شوف تشوف

الرأي

نبوءة القذافي

حسن البصري

كل من تابع المشاهد المرعبة التي أعقبت مباراة الجيش الملكي والمغرب الفاسي، وما تمخض عنها من عنف فاق كل التوقعات، سيتأكد من صدق نبوءة الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، حين نبه في كتابه الأخضر إلى مخاطر كرة يلعبها قلة من الناس، ويتابعها من المدرجات وخلف الشاشات ملايين المشاهدين.

قال القذافي: «إن الرياضة نشاط عام يجب أن يمارس لا أن يتفرج فيه»، ووصف الجمهور الذي يقضي وقته في المدرجات يصفق للأهداف والفرص الضائعة، بالجمهور «المغفل»، داعيا المشجعين إلى النزول لرقعة الملعب من أجل ممارسة اللعبة، لا أن يقتصر دورهم على مناصرة ممارسي الكرة.

لم يتوقف القذافي عند هذا الحد وهو يفلسف الكرة بإيديولوجيا جماهيرية، بل طالب الأمين العام للتجهيز والمنشآت ببناء ملاعب بدون مدرجات، حتى يحارب قدر الإمكان الجمهور المغفل في نظره، ويكرس المفهوم الحقيقي للرياضة للجميع.

مات معمر القذافي وانتهى زمنه، وعشنا زمنا تجرى فيه مباريات الكرة بدون جمهور بسبب الجائحة، لا تنفيذا لمضمون الكتاب الأخضر، كما عشنا زمن «الويكلو» التأديبي الذي يحرم الجمهور المشاغب من ولوج الملاعب، عقابا له على سلوك منفلت.

كان القذافي ينادي بمباريات بدون جمهور، قبل أن تصبح هذه الرغبة جزءا من إجراءات اللجان التأديبية للاتحادات الكروية، التي تحرم الأنصار من التصفيق والصراخ، وتعفيهم من الذهاب إلى الملاعب، عقابا لهم على سلوك منفلت مدرج في قائمة جرائم الملاعب.

في الجزء الثالث من الكتاب الأخضر، يبشر القذافي مواطنيه بزمن تصبح فيه السيارة لمالكها، والأرض لمن يحرثها، وحين شرع الليبيون في تنزيل مضامين الكتاب الأخضر، الذي يعد بمثابة دستور للجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى، دار اقتتال بين الملاك ومن صدقوا زعيمهم، واستولوا على سيارات كانوا يقودونها.

قبل أن يدخل قرار الرياضة للجميع حيز التنفيذ، أقدم القذافي على مسح المنصات الرسمية والمقصورات الشرفية من الملاعب، وألغى بقرار رسمي تصنيفات المشجعين، لا فرق بين مشجع عادي ورئيس فريق، داعيا إلى ما أسماها «عدالة الفرجة»، قبل أن يوسع القرار فيشمل المسارح ودور السينما وقاعات المحاضرات.

في أعقاب أعمال شغب في «ديربي» طرابلس، بين الأهلي والاتحاد، تطرق الزعيم الليبي إلى الحدث في خطاب رسمي، بدا غاضبا لأن ما جادت به قريحته في كتابه الأخضر لم يدخل حيز التنفيذ، أو أسيء فهمه من طرف منظمي المباريات. وحين ارتفعت نبرات صوته وضرب بقبضة يده على الطاولة، التفت إلى أحد مستشاريه وقال له: «الشغب الذي تعرفه مباريات كرة القدم يجب أن يتم التصدي له بشجاعة، سيأتي يوم نفقد فيه ما تبقى من مشجعين معتدلين، أمام اتساع رقعة الجمهور المتعصب لفريقه، لذا سأطالب الأمين العام للفلاحة والإصلاح الزراعي ببناء محمية طبيعية للمشجعين الشرفاء، حتى لا يتعرض هذا الصنف من الناس للانقراض، كما يحصل اليوم للديناصورات».

إن أعمال الشغب التي أعقبت مباراة الأحد الماضي، تجعلنا نسخر من فرجة دامية، تكلف الناس أرواحهم وممتلكاتهم، حتى وإن كانوا غير معنيين بالمواجهة الكروية ونتيجتها. بالقدر نفسه الذي نسخر فيه من مداخلة برلماني أردني أخيرا في مجلس الشعب، حين طالب بسن تشريعات جديدة للحد من نزيف شغب الملاعب، ويا ليت مداخلته توقفت عند هذا الحد، إذ طالب بتبني التجربة المغربية في مكافحة عنف جماهير الكرة، وحين سيقف على ما يحصل في مدرجاتنا من انفلاتات سيسحب ملتمسه، وسيحمد الله لأن الألتراس لم تحتل بعد كل ملاعب النشامى.

كل الوصفات التي كتبها خبراء الكرة، باءت بالفشل أمام كرة محشوة بالهواء الفاسد، وفي كل مرة يقولون إن العملية الجراحية قد نجحت، لكن المريض مات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى