضهم كانوا يمرون بفترة قطيعة، إذ إن المصالحة بين حافظ الأسد وصدام حسين كانت في المغرب، برعاية شخصية من الملك الحسن الثاني.
أرملة البصري: قضينا 17 سنة في ضيافة الأسد
قدر سعاد ولد غزالة، أرملة الفقيه محمد البصري، أن تعيش حياتها رحالة بين بلدان الاغتراب والنفي، بين مصر وسوريا والعراق وليبيا والجزائر وفرنسا، كانت كلمة السر بينها وبين زوجها «لا تفتحي الباب في غيابي»، فقد كان الزوجان يعلمان أن مسكنهما تحت «الحراسة النظرية».
رافقت سعاد زوجها إلى حيث الاغتراب القصري، ونالت صفة مناضلة بالارتباط الوجداني بأحد اليساريين الداعين إلى النضال المسلح، وعلى امتداد ثلاثة عقود شاركت سعاد البصري زوجها في الاغتراب السياسي.
بالقدر الذي عاش فيه الفقيه وزوجته مطاردة المخزن بقدر ما لقيا في غربتهما الاهتمام والعناية اللازمتين، فوضعية اللجوء السياسي حتمت على المضيف إحاطة الزوجين بكرم حاتمي، خاصة حين يتعلق الأمر بدول يصنفها المغرب في خانة خصوم النظام وأعداء الملكية.
حين سافرت سعاد ولد غزالة مع زوجها محمد البصري إلى سوريا، شعر الفقيه بحجم الاغتراب الذي يلف زوجته حديثة العهد بالزواج، لذا أقنعها بضرورة متابعة دراستها الجامعية في إحدى جامعات دمشق، بعدما خصص النظام السوري للزوجين الهاربين راتبا وسيارة ومسكنا وجوازي سفر. وقضت سعاد في ضيافة الشاميين سبع عشرة سنة، ظل فيها زوجها يتردد على مصر والعراق، دون أن يقطع الخط مع المغرب مسقط الرأس والقلب، فيما اكتفت زوجته برسائل ومكالمات هاتفية مع أسرتها وهي تعلم علم اليقين أنها تحت المراقبة.
ونظرا لعلاقته المتجذرة مع البعثيين، فقد سافر البصري خلال الغزو الأمريكي للعراق، أكثر من مرة إلى بغداد، وحاول تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة كي لا ينهار الحزب البعثي، سيما وأنه كان صديقا لصدام حسين، وظلت زوجته في فرنسا تترقب ما ستسفر عنه جولاته المكوكية بين باريس ودمشق وبغداد، مما أثر سلبا على وضعيته الصحية.
وحسب الباحث الجامعي أحمد ويحمان، رفيق درب البصري، فإن «مقدار «الفقيه» البصري، ليس محصورا بالمغرب، بل كان رفيقا للقادة جمال عبد الناصر والرئيس حافظ الأسد والإمام الخمبيني وصدام حسين».
ناقش البصري مع زوجته ملتمس العودة إلى البلاد، بعدما دعاه الحسن الثاني الملك الراحل، إلى طي صفحة الماضي، وكان هناك إجماع على إنهاء سنوات الاغتراب، وفي العاشر من يونيو 1995 عاد الرجل إلى بلده، لكنه لم يجد من الاتحاديين الحفاوة التي حظي بها عند الجزائريين والليبيين والسوريين.
باسم المصاهرة.. العقيد طلاس يحذر الحسن الثاني من أوفقير
رغم أنه سوري الجنسية، فإن ما يجمعه بالمغرب هي آصرة المصاهرة، التي تربط عائلة الصلح بالعائلة العلوية. في مذكرات «مرآة حياتي»، للكاتب السوري العقيد مصطفى طلاس، الذي شغل طويلا منصب وزير الدفاع السوري، والتي صدرت عن دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر في دمشق، كشف قيدوم رجال الجيش السوري في الفصل الأربعين من المذكرات التي عنونها بـ»إلى المغرب العربي» تفاصيل زيارته للمغرب.
اختار مصطفى طلاس أن يبدأ رحلة سفر ذكرياته بالتذكير بأن أولى زياراته للمملكة كانت سنة 1969 بمناسبة انعقاد المؤتمر الأول لمنظمة المؤتمر الإسلامي عقب حريق المسجد الأقصى، إذ كان ضمن الوفد السوري الذي ترأسه الرئيس نور الدين الأتاسي، باعتباره رئيس الأركان العامة للجيش والقوات المسلحة.
في هذه الرحلة تعرف طلاس على وزير الدفاع والداخلية المغربي آنذاك الجنرال محمد أوفقير خلال عشاء أقامه الأمير مولاي عبد الله، كان الوزير السوري برفقة زوجته أم فراس لمياء الجابري التي ترتبط بصلة قرابة شديدة بفائزة الجابري، والدة علياء الصلح، زوجة رئيس وزراء لبنان الأسبق رياض الصلح، ووالدة لمياء الصلح، زوجة الأمير مولاي عبد الله.
بعد ذلك ينطلق وزير الدفاع السوري للتحدث عن الكيفية التي أبلغ بها الملك الحسن الثاني بشكوكه حول شخص الجنرال أوفقير، ومما جاء في الفصل الذي اختار له عنوان «إعلام العاهل المغربي بنوايا الجنرال أوفقير».
«وصلت إلى استنتاج وقناعة راسخة بأن هذا الإنسان يتآمر على الملك الحسن الثاني، ويعد للإطاحة بالتعاون والتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة الأمريكية حتى يتم إخضاع المغرب للسيطرة الأمريكية التامة».
زار المسؤول السوري علياء الصلح في بيتها ببيروت وطلب منها إبلاغ الحسن الثاني بالمقلب الذي ينتظره، إذ قال لها: «إن الأمانة ثقيلة وأريد أن أريح نفسي من حملها، وأعتقد أنك أفضل من يحمل الأمانة، فقالت: أنا جاهزة»، قلت لها: إن لدي هاجسا لا يخطئ، وهو أن الجنرال أوفقير يعد الترتيبات اللازمة للإطاحة بالملك الحسن الثاني، ووعدتني أنها ستتوجه إلى الرباط بعد غد في أول طائرة من بيروت إلى المغرب».
أضاف اللواء السوري أنه بعد أن فشل الانقلاب، تذكر الملك المعلومات التي أرسلت له من سوريا منذ حوالي ثلاث سنوات، والتي أعلمته بنوايا الجنرال أوفقير الخبيثة تجاه الأسرة العلوية. أثنى الملك الحسن الثاني على المسؤول العسكري السوري، وقال مازحا لحافظ الأسد: «اطمئن لن تطالك يد الانقلابيين بوجود طلاس معك».
خدام: دعمنا الحسن الثاني عسكريا ونحن نحتضن معارضيه
أكد عبد الحليم خدام الرجل القوي في النظام السوري السابق ووزير خارجية هذا البلد لسنوات طويلة، بأن العلاقات بين سوريا والمغرب قد عرفت في الستينات انحباسا لاسيما أمام المد البعثي والناصري، قبل أن تعود إلى طبيعتها سنة 1972.
يقول عبد الحليم إنه قام بجولة في شمال إفريقيا في شهر مارس من نفس السنة، زار خلالها كلا من تونس والمغرب والجزائر ثم موريتانيا، وكان الهدف من الزيارة شرح الوضع بمنطقة الشرق الأوسط، وإخبار هذه الدول بعزمنا على خوض الحرب ضد إسرائيل وطلب الدعم منها.
حل خدام بالرباط قادما إليها من الجزائر، وكان المغرب يعيش حالة احتقان سياسي ويحاول تدبير مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري للصخيرات، يقول عبد الحليم في حوار صحفي: «كانت الصورة التي نحملها عن الملك الحسن الثاني صورة مخيفة، عن ملك يقمع ويقتل، لكن بعد أن جلست إليه وجدت أنه رجل حداثي وعميق، وقد أبان عن عاطفة قوية تجاه سوريا وحرص على دعمها، وقال: نحن ليس لدينا بترول، لكن لدينا قوات سنرسلها لمساندة سوريا والمشاركة في الحرب إلى جانبها. أنا لم أصدق نفسي من الغبطة حين سمعت قوله، وأحسست كما لو أنني قطفت نجمة من السماء، الحسن الثاني سيرسل قوات لمساندة سوريا في حين أننا كنا نحاربه ليل نهار».
اعترف خدام بدعم سوريا للمعارضة من خلال نواة لحزب البعث تشتغل بشكل سري، كما دعم الأسد الطلبة المغاربة المحسوبين على التيارات اليسارية ومكنهم من منح دراسية في جامعات دمشق.
خلال اللقاء الذي جمع عبد الحليم خدام بالملك الحسن الثاني، قال العاهل المغربي إن المملكة المغربية تلقت ضربات من طرف الأسد، مضيفا أن المغرب سيضمد كل الكدمات فقط لأن القضية العربية فوق كل اعتبار، مشيرا إلى أن المملكة هي أبعد بلد عن سوريا جغرافيا إلا أنها الأقرب عرقيا ووجدانيا لأن الرابطة العلوية تجمع الشعبين.
اعترف خدام بنجاح الزيارة التي قام بها إلى المغرب، وما ترتب عنها من تأثير قومي كبير، وفي أول لقاء للرئيس حافظ الأسد مع الملك الحسن الثاني بعد هذا الخبر، «جرت المودة وقامت علاقات جيدة»، بل إن سوريا حاولت تقريب وجهات النظر بين المغرب والجزائر في أكثر من مناسبة، والسعي للمصالحة بين البلدين، لكن دون جدوى. بل إن حافظ الأسد قام بمبادرة لتذويب جليد الخلاف سنة 1974، لكن قضية الصحراء ظلت على امتداد السنوات المتبقية من حياة هواري بومدين الحاجز الرئيسي في وجه مبادرات السلام.
عقيد عسكري ينجو من انقلاب الصخيرات ويستشهد بالجولان
ولد عبد القادر العلام في مدينة سيدي قاسم، يوم 20 شتنبر 1926، تلقى تعليمه العسكري بين مكناس وبوردو، شارك في حرب الهند الصينية وفي حرب الرمال، ونجا بأعجوبة من الموت في انقلاب الصخيرات حيث أصيب في ذراعه، وبعد شفائه أرسله الملك الحسن الثاني إلى الجولان بسوريا للمشاركة في حرب أكتوبر، كقائد لفيلق عسكري تحت إمرة الجنرال عبد السلام الصفريوي.
شارك المغرب في المجهود الحربي العربي ضد إسرائيل بجيش قوامه ستة آلاف جندي وإمكانيات لوجستيكية عبارة عن دبابات ومدفعية ومدرعات قتالية، وسرب طائرات إف خمسة. رغم أن المغرب كان يعرف في تلك الفترة احتقانا سياسيا بعد انقلابي 1971 و1972 بل إن الجيش المغربي غادر البلاد صوب سوريا في اليوم الموالي لإعدام القادة العسكريين المتورطين في انقلاب الطائرة.
قامت التجريدة المغربية باستعراض عسكري في الرباط، قبل التوجه إلى سوريا عن طريق البحر، ووصلت إلى ميناء اللاذقية السوري، ومنه توجهت إلى مرتفعات الجولان حيث تحصنت قبيل اندلاع الحرب، وبمجرد وصول اللواء المغربي كلف العقيد العلام بتسليم رسالة إلى الرئيس السوري حافظ الأسد.
تقول رواية تاريخية سردها الباحث في تاريخ المغرب لحسن لعسيبي، «إن المغرب أدى فاتورة مثقلة بالخسائر البشرية والمادية، حيث قتل أزيد من 170 جندي مغربي في جبل العرب السويداء»، وقيل إن «لواء التجريدة المغربية» قد تمت إبادته بالكامل على يد دروز سوريا بالشمال وليس على يد الجيش الإسرائيلي. وقيل أيضا إن مؤامرة قد حيكت من أجل القضاء على جنود أشاوس لكنهم لا يعرفون طبيعة المكان الذين يقاتلون من أجله إلى جانب وحدات عراقية ساعدت المغاربة على تحرير جبل الشيخ.
وعلل الخبير العسكري محمد لومة في شهاداته على المعركة، سقوط الجنود المعاركة تباعا في الجولان، بـ «الفرق الشاسع بين المؤسسة العسكرية المغربية ونظيرتها السورية، بحيث إن الأداء العسكري لجيش مغربي ينهج العقيدة الفرنسية، سيكون ضعيفا جدا حينما سيتعامل مع نظير له يعتمد العقيدة السوفياتية كالجيش السوري».
مات العلام في ساحة المعركة، وعثر في جيبه على مصحف كريم رافقه أثناء الحصار وهو يمني النفس بالفرج، قبل أن ينهي القصف حياته، ويتقرر دفنه في مقبرة بمدينة القنيطرة السورية وتحديدا في قرية سيتى زينب السور. ولقد حظي قبر العلام وغيره من شهداء الجولان بزيارة الملكين الحسن الثاني ومحمد السادس، الذي كتب في سجل المقبرة: «أترحم بخشوع على أرواح شهدائنا الأبرار في معركة الجولان». كما يقول الباحث حمادي الغاري.
اعترافا بأدائه البطولي في الميدان العسكري، ولتاريخه الرياضي كلاعب في صفوف فريق اتحاد سيدي قاسم، أطلق اسمه على الملعب البلدي بالمدينة، وعلى مدرسة كرة القدم، ومرافق أخرى.
زوجة حافظ الأسد تشيد بمروءة لاعبي المنتخب المغربي
شارك المنتخب الوطني المغربي في دورة رياضية بسوريا، وتمكن من حيازة كأس البطولة التي نظمت احتفالا بتحرير مدينة القنيطرة السورية من الاحتلال الإسرائيلي.
كان الهدف هو الشروع في إعادة إعمار مدينة سورية دمرها الجيش الإسرائيلي، وجاء الدوري ليؤكد التضامن العربي، حيث شاركت عدة دول عربية، أبرزها سوريا ومصر وليبيا والجزائر وتونس. يقول الحارس الدولي المغربي حيمد الهزاز في مذكراته «فقيه في عرين الأسود» للكاتب محمد التويجر: «رافقتنا الانتصارات حيث فزنا على الأردن وعلى مصر وتونس ولبنان ثم الجزائر، وفي نصف النهائي انتصرنا على السودان لنتأهل للمباراة النهائية ضد البلد المضيف سوريا أمام حضور جماهيري قياسي وغير مسبوق في سوريا. انتهت المباراة بالتعادل واحتكمنا لضربات الجزاء التي منحتنا اللقب بالرغم من خوض النهائي في ظهيرة رمضانية وكان اللاعب سعيد غاندي وراء ضربة الجزاء الأخيرة التي منحت المغرب كأسا ثمينة بعد أن تصديت لضربة جزاء سورية».
بعد الظفر باللقب حظي المنتخب المغربي باستقبال من الرئيس حافظ الأسد، في هذا الحفل حصلت واقعة طريفة رواها اللاعب سعيد غاندي لـ «الأخبار»: «أثناء دخول الوفد المغربي لمقر الحفل وسط إجراءات أمنية مشددة مع وجود فرقة موسيقية شامية، عثرت فوق البساط على قلادة ثمينة أخذتها ودخلت القاعة وحين جلست أخبرت ممرض المنتخب الوطني بالقلادة الثمينة التي عثرت عليها، لاحظنا أن أنيسة حرم الرئيس كانت تتحدث مع حارسها الخاص وتشير إلى صدرها، فعلمنا أنهما يتحدثان عن القلادة، حينها طلبت من رفيقي أن يتوجه صوب الحارس الأمني ليخبره بوجود قلادة فوق البساط وأشار إلي حيث تقدمت نحوها وسلمتها لها، حينها ارتسمت على وجهها ابتسامة وشكرتني أنا والبعثة المغربية على نبل الموقف، بل إن الرئيس حافظ الأسد أعطى تعليماته بتمديد مقامنا في سوريا يوما آخر وسلمنا منحة تحفيزية».
الغريب في هذا الاستقبال الرئاسي أن عناصر المنتخب المغربي فوجئت بحافظ الأسد وهو يسلم للاعبي المنتخب السوري مسدسات حقيقية، لم يفهم أحد سر هذه الهدايا، يضيف غاندي: «اعتدنا أن تكون هدايا الرؤساء والملوك عبارة عن منح أو امتيازات أخرى، أما أن تحصل على مسدس فهذا لم يكن في الحسبان. علما أن حافظ الأسد فاجأ الحارس حميد الهزاز رحمه الله وناوله مسدسا سحبه من جيب حارسه الخاص وأمام استغرابنا أعاد حميد الهدية للرئيس».
حين خصص الحسن الثاني قطاره لنقل صباح فخري
حظي الفنان السوري صباح فخري بأكثر من تكريم في ربوع العالم العربي، حيث يوجد في خزينته أكثر من 300 وسام، حصل عليه من العديد من الرؤساء والزعماء ومن بعض الهيئات الثقافية، على امتداد مسيرته الفنية الكبيرة. لكن أبرز القادة العرب الذين وشحوا صدر فخري ، هم: الحسن الثاني والحبيب بورقيبة والسلطان قابوس والملك الحسين وفيصل بن عبد العزيز، كما نال وسام قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، فضلا عن التكريمات التي حظي بها من طرف رؤساء البلديات والأحزاب والجمعيات والهيئات الفنية.
قال فخري في حوار مع الصحافي الراحل رمزي صوفيا: «كان المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني من أهم المكرمين للفن والفنانين، لقد كرمني معنويا وماديا وكان يدعوني لتنشيط سهرات في قصوره بمناطق متعددة من المملكة الشريفة، وكنت أشعر بدفء كلما أتيت إلى المغرب لما لملكه وشعبه من أصالة إنسانية وفنية وعراقة وكرم.. كنت أسعد كثيرا في كل زيارة للمغرب وفي كل تكريم كان يمنحني إياه المغفور له الحسن الثاني، لقد كان إنسانا ذواقا للفن كما هو للسياسة ولكل شيء».
كلما حل الحسن الثاني بمدينة أكادير، إلا وقرر إحياء ليلة روحانية فيه، ويحرص على دعوة الفقهاء و«الطلبة» لقراءة القرآن، إلى جانب الفنان السوري صباح فخري، حيث يتحول القصر إلى فضاء للموسيقى الصوفية مباشرة بعد الانتهاء من حصص الأذكار والابتهالات وسط فضاء كله بخور، ويذكر أهل سوس يوم دعا الملك الفنان فخري لإحياء ليلة صوفية في القصر امتدت إلى التباشير الأولى من الصباح، زهد فيها الملك وقيل إنه ذرف دمعا. وفي هذه الأمسية تفاعل الحاضرون مع أغنية فخري يمدح فيها الملك والتي يقول مطلعها:
فيك كل ما أرى حسن/ مذ رأيت شكلك الحسن/ جل من به عليك من
قيل إن الملك تحدث مع المطرب السوري خلال هذه الأمسية عن مكانة المغرب في نفوس السوريين، وعن التجريدة المغربية التي أرسلها الحسن الثاني للدفاع عن منطقة الجولان السورية، وتحدث عن حجم الوفاء الذي يحفظه السوريون عن بكرة أبيهم لهذه الآصرة، وتقديرهم لهذه المبادرة.
ومن الحكايات التي تروى حول علاقة الملك بالفنان السوري، أن الحسن خصص قطاره الملكي ليقل صباح فخري من الدار البيضاء إلى فاس للمشاركة في مهرجان الموسيقى الروحية، عرفانا بالفنان ومن خلاله بسوريا، وهي المرة الأولى التي وضع فيها الملك قطاره رهن إشارة فنان، وقيل حينها إن عبور القطار قد خلف ارتباكا في المناطق التي مر منها إذ استغرب العمال والولاة ورجال السلطة لمرور قطار الملك دون أن يكون لديهم علم بالموضوع، حيث اعتقدوا أن الملك يقوم برحلة خارج ضوابط البروتوكول.