نادية نيازي.. الصحراوية التي تزوجت ميكري بعيدا عن رقابة البوليس الجامعي
حرصت نادية نيازي، منذ ارتباطها بالفنان المغربي يونس ميكري، على العيش في ظل أسرة تستنشق هواء الفن وتتنفس الإبداع، إذ ظلت هذه المرأة الصحراوية الأصول، بعيدة عن الأضواء خلافا لكثير من زميلاتها الممثلات.
شكل ارتباط نادية بيونس حدثا «انتروبولوجيا» في حد ذاته، لأنه جمع بين ثقافة الشرق والصحراء، وهو ما مكن كل طرف من الاندماج في محيط الآخر بهدوء، رغم أن أكثر المتفائلين لم يعتقد يوما أن العلاقة ستدوم طويلا وتكون لها امتدادات في شجرة العائلتين.
كانت نادية تعرف أن الانضمام إلى عائلة ميكري الفنية يتطلب الحد الأدنى من المواهب الإبداعية، كشرط عين للتعايش داخل عائلة تتنفس الفن بكل ألوانه، الغناء والفن التشكيلي ونظم قوافي الشعر والتلحين والتمثيل والإخراج، لذا دأبت على خوض تجربة التمثيل بهدوء وبأقل دعاية ممكنة.
تعرف يونس على نادية في الحرم الجامعي سنة 1980، وتحديدا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، حيث كانت حينها طالبة في شعبة الأدب الإنجليزي، كما كانت متيمة بالمسرح، إذ خاضت تجارب ضمن المسرح الجامعي في بداياته.
في هذه الظرفية التاريخية من الحياة الطلابية كان الفكر الثوري يهيمن على الجامعة المغربية، وكان الحرس الجامعي أو ما يعرف بـ»الأواكس» يحط الرحال بالكليات لإحصاء أنفاس الطلبة المتيمين بالمد الشيوعي، لكن نادية كانت ترسم لنفسها، في صمت، مشوارا فنيا بعيدا عن «المعارك» الفكرية للجامعة المغربية، قبل أن تنجح في احتلال قلب واحد من دعامات عائلة ميكري الفنية، لترافق يونس في بدايته وتساهم معه في بناء شخصية تجمع بين الموسيقى تأليفا وغناء ونظما والتمثيل.
كان عشق «الروك» و«اليوب» و«شيكسبير» القاسم المشترك بين نادية ويونس، العائد من فرنسا قبل أربع سنوات متشبعا بالثقافة الغربية، حيث كان يتأبط شهادة العزف على البيانو من مدرسة «موزيك ديدي» بباريس، وكان يتابع حينها دروسا في الهارموني بالمعهد الوطني للموسيقى بالرباط.
لم يكن للزوجين مدخول قار، لكنهما قررا أن يدخلا التجربة الزوجية استنادا إلى رصيد الطموح الذي يسكن كلا منهما، ولم يتأخرا في إنجاب طفلة في عز البحث عن باكورة أعمالهما، قررت نادية أن تحمل اسم «إيزانة» وهو اسم جدتها الصحراوية الأصول، ويعني الاسم في الفكر الحساني «الأمنية»، وهي البنت التي اختارت استكمال تعليمها الجامعي في الديار الفرنسية.
حين تسأل نادية عن يونس تقول إنه زوج يعادي الروتين، «يقضي معظم وقته بين عمله وهواياته المتنوعة مثل المطالعة والموسيقى والسباحة، إضافة أنه مهووس بالبستنة، عاشق للطبيعة يتفنن في تزيين الحدائق، إبداعاته المختلفة تجعله مشغولا طيلة الوقت وحتى إن كان متواجدا بالبيت فهو دائم الحركية». وتضيف بأنها كانت تعتقد أن جل الرجال يحملون هذا الهوس، لكنها أيقنت أن يونس مفرد بصيغة الجمع.
أما يونس فيصف زوجته بـ «المرأة الصبورة الأصيلة، صاحبة الشخصية القوية، الودودة والاجتماعية. احتضنتني كولد لها لا كزوج، عاشت معي كل المراحل الصعبة، وأنا في بدايتي الفنية برغم أنها لازالت لم تلتحق بالوسط الفني، إلا أنها تفهمت وضعيتي وساندتني جيدا، فهي سيدة مميزة، تحضر فيها كل مواصفات المرأة المغربية التي تسعى للحفاظ على بيتها».
شجع يونس زوجته على ولوج عالم التمثيل، خاصة وأنها ملمة بفن شيكسبير عارفة بضوابط أب الفنون، لذا لم تتردد في خوض التجربة، ووجدت نفسها تجمع، من حيث لا تدري، بين تربية الأبناء وتأهيل الذات لدخول عالم السينما من أوسع أبوابه، برعاية زوجها الذي كان يشكل في جميع أعمالها المخرج الثاني الذي يمنحها دعما خارج بلاطو التصوير. وحين حازت على جائزة أفضل دور في فيلم «عاشقة الريف» أيقنت بالقول المأثور «من جد وجد». لتتعدد محطاتها بين «الخونة» و»النهاية» و«ملائكة الشيطان» وغيرها من الأعمال التي جسدت فيها أدوارا تتماشى وشخصيتها الهادئة، بل إنها وجدت في نرجس النجار المخرجة التي تجيد توظيف امرأة صحراوية لا تبالي بالأضواء.
لم تقتصر نادية على الفن السينمائي والتلفزيوني، بل مارست أعمالا حقوقية، جسدت معاناة المرأة، في مجتمع يلفه الفقر والاضطهاد، وهي المبادرة التي دعمها زوجها واعتبرها مجالا آخر للاشتغال وزوجته، سيما وأن هذا العمل الفني الحقوقي الأبعاد، وجد تجاوبا كبيرا في الأوساط الحقوقية المغربية.
حين تم تكريم نادية، في النسخة التاسعة من المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا، اختار المنظمون أن يكون تتويجها على إيقاع نغمات أغنية زوجها يونس مِكري «يا مرايا»، وحين طلب منه الحديث عن رفيقة دربه، قال: «نادية تتمتع بشخصية متفردة فهي تتحدث بنظراتها وتملك القدرة على الاختراق، انتقيتها بعناية كما أنتقي كلمات أشعاري».