شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

من طرائف السوشيال ميديا

 

مقالات ذات صلة

خطيب بدلة

 

إذا أردنا أن نضع عنوانا عريضا لعصرنا الحاضر، نقول إنه عصر «التريندات». كلمة «تريند» أجنبية، ترجمتُها الأنسب، في ظني: الهوشة الإعلامية. قبل عصر الإنترنت والسوشيال ميديا؛ لم تكن التريندات تحصل إلا في أوقات متباعدة، لأن ذلك كان يتعلق بالصحافة المطبوعة، أو المسموعة، أو المرئية، وكان للصحافة، كما هو معروف، توجهات، والتزامات برغبات الممولين أو الدول. فعلى سبيل المثال؛ لم يأت أحد على سيرة تدمير أحياء وقتل عشرات الألوف في حماة، سنة 1982، إلا بخبر صغير أذاعته «بي بي سي». أما اليوم، فالعشرات من الموجودين في مكان وقوع حدث مهم، أو تافه، يصورونه بهواتفهم المحمولة، ويبثونه، لتتكفل منصات التواصل بتوزيعه، خلال دقائق، على مختلف أنحاء العالم.

لكل شعب، كما تعلمون، ترينداته، والطبيعي أن يتعلق القسم الأكبر من «ترينداتنا»، نحن العرب، بالطعام، لأننا شعب مُبْطِن، تَستخدم المرأة في بلادنا المثلَ الشعبي «مفتاح الدخول إلى قلب الرجل بطنُه». ويتباهى الرجل بأن الطعام الذي تطبخه زوجته تؤكل الأصابع وراءه. ويحكي شاب لأبيه أنه خرج في نزهة مع أربعة من رفاقه، وأخذوا معهم ستة كيلو لحم خروف، شووها وأجهزوا عليها، فيطرب الوالد بما سمع، ويقول: ما شاء الله كان، أنتم رجال بحق… أحدثُ ترينداتنا التي تتحدث عن الأطعمة، الصورة المنقولة من مستشفى اليرموك بمحافظة درعا، وفيها طفل خديج في حاضنة، وعلى السرير المجاور نُشرت كمية لا يستهان بها من الملوخية الخضراء، بقصد تجفيفها. وقد جاء هذا التريند، بعد زمن ليس بالبعيد عن تريند الإعلامية اللبنانية نضال الأحمدية التي انتقدت، في مقابلة تلفزيونية، عاملَ «ديلفري» سورياً، لا يعرف ما هو الشوكولامو. ولأننا شعب قليل الاهتمام بالسياسة، لم نعثر، بين مئات الناشطين الساخرين الذين هاجموا الأحمدية، على واحد ينتقد قولها، في المقابلة ذاتها، إن بشار الأسد لا يسمح بعودة اللاجئين إلى سوريا، وإن الحق معه في ذلك. تصور، نحن نهمل الحديث عن رئيس دولة هَجَّر مئات الألوف من شعب بلده، ورفض عودتهم إلى ديارهم، ونَهُبُّ لنثبت لتلك الحاقدة أننا نعرف الشوكولامو!

المشكلة في «التريند» أنه سرعان ما يتحول إلى قوة غير بصيرة، تَخْبُط، كما قال زهير، خبط عشواء، ونادرا ما ترى رجلا تريندويا يفكر في الأمر لحظات، أو لحظة واحدة، قبل أن يستل «كيبورد» كومبيوتره، أو موبايله، ويباشر بالهدف المطلوب توبيخا وتهزيئا وسبابا.. فقبل بضع سنوات، ظهر مواطن تركي فقير، بسيط، في مقابلة تلفزيونية صغيرة، وقال إنه لا يستطيع أن يشتري لأسرته موزا، بينما اللاجئون السوريون يشترون الموز… وعلى الفور، بدأ السوريون المقيمون في كل مكان من العالم، حملة «تريندية» عشوائية، لم تبق خلالها صفة سيئة إلا وألصقوها بالشعب التركي (كله)، وأكثر الكلمات تداولا كانت «العنصرية»، مع أنني مستعد أن أحلف يمينا معظما على أن ذلك المواطن لا يعرف ما هي العنصرية، ولا السياسة، فكيف ندين، من خلال جملته، شعبا بكامله؟

«التريند» الذي يلامس المعتقدات الدينية هو الوحيد الذي يمكن أن يلي «تريندات» الأطعمة بالأهمية، ويتفوق عليها من حيث الخطورة، وتكاد السمة الأساسية له أن 99 في المائة من الذين يشاركون فيه لا يعرفون حقيقة الموقف الذي انطلق منه.. فمثلا؛ ملايين الإيرانيين الذين خرجوا، خلال تريند الاحتجاج على رواية سلمان رشدي «آيات شيطانية»، قبل 34 عاما، وتدافعوا، وقُتل منهم كثيرون بفعل التدافع، لم يقرؤوها، ومؤكد أن مَن أصدر الفتوى، الخميني نفسه، لم يقرأها، وكذلك الذين تطوعوا لتنفيذ الفتوى … وأكد ذلك الفتى الذي حاول اغتيال نجيب محفوظ في أكتوبر 1995، على أنه لم يقرأ شيئا من رواياته، وما يجدر ذكره أن جماعة «تريندات» الأطعمة كلهم ينامون قريري العين، أما من يُهَدَّد بسبب مشكلة تتعلق بالعقيدة فلا.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى