نحن وحلم تنظيم «المونديال»
حكايات طريفة في مشوار مطاردة حلم تنظيم كأس العالم
يواصل المغرب اختبار حظوظه، للمرة السادسة، بالترشح رسميا لاستضافة نهائيات مونديال العام 2030، غير أن هذه المرة في إطار لمة ثلاثية تجمعه بجاريه بالقارة الأوروبية إسبانيا والبرتغال. وقد تمسكت المملكة المغربية حكومة وشعبا بموقفها في بلوغ الحلم، الذي ظلت تنشده منذ عقود، فلم تيأس بعد وضع الترشيح في خمس مناسبات بشكل فردي، من دون أن تحظى بشرف التنظيم الذي تمنحه «الفيفا».
حين خسر المغرب رهان تنظيم كأس العالم 2026، أمام ملف منافس تضمن ترشيحا ثلاثيا مشتركا قويا جمع الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، آمن بأن في الاتحاد قوة وانتظر الفرصة الملائمة لتقديم ترشيح مشترك، مختلف تماما عن ملفات الترشيح لاحتضان مونديال 1994 و1998 و2006 و2010 و2026.
انتظر المغرب الفرصة الملائمة، ومن كيغالي عاصمة رواندا، وفي يوم واحد، حقق المغرب إنجازين كبيرين، الأول يتعلق بتتويج ملك المغرب محمد السادس بجائزة التميز الرياضي برسم سنة 2022، التي يمنحها الاتحاد الإفريقي لكرة القدم «كاف» لكبار الشخصيات الإفريقية، والثاني هو قرار الترشح المشترك بمعية إسبانيا والبرتغال لتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم 2030، الذي سيحمل، وفق الرسالة الملكية، عنوان الربط بين إفريقيا وأوروبا، وبين شمال البحر الأبيض المتوسط وجنوبه، وبين القارة الإفريقية والعالم العربي والفضاء الأورومتوسطي.
في هذا الحفل العالمي، ضربت المملكة المغربية سرب عصافير بحجر واحد، فقد كشفت للعالم إصرارها على مطاردة الحلم، وجاهزيتها لاحتضان أكبر التظاهرات الكونية، وسعيها لتنزيل قيم الرياضة على أرض الواقع. فليس من اليسير على أي دولة إفريقية أن تحظى بهذا الاعتراف القاري والعالمي المستحق، وجعل الاستثمار في الكرة في القيم الرياضية النبيلة وسيلة لبلوغ المجد الرياضي، بعيدا عن الاستغلال السياسوي كما يجري لدى جيراننا، الذين جعلوا من كرة القدم حربا دبلوماسية وفضاء للتضليل والقذف والتشهير.
الترشيح المشترك للمغرب وإسبانيا والبرتغال.. تاريخ وجغرافيا
أبديا رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، ونظيره البرتغالي أنطونيو كوستا، كامل الترحيب بالمغرب في الملف المشترك لتنظيم كأس العالم 2030، مبرزين أنها إضافة جيدة ودفعة قوية لهذا الملف الطموح.
وقال سانشيز، خلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب القمة الإسبانية البرتغالية في لانزاروت يوم الأربعاء الماضي، إن «هذا القرار يضع الترشح المشترك في ظروف أفضل للتمكن من الفوز بهذا الرهان»، وأضاف: «هذا الملف المشترك بمثابة مشروع طموح وفيه رسائل إيجابية للغاية، فهو يساعد على الاتحاد وليس الانفصال». من جانبه، قال أنطونيو كوستا، رئيس وزراء البرتغال: «الاتحادات الكروية الثلاثة توصلت إلى اتفاق، وهذا الترشح من شبه الجزيرة الإيبيرية والمغرب له شحنة إيجابية جدا، وهو يبعث برسالة إلى العالم، لسنا بمثابة قارتين بعيدتين ولا نريد الانفصال بل على العكس نريد الاحتفال بالممارسة المشتركة للرياضة. إنه قرار مهم جدا. هذا الترشيح له وزن إيجابي للغاية يقول للعالم بأسره ولأوروبا وإفريقيا، إننا قارتان متجاورتان ترغبان في العمل سويا. هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تقديم ترشيح مشترك على جانبي البحر الأبيض المتوسط بين إفريقيا وأوروبا».
وكان الملك محمد السادس قد أعلن، يوم الثلاثاء الماضي بكيغالي، عن ترشح المغرب بشكل مشترك مع إسبانيا والبرتغال لتنظيم كأس العالم 2030، وهو الترشيح المشترك، الذي يعد سابقة في تاريخ كرة القدم.
من جهتها، تفاعلت الجامعة الملكية الإسبانية لكرة القدم، بدورها، مع ترشيح إسبانيا والبرتغال والمغرب لاستضافة نسخة 2030 من مونديال كأس العالم لكرة القدم ووصفته بـ «التاريخي»، مؤكدة أن هذا الترشيح غير المسبوق سيعزز الروابط بين أوروبا وإفريقيا.
وقالت الجامعة الإسبانية لكرة القدم في بيان: «هذا ترشيح تاريخي لأنه للمرة الأولى ستنظم بطولة كأس العالم بشكل مشترك في قارتين مختلفتين». وأضافت أن اتحاد الدول الثلاث المجاورة في تعزيز الروابط بين أوروبا وإفريقيا، وكذلك منطقة البحر الأبيض المتوسط بأكملها، سوف يلهم الآلاف من الشباب من القارتين في مشروع مشترك يستثمر التأثير الذي تحدثه كرة القدم على التنمية الرياضية والاجتماعية في المنطقة. وقالت إن الأمر يتعلق بأقوى عرض ممكن لكأس العالم 2030 من الناحية الاجتماعية والرياضية والثقافية، وكذلك من حيث البنية التحتية.
وأجمع خبراء الرياضة المغربية على أن كل المؤشرات الرياضية والاقتصادية والموقع الجغرافي والتلاقح الحضاري والمد الثقافي المغربي الأوروبي عبر التاريخ، تعزز حظوظ الترشيح الثلاثي.
حين اقترح محمد السادس على بوتفليقة ترشحا مشتركا لكأس العالم
في صيف سنة 2018، ومباشرة بعد إعلان فوز الملف الثلاثي الأمريكي والمكسيكي والكندي، بتنظيم نهائيات كأس العالم 2026، اقترح العاهل المغربي الملك محمد السادس على الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الترشح المشترك لتنظيم كأس العالم لكرة القدم 2030.
وقال حسن عبد الخالق، السفير المغربي بالجزائر آنذاك، إن الملك محمد السادس وجه رسالة إلى بوتفليقة، عبر فيها عن صادق الشكر والامتنان لتصويت بلاده لصالح الملف المغربي لاستضافة كأس العام 2026، وقال في تصريح لتلفزيون «البلاد تي في» الجزائري الخاص، إن الملك محمد السادس «سجل باعتزاز كبير هذا الموقف الجزائري»، مضيفا أن هذا الموقف الجزائري «يعكس قيم الشهامة والصدق والوفاء الذي يتحلى بها بوتفلقية، ويعكس في نفس الوقت عمق أواصر الأخوة والتضامن بين الشعبين».
ولم يتضمن تصريح السفير المغربي المنشور على الحساب الرسمي للقناة بموقع «يوتوب» أي إشارة إلى التنظيم المشترك لمونديال 2030.
ويعتبر هذا الاقتراح المغربي تطوراً لافتا في العلاقات بين البلدين التي يشوبها التوتر، حيث إنه منذ 1994 والحدود البرية بين البلدين مغلقة، ولم يصدر أي تأكيد رسمي من الجانبين حول العرض المغربي، كما لم يتطرق السفير المغربي إلى رد الجزائر، علما أن الجزائر صوتت لفائدة الملف المغربي الذي حصل على 65 صوتا فيما حصل الملف الثلاثي على 134 صوتا.
وكان وزير الشباب والرياضة الجزائري، آنذاك، الهادي ولد علي، قد أعلن قرار بلاده رسميا لدعم ترشح المغرب لتنظيم نهائيات كأس العالم 2026، «الجزائر تدعم ترشح المغرب لتنظيم نهائيات كأس العالم 2026، وسنعمل على تنفيذ ذلك بكل فخر واعتزاز».
في أعقاب ذلك، انطلقت تحركات رسمية جزائرية للتقدم بملف مشترك مع المغرب وتونس، ما جعل المسؤولين يفكرون في تنظيم مونديال مغاربي، يعيد الروح لهذا الكيان. وكشفت صحيفة النهار الجزائرية أن خير الدين زطشي، رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم، قرر تقديم طلب رسمي إلى محمد حطاب، وزير الشباب والرياضة، لمناقشة ملف التنظيم المشترك بين الجزائر والمغرب وتونس، لنهائيات كأس العالم 2030، لطرح الملف على الحكومة الجزائرية ومناقشته، خلال انعقاد مجلس الوزراء، ورأى فيها آخرون فرصة لإزالة التوتر عن العلاقات السياسية بين البلدين، علما أن المغرب انتدب نجم المنتخب الجزائري السابق، لخضر بلومي، سفيرا لملف ترشح المغرب لتنظيم نهائيات كأس العالم 2026، برفقة نجوم الكرة الإفريقية الكبار مثل صامويل إيتو، وديديي دروغبا، والحاجي ضيوف.
مونديال 2010.. جبهة صراع بين المغرب وجنوب إفريقيا
قبل أن تندمل جراح الصراع السياسي، دارت معركة أخرى بين المغرب وجنوب إفريقيا، كان مسرحها مقر الاتحاد الدولي لكرة القدم في مدينة زوريخ السويسرية، انتهت بفوز أبناء نيلسون مانديلا بشرف تنظيم كأس العالم 2010، بعد صراع مع المغرب، حسمه جوزيف بلاتر وأعلن النتيجة التي زادت من هوة الخلاف بين البلدين.
حين بدأ العد العكسي لحسم ملف تنظيم كأس العالم، حل داني جوردان رئيس اللجنة المنظمة لكأس إفريقيا بجنوب إفريقيا بالمغرب أملا في إقناع المغاربة بالانسحاب من سباق الترشيح، تحت مسمى «المرشح الإفريقي الوحيد»، بل وقدم وعودا بطي صفحة الخلافات، وحاول دفع القيادات المغربية إلى الاقتناع بجدية الملف الجنوب إفريقي.
يقول عبد السلام حبيب الله، رئيس جمعية مغاربة جنوب إفريقيا واتحاد الجاليات العربية، إن الجنوب إفريقيين راهنوا على تنظيم المونديال منذ مدة فتنافسوا مع المغرب حول تنظيم نهائيات كأس العالم 2006 و2010، وأضاف بأن «داني عقد جلسة عمل مع إدريس بنهيمة في الدار البيضاء، الذي كان رئيسا منتدبا للجنة ترشيح المغرب لاحتضان الحدث الكروي الكوني، لكن بنهيمة رفض مقترح جوردان القاضي بانسحاب المغرب من السباق». وأشار داني حينها إلى أن بلاده هي أول من تقدم بطلب استضافة المونديال، قبل المغرب، مضيفا أنه لا نية لجنوب إفريقيا في الانسحاب لمصلحة المغرب، و«عوض أن يكون اللقاء مقدمة لتلطيف الأجواء تحول إلى ضغينة بين البلدين».
لم يستسغ جوردان «البهدلة» التي تعرض لها في الدار البيضاء حين عاد إلى بلاده وهو يجر أذيال الخيبة، وقرر رد الصاع صاعين للمغرب، وانتظر الرجل أزيد من ثماني سنوات ليثأر لنفسه من المغاربة، حيث وجه دعوة إلى محمد عبد العزيز المراكشي «رئيس البوليساريو»، لحضور حفل افتتاح نهائيات كأس العالم في شهر يونيو من سنة 2010. حملت الدعوة
توقيع جاكوب زوما رئيس جنوب إفريقيا، ورغم أن الكيان الصحراوي لا يملك فريقا للكرة وغير معني بالنهائيات فقد حضر بوفد يضم «وزير الرياضة الصحراوي».
مرت الأيام وكشفت لوريتا لينش وزيرة العدل الأمريكية، عن وجود رشاوى وراء تمكين جنوب إفريقيا من تنظيم كأس العالم 2010، وقالت في ندوة صحفية في نيويورك حول فضيحة «الفيفا»، جازمة: «جنوب إفريقيا حسمت صراعها أمام المغرب بالمال ودفع مسؤولوها رشاوى للتأثير على القرار النهائي للمكتب التنفيذي للاتحاد الدولي لكرة القدم»، فيما رد دومنيك شيماهافي، الناطق الرسمي باسم الاتحاد الجنوب الإفريقي، قائلا: «هذا مجرد اتهام لا وجود لتحقيق معمق في النازلة، نحن مستعدون لفتح أبوابنا أمام المحققين». لكن لينش أضافت: «في عام 2004 بدأت المنافسة على استضافة كأس العالم 2010، بين المغرب وجنوب إفريقيا والتي منحت في النهاية لجنوب إفريقيا وللمرة الأولى في إفريقيا. لكن حتى هذا الحدث التاريخي، أفسده مسؤولون في الاتحاد الدولي وسماسرة آخرون باستخدام الرشوة للتأثير على قرار الاستضافة».
شيراك يطلب من رئيس الاتحاد الفرنسي التصويت للمغرب
قال الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم السويسري جوزيف بلاتير، في حوار أجراه مع صحيفة «لوموند» الفرنسية، إن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك طلب سنة 2004 من رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم آنذاك ميشيل بلاتيني، التصويت لصالح المغرب لنيل شرف استضافة كأس العالم لسنة 2010 على حساب جنوب إفريقيا.
وأوضح بلاتير الذي استقال من منصبه، عقب فضيحة الفساد التي هزت «الفيفا»، أن طلب جاك شيراك جاء بسبب العلاقة الجيدة التي تجمع فرنسا بالمغرب، مضيفا بأن لقاء هافيلانج رئيس «الفيفا» السابق، مع الحسن الثاني جعله يقتنع بأن ملك المغرب حريص على التنافس مع الكبار من أجل انتزاع شرف تنظيم المونديال لبلده، «هذا البلد يخوض غمار خامس محاولاته الظفر بشرف استضافة مونديال كرة القدم. أولى المحاولات تمت في العام 1987 بمبادرة من الملك الراحل الحسن الثاني الذي أراد حينها استثمار حالة الانتشاء التي عمت البلاد عقب الظهور المشرف للمنتخب الوطني في مونديال مكسيكو 1986، مستهدفا من تقديم الترشيح تحقيق دعاية واسعة للمغرب».
من جهته، يرى جو هافيلانج أن رؤساء اتحادات محلية استغربوا لطلب المغرب، وقالوا له: «هل ما سمعنا عن ترشيح المغرب لاحتضان المونديال كلام جاد؟ كان جوابي واضحا كأس العالم حلم مشروع للجميع».
ويضيف جوزيف في الحوار نفسه: «الحقيقة أن جزءا كبيرا من المغاربة قبل غيرهم لم يؤمنوا بتنافسية بلادهم وقدرتها على استضافة هذه التظاهرة الكبيرة، فلم يكن هنالك إلا ملعبان يحتاجان إلى ترميمات ضخمة، مع نقص حاد في البنيات التحتية التي تحتاجها مثل هذه التظاهرات، إلا أن عقيدة الملك الراحل الحسن الثاني حينها كانت تذهب إلى أن المغرب قادر على رفع هذا الرهان الضخم.. لقد قال لي بالحرف: «امنحونا التنظيم وسنتدبر التمويل اللازم لنكون جاهزين في الموعد»، مخاطبا جو هافلانج، رئيس «الفيفا».
ولم يكن المغرب يوما أقرب إلى تنظيم المونديال من تلك المحاولة الأولى، فأمام الضعف البين للملف البرازيلي، لم يكن هنالك سوى منافس رئيسي وحيد هو الولايات المتحدة الأمريكية، وكثير من الأعضاء في اللجنة التنفيذية للفيفا لم يكونوا متحمسين لمنح شرف التنظيم إلى دولة تأتي فيها كرة القدم في مؤخرة طابور الرياضات الشعبية بعد البيزبول وكرة السلة وألعاب القوى وغيرها.
ظل هافيلانج يتردد على المغرب ويحظى برعاية ملكية خاصة، بل إن الحسن الثاني طلب من عبد اللطيف السملالي وزير الشباب والرياضة، الاهتمام برئيس الاتحاد الدولي واقترح عليه إقحام الضيف وزوجته في طقوس الأعراس المغربية، وهو ما حصل حيث ظلت زوجة جو ترتدي القفطان المغربي وتحضر الأفراح المغربية، بينما كان زوجها يمارس رغم كبر سنه هوايته المفضلة وهي السباحة، لكن هافلانج رأى في منح التنظيم للولايات المتحدة الأمريكية الفرصة السانحة لزيادة شعبية اللعبة في هذا البلد، الأمر الذي رجح كفة الولايات المتحدة الأمريكية التي فازت بـ10 أصوات مقابل 7 للمغرب وصوتين للبرازيل.
مدراء حملة الترشح لـ «المونديال».. وزير وتقنوقراط
تناوبت عدة وجوه مغربية على منصب مدير حملة الترشح إلى المونديال، كان أولهم عبد اللطيف السملالي، الوزير الأسبق للشباب والرياضة، في مناسبتين الأولى لمونديال 1994 والثانية لكأس العالم 1998، منذ توليه كتابة الدولة في الشبيبة والرياضة، في شهر نونبر 1981، راهن الرجل على الدبلوماسية الرياضية وسارع إلى تنظيم تظاهرات قارية ومتوسطية وعربية بالرغم من معاناته طويلا مع المرض.
في أيامه الأخيرة، اشتد به الحنين إلى مدينة أزمور، وظل يوصي زواره القائمين على الشأن الكروي، بالنضال من أجل تنظيم كأس العالم في المغرب، وقال لهم «لطالما تمنيت أن أحقق هذا الحلم، لا تتراجعوا»، بالرغم من غياب مشاريع على أرض الواقع. في يناير 2001، فارق الحياة وفي نفسه شيء من الألم إزاء رهان لم يتحقق، اسمه مشروع استضافة المغرب لمونديال كأس العالم، رغم أن المغرب افتقد حينها للبنيات التحتية التي كان بإمكانها أن تخول له تنظيم كأس العالم، إلا أنه نجح في كسب ثلاثة أصوات الخاصة بإفريقيا وثلاثة من آسيا إلى جانب روسيا، في ملف أشرف عليه الحسن الثاني رفقة وزيره عبد اللطيف السملالي.
رغم أن سعد الكتاني لا تربطه آصرة بملاعب الكرة ولم تتشرف مدرجات الملاعب باستقباله، إلا أن ملك البلاد محمد السادس قد عينه رئيسا منتدبا للجنة «المغرب 2010»، لذا كان من الطبيعي أن يحيط نفسه بفريق عمل مكون من أشخاص كانوا سببا في تعرفه على عالم الكرة.
وسبق للملك الراحل الحسن الثاني أن عين إدريس بنهيمة على رأس لجنة ترشح المغرب لاحتضان نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2006، رغم أن إدريس لا يتردد على ملاعب الكرة إلا مرة كل سنة.
بعد فشل الكتاني في ترويج ملف المغرب، تم تعيينه مرة أخرى، مندوبا ساميا لـ «جمعية الذكرى 1200 سنة على تأسيس مدينة فاس»، يقول مقربون من سعد الكتاني إن ميزانية الملف التي خصصت لترشيح المغرب لاحتضان كأس العالم 2010، قرابة 160 مليون درهم (نحو 17 مليون دولار) بزيادة 23 مليون درهم عن الحملة السابقة التي خاضها المغرب لترشيحه إلى كأس العالم 2006، منها مليونا دولار لاستضافة ثلاث منتخبات ضمن حملة الترويج.
قال الكتاني: «بعد إعلان اسم الدولة الفائزة بتنظيم كأس العالم 2010 في 15 من شهر ماي 2004، لم أخرج من بيتي وشعرت بالاكتئاب».
حين هزم الألمان إدريس بنهيمة في موقعة التصويت
يعتقد الكثيرون أن إدريس بنهيمة لا يمت بصلة للكرة، وأن رئاسته لهيئة ترشيح المغرب لاحتضان كأس العالم 2006، كان هفوة، والحال أن الرجل له علاقة قديمة بكرة القدم وكان يدبر الشأن الرياضي في كثير من المحطات، حيث ترأس أولمبيك خريبكة وأشرف على تدبيرها وهو في المكتب الشريف للفوسفاط، وكاد أن يرأس الوداد الرياضي بعد أن ألح منخرطو هذا النادي على تعيينه في منصب القيادة، خلفا لعبد الإله أكرم الذي أعلن عدم ترشحه لولاية جديدة، وفي الوقت الذي ظهر فيه سعيد الناصيري، وأعلن نفسه خليفة للرئيس المستقيل.
ويعد إدريس بنهيمة من الكوادر الهامة في الوداد حين شغل منصب نائب للرئيس أكرم ورئيس للجنة الانضباط، بل وساهم من مركزه الوظيفي كمدير للمكتب الوطني للكهرباء في تشغيل العديد من لاعبي الوداد. كما شغل العديد من المناصب السامية كوزير للسياحة والطاقة والمعادن والنقل، ثم كلف بملف ترشيح المغرب لمونديال 2006 ، كما ترأس العديد من المؤسسات الثقافية والاجتماعية وأدار شركة الخطوط الملكية الجوية المغربية.
كان إدريس بنهيمة عضواً ضمن مجموعة التفكير التي أنشأها الملك الراحل الحسن الثاني عام 1996، واحتفظ بمنصبه إلى أن عينه الملك سنة 1997 وزيراً للنقل والملاحة التجارية والسياحة والطاقة والمعادن وهو المنصب الذي ظل يشغله إلى غاية مارس 1998، ليعين عام 2001 من قبل الملك محمد السادس واليا على جهة الدار البيضاء الكبرى، وهي التجربة التي يتحدث عنها بكثير من الامتعاض، ويصفها بالتجربة الفاشلة، إذ لم يدم في المنصب إلا أقل من عامين فقط، ليتم تعيينه بعدها مديرا عاما لوكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لعمالات وأقاليم الشمال..
عندما أسند له الملك الراحل الحسن الثاني ملف ترشيح المغرب لاحتضان كأس العالم لسنة 2006، كان البعض يعتقد أن كفاءة الرجل وعلاقاته وقرابته مع الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك تؤهله لأن يضمن فوز المغرب بشرف احتضان أول كأس عالمية تقام على أرض عربية إفريقية. لكن الرجل فشل في المهمة، وآل تنظيم المونديال إلى ألمانيا.
كيف قاد المغرب حملة ترويجية لدى العرب؟
في حواره مع «الأخبار»، تحدث محمد الكرتيلي عن قصة الترويج للملف المغربي، قائلا: «ما وقع أن المغرب طلب من القطريين إشراك المغرب في دورة الصداقة الدولية، فقام محمد بن همام، رئيس اللجنة المنظمة ورئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، باستبدال مصر بالمغرب نزولا عند رغبتنا، لأن الغاية من المشاركة في هذا الدوري أن جميع البلدان المشاركة ستصوت على ملف الترشيح لتنظيم كأس العالم وكنا من المرشحين ونعول على كسب أصوات لدعم موقفنا. لكن حين اقترب موعد دورة الصداقة حرر الكاتب العام للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم رسالة إلى رئيس الاتحاد القطري يعتذر فيها عن مشاركة المنتخب المغربي في هذه الدورة»، ما أربك القائمين على الملف المغربي والقطريين.
يضيف الكرتيلي: «اتصل بن همام بسعد الكتاني الذي كان حينها رئيسا منتدبا للجنة المكلفة بتقديم ترشيح المغرب لاحتضان كأس العالم لكرة القدم 2010، وعاتبه على هذا القرار، وقال له بالحرف «تصرفكم يفتقد للرجولة، لا يمكن بين عشية وضحاها تغيير جميع البرامج». كان بن همام متوترا وهو ينقل للمسؤول المغربي غضب القطريين، حينها اتصل الكتاني بالجنرال دوكور دارمي حسني بن سليمان، وبالفعل عقد اجتماع طارئ وتقررت مشاركة المنتخب المغربي المحلي في دورة الصداقة لإصلاح ما أفسدته رسالة الاعتذار». وأضاف: «رهاننا الأول من هذه المشاركة ليس هو الظفر باللقب بل هو جلب أصوات للملف المغربي والترويج له، وإصلاح ذات البين مع القطريين وبن همام على خلفية رسالة الاعتذار، وطبعا تم تمثيل الكرة المغربية أفضل تمثيل، وعلى الفور تم تكليفي برئاسة البعثة المغربية».
خصص المغرب طائرة خاصة لجمعية مغرب 2010 كي تكون حاضرة في جولة خليجية للترويج للملف المغربي، كانت البعثة معززة بمحمد الزغاري وسعيد نصر الله ثم محمد مفيد، إلى جانب سعد الكتاني ومستشارته. حل الوفد بالدوحة التي كانت تحتضن المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الدولي لكرة القدم، واستغل الوفد المغربي الحدث للالتقاء بأغلب أعضاء وفد «الفيفا» الحاضر بكثافة في ردهات فنادق الدوحة، وطارت اللجنة صوب الإمارات العربية المتحدة حيث حظيت بعناية خاصة، ومنها إلى البحرين والسعودية. لكن الجنوب إفريقيين استغلوا شتات الملف العربي، حيث لم يكن المغرب وحيدا في حملة الترويج، بل نافسه أشقاؤه التونسيون والمصريون والليبيون، مما أحرج الخليجيين وحولوا دعمهم إلى مجرد مجاملة، فقد قال المصريون للكويتيين أثناء زيارتهم «المغاربة لم يضعوكم في خطة الترويج، لكن مكانتكم عندنا كبيرة». قرب الترشيح بين الليبيين والتونسيين، بعد أن اتفق مسؤولو البلدين على تقديم ملف ترشيح مشترك وهو ما رفضه بلاتير رئيس «الفيفا»، انسجاما مع أطروحة معمر القذافي الذي ذهب إلى أبعد من ذلك واقترح تنظيم كأس العالم بشكل تشاركي بين دول شمال إفريقيا.