شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرخاص

من هو هنري كيسنجر عراب الحروب والانقلابات

حاز على جائزة نوبل ووصف بمجرم حرب

توفي وزير الخارجية الأمريكي السابق، هنري كيسنجر، عن عمر يناهز المائة سنة، تاركا وراءه بصمات عميقة من الأدوار السياسية والدبلوماسية المثيرة للجدل. كان كيسنجر معروفا بالنظرات الثاقبة ويلقب بثعلب الحروب وصقر التخطيطات، في حين ظل يلقبه منتقدوه بمجرم الحرب وملك الإبادات الجماعية.

مقالات ذات صلة

 

 

إعداد: سهيلة التاور

ولد هنري كيسنجر سنة 1923 بفورث في مقاطعة بافاريا، واضطر إلى اللجوء للولايات المتحدة في سن 15 مع أبيه المعلم وبقية عائلته. وحصل على الجنسية الأمريكية في سن العشرين وانضم لوحدة مكافحة التجسس العسكرية بالجيش الأمريكي الذي سافر معه إلى أوروبا مترجما باللغة الألمانية.

بعد الحرب العالمية الثانية، عاد كيسنجر لاستئناف دراسته، فالتحق بجامعة هارفرد حيث حصل على شهادة في العلاقات الدولية قبل أن يقوم بالتدريس هناك ويصبح أحد مديري الجامعة العريقة.

 

جائزة نوبل

حاز كيسنجر في 1973 جائزة نوبل للسلام مناصفة مع لي دوك ثو بعد التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار، لكن الفيتنامي رفض الجائزة التي اعتبرت الأكثر إثارة للجدل في تاريخ نوبل.

وبالمقابل، طالب منتقدو كيسنجر لفترة طويلة بمحاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ونددوا بالجانب القاتم والأكثر إثارة للجدل والأقل انفتاحاً في سياسته الخارجية، وعلى وجه الخصوص ضلوعه في القصف المكثف على كمبوديا أو دعمه للرئيس الإندونيسي سوهارتو الذي أدى غزوه لتيمور الشرقية إلى مقتل 200 ألف شخص سنة 1975، ولكن أيضا الدور الذي لعبته وكالة الاستخبارات المركزية في أمريكا اللاتينية، وغالبا ما كان ذلك تحت قيادته المباشرة، ما شوّه صورته، بدءاً بالانقلاب الذي وقع في الشيلي سنة 1973 وأوصل أوغستو بينوشي إلى السلطة بعد وفاة سلفادور أليندي.

ومع مرور السنين، كشفت الوثائق الأرشيفية معالم «خطة كوندور» للقضاء على معارضي الديكتاتوريات بأمريكا الجنوبية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.

 

 

ملك بناء الجسور

عين الرئيس الأمريكي الأسبق، ريتشارد نيكسون، هنري كيسنجر، في دجنبر 1968، مساعدا لشؤون الأمن القومي، ليصبح رئيسا للمجلس من سنة 1969 إلى 1975، ووزيرا للخارجية من شتنبر 1973 إلى يناير 1977، وخلال تلك الفترة، كان كيسنجر شخصية شديدة التأثير في إدارة الرئيس نيكسون الذي استقال على خلفية فضيحة ووترغيت عام 1974.

وكان الرئيس نيكسون «أعطى كيسنجر نفوذا كبيرا وعندما مر بتحديات ووترغيت حصل كيسنجر على سلطة استثنائية».

وطبق كيسنجر سياسة «بناء الجسور» في تطوير علاقات أمريكية أكثر إيجابية مع الاتحاد السوفياتي السابق خلال الحرب الباردة، وساعد في التفاوض على اتفاقية الحد من الأسلحة الاستراتيجية (سالت1) مع الاتحاد السوفياتي، في عام 1972.

وأعاد كيسنجر الانفتاح الدبلوماسي الأمريكي على الصين، ومهّد الطريق لزيارة ريتشارد نيكسون إلى بكين عام 1972، وفي عام 1973، فاز كيسنجر بجائزة نوبل للسلام بفعل مساهمته في توقيع اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى الورطة الأمريكية بفيتنام.

كان كيسنجر قارئا نهما للتاريخ والفلسفة، وهو يعتمد على السياقات التاريخية في تفسير أحداث الحاضر وقضاياه الكبرى وقراءة المستقبل عبر القياس والعبرة.

ويرى كيسنجر أنه ينبغي تفكيك القضايا والأزمات الكبرى إلى عناصر وتفاصيل أصغر لفهمها ثم إعادة تركيبها بما يتناسب مع الحقائق الجديدة. وفي هذا السياق ابتدع سياسة «الخطوة خطوة» و«الرحلات المكوكية» التي طبقها بأزمات فيتنام والصين والشرق الأوسط.

 

 

جرائم الإبادة الجماعية

جرائم الإبادة الجماعية غير الأخلاقية التي ارتكبها كيسنجر كشفت أنه ممثل مخلص للنخب الأمريكية التي خدمها طوال حياته.

وكيسنجر هو الذي دعا إلى تعزيز علاقات الولايات المتحدة مع المستعمرات الاستيطانية العنصرية البيضاء بجنوب إفريقيا وروديسيا، والمستعمرات البرتغالية بموزمبيق وأنغولا.

وبالنسبة للشرق الأوسط، فإلى جانب تعزيز العلاقات مع  إسرائيل التي أصبحت حليفا رئيسيا للولايات المتحدة خلال سنوات نيكسون وفورد، جعل كيسنجر إسرائيل مدججة بالسلاح خلال حرب 1973 من أجل منع «النصر العربي».

وأدت مساعدته العسكرية الطارئة لإسرائيل خلال الحرب إلى عكس الانتصارات المبكرة للجيشين المصري والسوري، وضمنت فوز إسرائيل بالحرب. وفي شتنبر 1975 وقع كيسنجر «مذكرة تفاهم» مع الإسرائيليين تلزم الولايات المتحدة بعدم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية أو التفاوض معها ما لم تعترف بـ«حق إسرائيل في الوجود» كدولة عنصرية تؤمن بالتفوق اليهودي. «وهو ما فعله رئيس المنظمة السابق ياسر عرفات في عام 1988 في جنيف، ومرة أخرى في عام 1993، مع التوقيع على اتفاق أوسلو».

وكان سجل كيسنجر المروع محبوبا لدى العديد من الساسة الليبراليين بالولايات المتحدة. فقد أحبه آل كلينتون وحضروا حفلات أعياد ميلاده. ولم تستطع هيلاري كلينتون التوقف عن الثناء عليه على نصيحة قدمها لها عندما كانت وزيرة للخارجية، مؤكدة أن «كيسنجر صديق».

وفي عام 2010 استخدمت إدارة باراك أوباما سياسات كيسنجر القاتلة في كمبوديا لتبرير عمليات القتل الإجرامية التي ارتكبتها بالمسيرات ضد مواطنين أمريكيين وغير أمريكيين في مختلف أنحاء العالم.

وكل السياسات الإمبريالية القاتلة التي انتهجها كيسنجر لم تحد عن السياسة الخارجية الأمريكية قبله أو بعده. وهذا هو السبب وراء شعبيته بين رجال الأعمال والنخبة الفكرية الأمريكية، الليبراليين والمحافظين على حد سواء.

ولم يكن كيسنجر سوى ممثل مخلص للنخب الأمريكية المجرمة التي خدمها طوال حياته، والتي ضمنت له حياة طويلة من الشهرة والثروة والرفاهية.

 

  10 صراعات تدخل فيها كيسنجر

فيتنام

فاز كيسنجر بجائزة نوبل للسلام لتفاوضه على وقف إطلاق النار في فيتنام عام 1973. ولكن تلك الحرب ربما كانت لتنتهي قبل ذلك بأربع سنوات لو لم يمكّن خطة نيكسون من «إفساد» مفاوضات السلام التي أجراها الرئيس ليندون جونسون. وفي عام 1969، تم انتخاب نيكسون رئيسًا وتمت ترقية كيسنجر لمنصب مستشار الأمن القومي.

 

كمبوديا

أدى توسيع كيسنجر للحرب إلى تمهيد الطريق لحكم الإبادة الجماعية الذي مارسه الخمير الحمر بكمبوديا، الذين استولوا على السلطة من النظام العسكري الذي تدعمه الولايات المتحدة، واستمروا في قتل خمس السكان (مليونا شخص). ووقع الكمبوديون في أيدي الحركة الشيوعية بسبب حملة القصف الشامل التي شنها كيسنجر ونيكسون، والتي أسفرت عن مقتل مئات الآلاف من الأشخاص. وحتى يومنا هذا لازال الناس يموتون بسبب القنابل الأمريكية غير المنفجرة.

 

بنغلاديش

في عام 1970، فاز القوميون البنغاليون في ما كان يعرف آنذاك باسم باكستان الشرقية بالانتخابات. وخوفًا من فقدان السيطرة، شنت الحكومة العسكرية في غرب باكستان حملة قمع دموية. وقف كيسنجر ونيكسون بقوة وراء المذبحة، واختارا عدم تحذير الجنرالات من التراجع. وبدافع من فائدة باكستان كثقل موازن للصين والهند ذات الميول السوفييتية، لم يتأثر كيسنجر بمقتل ما بين 300 ألف و3 ملايين شخص. وتم تسجيله في تسجيل سري، حيث أعرب عن ازدرائه للأشخاص الذين «ينزفون» من أجل «البنغاليين المحتضرين».

 

الشيلي

لم يوافق نيكسون وكيسنجر على سلفادور الليندي، الذي نصب نفسه ماركسيا، والذي تم انتخابه ديمقراطيا رئيسا للشيلي في عام 1970. وعلى مدى السنوات الثلاث التي تلت ذلك، استثمروا ملايين الدولارات في التحريض على الانقلاب. وقال رئيس وكالة المخابرات المركزية آنذاك، ويليام كولبي، في جلسة استماع سرية عقدت عام 1974 أمام اللجنة الفرعية الخاصة للاستخبارات بالقوات المسلحة بمجلس النواب، إن حكومة الولايات المتحدة أنفقت 11 مليون دولار من أجل «زعزعة استقرار» حكومة الليندي. وشمل ذلك 1.5 مليون دولار حولتها وكالة المخابرات المركزية إلى صحيفة إل ميركوريو بسانتياغو، التي كانت معارضة لليندي. كما أقام عملاء وكالة المخابرات المركزية أيضًا روابط مع الجيش للشيلي. وفي عام 1973، وصل الجنرال أوغستو بينوشيه إلى السلطة في انقلاب عسكري. وخلال حكمه، الذي دام 17 عاما، اختفى أو قُتل أكثر من 3000 شخص، وتم سجن عشرات الآلاف من المعارضين. وكما قال كيسنجر لنيكسون: «نحن لم نفعل ذلك. أعني أننا ساعدناهم». بعد مرور أكثر من 3 عقود على إرغام بينوشيه على ترك منصبه، لا تزال الشيلي تتصارع مع إرث الدكتاتور السابق الذي مكّنته الولايات المتحدة.

 

قبرص

شهدت قبرص، موطن السكان اليونانيين والأتراك، أعمال عنف عرقية طوال الستينيات. وفي عام 1974، بعد انقلاب قامت به الحكومة العسكرية الحاكمة باليونان، تحركت القوات التركية. وشجع كيسنجر بشكل فعال على حدوث أزمة بين حليفتي الناتو، حيث نصح الرئيس فورد، الذي تم تنصيبه حديثًا، باسترضاء تركيا. وقال: «التكتيكات التركية صحيحة: الاستيلاء على ما يريدون ثم التفاوض على أساس الاستحواذ». وأدى الانقلاب اليوناني والغزو التركي معًا إلى سقوط آلاف الضحايا.

 

تيمور الشرقية

في عام 1975، أعطى كيسنجر الضوء الأخضر للرئيس سوهارتو لغزو إندونيسيا لتيمور الشرقية، وهي مستعمرة برتغالية سابقة كانت تتجه نحو الاستقلال. وخلال زيارة لجاكرتا، أخبر كيسنجر وفورد سوهارتو، الدكتاتور الوحشي والحليف الوثيق في المعركة ضد الشيوعية، أنهما يفهمان أسبابه ونصحاه بإنهاء الأمر بسرعة. وفي اليوم التالي، تحرك سوهارتو بجيشه المجهز بالقوات الأمريكية، فقتل 200 ألف من تيمور الشرقية.

 

إسرائيل

عندما اندلعت حرب أكتوبر عام 1973 بهجوم تحالف من الدول العربية بقيادة مصر وسوريا إسرائيل، قاد كيسنجر رد إدارة نيكسون. لقد تصدى لمحاولات البنتاغون تأخير شحن الأسلحة لإسرائيل، وسارع لتسليم الأسلحة التي ساعدت الجيش الإسرائيلي على عكس خسائره المبكرة والوصول لمسافة 100 كيلومتر (62 ميلاً) من القاهرة. وأعقب ذلك وقف لإطلاق النار. غالبًا ما يُنسب الفضل لدبلوماسيته المكوكية بين مصر والدول العربية الأخرى وإسرائيل في تمهيد الطريق للتوقيع النهائي على اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978. بحلول ذلك الوقت، كان كيسنجر خارج منصبه، ولكن في عام 1981، أوضح أنه كان لدبلوماسيته بالشرق الأوسط هدف سياسي بسيط؛ «عزل الفلسطينيين» عن جيرانهم وأصدقائهم العرب.

 

الأرجنتين

لم يعد كيسنجر في منصبه بعدما خلف جيمي كارتر فورد عام 1976، واستمر في تأييد القتل، وأعطى ختم موافقته للجيش الأرجنتيني الفاشي الجديد، الذي أطاح بحكومة الرئيس إيزابيل بيرون. وشنت الحكومة العسكرية حرباً قذرة ضد اليساريين، ووصفت المنشقين بأنهم «إرهابيون». خلال زيارة للأرجنتين عام 1978، تملق كيسنجر للدكتاتور خورخي رافائيل فيديلا، وأشاد به لجهوده في مكافحة «الإرهاب». سيشرف فيديلا على اختفاء ما يصل لـ30 ألف معارض. ولقي نحو 10 آلاف شخص حتفهم خلال الحكم العسكري الذي استمر حتى عام 1983.

 

جنوب إفريقيا

خلال معظم الفترة التي قضاها بإدارتي نيكسون وفورد، لم يبد أن كيسنجر أعطى إفريقيا الكثير من الاهتمام. ولكن في عام 1976، مع اقتراب فترة ولايته من نهايتها، زار جنوب إفريقيا، ومنح الشرعية السياسية لحكومة الفصل العنصري بعد وقت قصير من انتفاضة سويتو، التي شهدت مقتل تلاميذ المدارس السود وغيرهم على يد الشرطة. وبينما أجبر رئيس الوزراء الروديسي إيان سميث على قبول حكم الأغلبية السوداء، فقد انشق على مقربة من حكومة الفصل العنصري بجنوب إفريقيا في دعمها لمتمردي يونيتا الذين يقاتلون الحركة الشعبية الماركسية اللينينية لتحرير أنغولا. واستمرت تلك الحرب 27 عاماً، وكانت من أطول الحروب وأكثرها وحشية في القرن الماضي.

 

الصين

كثيرا ما تتم الإشادة بكيسنجر لقيامه بالتوسط في الانفراج بين الولايات المتحدة والصين. وبعد زيارة أولية لبكين في عام 1972، ساعد في إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية عام 1979. ووصفه الرئيس الصيني شي جين بينغ بأنه «صديق قديم». ومع ذلك، فإن المتظاهرين الذين خيموا بميدان السلام السماوي عام 1989 يتذكرونه بقدر أقل من الاعتزاز. و مباشرة عقب المذبحة التي أودت بحياة المئات والآلاف من الأشخاص، قدم لمحة عن السياسة الواقعية الباردة القاسية التي ميزت نهجه في التعامل مع الدبلوماسية. وقال إن الحملة القمعية «حتمية». وقال: «لم تكن أي حكومة في العالم تتسامح مع احتلال عشرات الآلاف من المتظاهرين للساحة الرئيسية في عاصمتها لمدة ثمانية أسابيع». وقال إن الصين تحتاج للولايات المتحدة والولايات المتحدة تحتاج للصين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى