شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

مُدننا المنقرضة

 

مقالات ذات صلة

 

يونس جنوحي

عندما جاء الأمريكيون إلى المغرب سنة 1942، خلال الحرب العالمية الثانية، في إطار الإنزال الشهير الذي سُمي عسكريا «عملية طورش»، مات 88 جنديا أمريكيا.

لم يلق هؤلاء الأمريكيون حتفهم على يد المغاربة، بل على يد الفرنسيين الموالين لحكومة «فيشي».

ما وقع أن السفن الأمريكية، عند وصولها إلى المغرب، تفرقت بين «فضالة»، المحمدية حاليا، والمهدية وناحية «بور ليوطي»، القنيطرة حاليا.

17 باخرة مقاتلة وصلت إلى نواحي مدينة المهدية، وكان على متنها 9000 جندي.

القائد العسكري الأمريكي، الذي كان يترأس هذه الفرق، ركب سيارة وعلّق عليها راية بيضاء واتجه صوب الثكنة الفرنسية لكي يقابل المسؤولين العسكريين الفرنسيين، ورغم ذلك لقي حتفه بعد اشتباك عنيف.

انتهت المعركة بانتصار الفرنسيين وفرضهم الأمر الواقع، ودخلوا الحرب العالمية الثانية من المغرب، وبقية القصة تعرفونها.

الجنرال العسكري، الذي أشرف على العملية برمتها، في كل مناطق المغرب بالإضافة إلى شواطئ أخرى في الجزائر وتونس، وهو الجنرال إيزنهاور، كافأه الأمريكيون بعد عشر سنوات وانتخبوه رئيسا للبلاد سنة 1952.

المثير أن منطقة المهدية، التي عاشت كل هذه الأحداث، تعاني حاليا من الإهمال، ليس من ناحية صيانة تاريخها وحسب، بل من ناحية الترويج السياحي أيضا.

رغم أن بها مآثر تعود إلى عهد الفينيقيين، وقبلهم أيضا، وهناك إشارات في كتابات الممالك القديمة التي مرت بالمغرب، تعود إلى أزيد من خمسة قرون قبل الميلاد.

أبرزها ما خطه الرحالة العسكري الشهير «حانون» الذي كان ينتمي إلى مملكة قرطاج. هذا الرحالة وصف المنطقة جيدا، وذكر أنه، في سنة 500 قبل الميلاد، بعد عبوره جبل طارق بيومين، والسير بمحاذاة ساحل المحيط، ومعه 60 مركبا على متنها أزيد من 30 ألف شخص، أسسوا بلدة أطلقوا عليها اسم «تيماتريون».

والمواصفات التي ذكرها هذا الرحالة، ومعه رحالة آخرون جاؤوا من بعده، خصوصا الرحالة «سكيلاكس» الذي جاء إلى المغرب سنة 335 قبل الميلاد، كلها تُجمع على أنهم وصلوا إلى وادي سبو واستقروا بقربه وأسسوا مدنا انقرضت الآن ولا يوجد لبعضها أي أثر، بينما لا تزال آثار أغلب المدن المذكورة في الوثائق القديمة قائمة.

المنطقة ما بين العرائش والقنيطرة حافلة ببقايا المدن التاريخية المطلة على المحيط.

مهندسو الحضارات القديمة لم يهتموا بالبحر كثيرا، بل كانوا يخافون منه، وما جعلهم يستقرون هناك قُربهم من وادي سبو. وهكذا مارسوا الزراعة والصيد وبنوا الحصون والقلاع، قبل أن ينقرضوا ويتركوا المكان لغيرهم.

بعض المواقع الأثرية في المغرب دمرها الرومان الذين وصلوا إلى هنا بدورهم قبل الميلاد، حتى أن هناك نظريات تاريخية تقول إن وادي «سبو» كان له اسم آخر قبل أن يأتي الرومان ويطلقوا عليه اسم «سوبا».

ماذا يوجد الآن على امتداد الخط البحري؟ إذا استثنينا الأحياء الهامشية وبقايا المنازل المتهدمة، والمواقع القليلة التي استفادت من مخططات الترميم، فإنه لا يوجد متحف واحد لاستعراض تاريخ المنطقة أمام الزوار.

الجنود الأمريكيون الذين شاركوا في عملية «طورش» ينقرضون تباعا، وحتى المُعمرون منهم، الذين كانوا بعمر العشرين أو الثامنة عشرة عندما شاركوا في عملية الإنزال الأمريكية في السواحل المغربية، صاروا الآن يُطلون على المئة.

في أوروبا يحتفلون بذكرى إنزال عملية «نورماندي» الشهيرة، التي تزامنت مع صيف سنة 1944، ويصفون ذكراها بأنها «اليوم الذي غيّر العالم». في حين أنهم نسوا أن اليوم الذي غيّر مجرى أحداث الحرب، كان قبل ذلك بعامين، وفي المغرب، على بُعد أمتار فقط من المواقع التي نزل فيها الفينيقيون والرومان قبل آلاف السنين وبنوا فيها مُدنهم وحضارتهم.

أي بالضبط عندما كانت أمريكا مجرد أراض شاسعة يجري فيها الهنود الحُمر وراء الخيول البرية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى