حسن البصري
كنت أتابع من مدرجات مركب محمد الخامس وقائع مباراة جمعت، يوم الجمعة الماضي، الرجاء البيضاوي بالدفاع الحسني الجديدي، كانت نتيجتها غير مؤثرة في مسار البطولة الاحترافية، لأن الأخضر الدكالي سقط في امتحان البقاء ضمن فرق الصفوة، ونزل إلى القسم الثاني، كالتلميذ الراسب في الاختبار الموحد، فيما أخضر الرجاء كان يخوض مباراة شكلية الانتصار فيها مطلوب والخسارة تحصيل حاصل.
لاحظت أن أجساد الجماهير الرجاوية كانت في الدار البيضاء، وعقولهم مسافرة بين ملعبي طنجة وفاس، فجأة عمت مدرجات المركب الرياضي موجة سعادة غامرة. تراقصت أجساد المشجعين والمنخرطين وبعض الحراس الخصوصيين وفئة واسعة من الصحافيين. تبين أن لقب البطولة حسم لفائدة الجيش الملكي وأن الوداد، الغريم التقليدي للرجاء، خرج من مولد البطولة بلا حمص.
فرح الرجاويون لنكبة الوداديين، ورقصوا على أوجاعهم حتى لا تعيش الدار البيضاء أعراسا من طرف واحد، فالمصيبة إذا عمت هانت. هكذا برر أحد الرجاويين الفرحة الجنونية التي شهدتها المدرجات في ليلة ختامها مسك وزفت.
ما أن انتهت وصلة الرقص، حتى انبعثت من المدرجات الجنوبية موشحات التنكيل بالفريق العسكري وجمهور العاصمة. فقد تذكر الرجاويون العداء التاريخي بين جماهير الفريقين، حينها تأكد أن الرقص كان على الجثث.
قبل أن يجف عرق لاعبي الجيش الملكي، أصدر المكتب المسير للرجاء بلاغا يهنئ فيه الفريق العسكري لحصوله على درع البطولة، «فهم تسطى».
بين الوداد والرجاء عرف سائد يمنع كل طرف من تهنئة الطرف الثاني بعد الحصول على لقب وطني أو قاري أو عالمي، وتستثنى من المنع التعازي والسير وراء الجنائز.
ظهر فجأة مشجعون جدد يملكون قدرة خارقة على تكفير باقي المناصرين، يحولون بهو الملعب إلى فضاء لحلقات نقاش يوزعون في نهايتها صكوك الغفران ويرسلون معارضيهم إلى نار جهنم وبئس القرار.
لن يكتمل إيمانك إلا إذا سكنك الكره تجاه غريمك، لن تصبح مشجعا كامل الأوصاف إلا إذا أحببت فريقك أكثر من مقدار البر بالوالدين، أخشى أن تقنعنا أغاني المدرجات بأن الجنة تحت أقدام «الكابوات».
انتهى الدوري الاحترافي وسيتم تسريح اللاعبين والمدربين والمشجعين والمنخرطين والمسيرين، إلا من تنتظره دورة استدراكية، لكن كيف يعيش المدربون الذين رسبوا في امتحان البقاء؟
أصعب المواقف وأكثرها قهرا للمدرب أن يسقط فريق إلى الدرجة السفلى وهو على ذمته، تلتصق به «تهمة» إسقاط فريق دون نية إحداثه، وتطارده صفة «مسقط» الفرق وتتمسك بتلابيبه إلى أن يكفر عنها بانتشال فريق من غرفة العناية المركزة ويحوله إلى فريق حي، لا يهم إن كان يرزق أم لا.
اليوم تبين أن المدرب المغربي ليس بشواهده العليا، وليس بتجاربه الداخلية والخارجية، وليس بعبوره في بلاطوهات التحليل الرياضي، بل بشبكة علاقاته ومعرفته الواسعة بقصة الصرار والنملة، وجعلها استراتيجية لجمع ما يكفي من النقط مبكرا وادخارها ليوم الحساب.
من كان يعتقد يوما أن هلال الطير، مدرب اتحاد طنجة، سيتسلم جثة فريق غارق في سكرات النزول ويزرع فيها أمل الحياة؟
من كان يظن أن هذا المدرب، الذي كان يوما في عداد الراسبين، سيحسم أمر البطولة وسيسلم الدرع لم شاء؟
أقنعنا الناخب الوطني، وليد الركراكي، بأن شعار المباريات «إنما الأعمال بالنيات»، لكن تبين أنه ليس لكل مدرب ما نوى.
نحن اليوم أمام نوعين من المدربين: مدرب «ميتر ناجور» مهمته انتشال جثث الغارقين، ومدرب أشبه بمعلم سباحة، يكتفي بتنبيه السباحين وتحذيرهم بالصفير كلما تجاوزوا خط الخطر. وهناك نوع ثالث يسبح دوما ضد التيار.